أريدُ أن أخاطبَكَ يا موت،

الأب ابراهيم سعد.

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

اسمحوا لي أن أتكلَّمَ كما يحلو لي.
أريدُ أن أخاطبَكَ يا موتُ..
يا موتُ شئتَ اليومَ أن تضرِبَنا في الصَّميمِ، في القلبِ، ونجحتَ في إيلامِنا، نجحت. أشهدُ لكَ أنّكَ قادر على هذا. يا أيّها الوحشُ الذي لا يشبعُ، همُّكَ أن تأكلَ فقط ولا تشبع. همُّكَ يا موت أن تزرعَ فينا يأساً وإحباطاً، أن تزرعَ فينا حتّى الكفرَ. يا من تفرحُ عندما نحزن.
أنا أعرفُ أنَّها حربٌ قد أعلنتَها علينا. وهدفُ هذه الحرب أن تنتزعَ منّا فرحَ القيامةِ، هدفُ حربك أن تنتزعَ منّا الإيمان.
أنا أعرفُ أنَّكَ قهَّارٌ، قتَّالٌ، ولكنَّكَ بالرغم من كلّ جهدِكَ وسعيكَ ودهائِكَ وخبثِكَ، قد سهى عن بالِكَ أنّنا نحنُ أبناءُ الإيمانِ، أبناءُ الرّجاءِ، أبناءُ المحبّةِ.
غفلَ عنكَ يا موتُ ونسيتَ أنّنا جئنا من جنبِ المطعونِ بالحربةِ على الصَّليبِ، أنّنا جئنا من هناكَ من خلفِ الحجرِ المرفوعِ عنِ القبرِ مهما كان عظيماً، هيهات يا موتُ منّا الهزيمة !
لقدِ استطعتَ اليومَ أيّها الموتُ أن تأخذَ من بيننا وردةً، وأن تبتلعَ من ضياءاتِنا ضياءً.
نعرفُ ذلكَ وندفعُ الثَّمنَ وجعاً.
ظننتَ أنّكَ ابتلعتَهُ ؟ ظننتَ أنّكَ ربحتَ؟
انظرِ الآنَ يا موتُ، انظر إلى ميشال. أينَ أصبحَ الآن؟ أمازالَ في جوفِكَ؟ لا واللهِ، لا والله!
لقد تحرّرَ ميشالُ اليومُ من ضغطِكَ يا واهمُ، لقد تحرَّرَ من سطوتِكَ اليومَ أيّها الموتُ، من سلطانِكَ، وراحَ ميشالُ يتبخترُ كالعريسِ في جنّةِ العرسِ الدائمِ، في عرسٍ لا تستطيعُ أنتَ أن تتصوّرَ روعتَهُ ولن تستطيعَ، بل لا يُسمحُ لكَ أن تستطيع.
لذلكَ بالرَّغمِ من تحفُّظِ البعضِ، شئناهُ اليومَ أن يكونَ عرساً رغماً عنكَ يا موتُ. شئناهُ اليومَ أن يكونَ يوماً فصحياً رغماً عنكَ يا موت. شئناهُ اليومَ إعلانَ قيامةٍ، ليسَت قيامةُ الربِ بل قيامةُ ميشال، رغماً عنكَ !

نحنُ لا نبكي يا موتُ لأنّكَ ربحتَ، نحنُ نبكي فقط لأنّنا نحبُّ والذي يحبُّ يعمِّدُ والدموعُ معموديةٌ جديدةٌ. نحنُ نعمّدُ ميشال بدموعِنا ولا نحبسُه في عيوننا، وهذا ما يقهركُ يا موتُ. نحنُ لا نحبسُ ميشال في العيون، نحن نقبلُ، نقبلُ ولو على حسابِ شوقِنا لهُ أن يتحرّرَ من الترابيّة ويتحوّل إلى الملكوتيّةِ.
نحنُ أتينا برموزِ الفرحِ والبياضِ والورودِ بالرغمِ من ألمِ الحزن، أتينا لنعلنَ اليومَ أنَّ المسيحَ قام…حقّاً قام، لا بل أنَّ ميشال قامَ…حقّاً قام! وهذا ليس شعاراً، هذا هو إيماننا، فهمنا أم لم نفهم، هذا هو إيماننا. وإذا ما رفعنا النّعشَ عالياً فنحنُ لا نرفعه عالياً عن الأرض، نحنُ نعليهِ الى السَّماء لتمدَّ يدكَ أنتَ يا اللهُ وتلتقطَ ميشال وتتقبَّلَهُ، لنقولَ لك: التي لكَ ممّا لكَ نقدّمُهُ لكَ عن كلِّ شيءٍ ومن أجلِ كلِّ شيءٍ. نقدِّمُ اليومَ ميشال قرباناً لقدَّاسٍ أنتَ كاهنُهُ يا اللهُ، أنتَ متقبِّلهُ يا ربُّ ومقرِّبهُ، رغماً عنكَ يا موت!
قد لا يتقبّلُ البعضُ منّا هذا الكلامَ ولكنّي يا ميشال الآنَ سوفَ أتكلّمُ معكَ بالرَّغمِ من أنّني ما زلتُ في التُّرابيةِ وأنت أصبحتَ في حالةِ اللّا تراب:
تنعّم يا عمّي في ما أنتَ تحياهُ من بعدِ هذا اليوم، تنعَّم في الرّضا، في رضا مَن وحدَهُ عندَه الرضا.
اذهب وجهِّز لنا مكاناً لأنّ الشوقَ بدأَ يكبرُ يا ميشال منذُ الآن، وإذا تأخّرنا عن اللّقاءِ بكَ، نطلبُ إليكَ أن تتضرّعَ الى صاحبِ العرسِ فوقَ أن يُنعمَ علينا بنعمة الصَّبر، ونعمةِ اليقظةِ لننتبهَ لضعفاتِنا :

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp