أنت المسيح، ابن الله الحيّ، مخلِّص العالم،
عِظة للأب نيقولا حداد، خادم كنيسة دير القدِّيس بطرس – مرمريتا. سوريا.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
الله معكم إخوتي،
منذ ستّة أشهر، انطلقت جماعة “أذكرني في ملكوتك” في هذه الرعيّة، من خلال القداديس الشهريّة الّتي تُقدِّمها من أجل الراقدين على رجاء القيامة. نشكر الله على هذه العائلة الّتي وُلِدت في رعيّتنا، والّتي تنمو يومًا بعد يومٍ زارِعةً الرّجاء والإيمان والمحبّة في قلوب المؤمِنِين.
من خلال النّص الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامِعنا، يَطرحُ يسوعُ السؤالَ على كلِّ مؤمِنٍ به، قائلاً: مَن أنا بالنسبة لك؟ هل أنا إيليّا، أو يوحنّا المعمدان، أو أحد الأنبياء؟ نصلّي إلى الله كي يكون جوابنا، على سؤال الربّ، واحدًا: “أنت المسيح، ابن الله الحيّ، مخلِّص العالم”. على الرّغم من تحقيق الربّ الخلاصَ لنا بموتِه على الصّليب، ومَنْحِنا الحياة الأبديّة، لا يزال الموت سبب إشكاليّة لنا، فنطرح السؤال: لماذا لا يزال الموت موجودًا؟ إنّ الموت لا يزال موجودًا في هذه الأرض، لأنّ ما لهذه الأرض، يبقى في هذه الأرض، وما للسّماء يعود إليها: هذا هو إيماننا المسيحيّ.
وبما أنّ قلب الإنسان لا يرتاح إلّا في الله الّذي منه خَرَج، كان عليه أن يعود إلى السّماء، أي إلى قلب الله خالق البشر، فيَجِد راحته. إنّنا نصلّي من أجل أمواتنا الرّاقدين، لأنّنا نشكِّل معهم الكنيسة الّتي رأسها المسيح: فَهُم قد تكلّلوا بالمجد وانتقلوا إلى الحياة الأبديّة، بينما نحن لا نزال نجاهد في هذه الأرض. ونصلّي أيضًا في هذه الذبيحة الإلهيّة، من أجلنا، كي نَثبُتَ على الإيمان بيسوع المسيح، الّذي وَعد المؤمِنِين به بالحياة الأبديّة.
إذًا، على المؤمِنين أن يميِّزوا ما بين الحياة على هذه الأرض، وبين الحياة الأبديّة في السّماء: في هذه الأرض، تَحِلُّ الظلمة حين يغرب نور الشّمس، أمّا في تلك الحياة، فشمس الربّ ساطعةٌ أبدًا، لا يغرب نورها؛ في هذه الأرض، يسيطر المرض والضُّعف والألم والشَّقاء، بينما في الحياة الأبديّة، يعمّ الفرح والسّلام، فهناك لا تَنَهُدّ ولا بكاء ولا أوجاع.
إنّنا نعيش في هذه الأرض كغرباء، ولذا لا بدّ لنا أن نرحل عنها، أمّا في تلك الأرض السماويّة، فسنعيش كأبناء، ولذا نتجرّأ على الصّراخ لله الآب:”أبّا”. فمَن كان أبوه حيًّا لا يمكننا أن نسمِّيه يتيمًا، وبالتّالي لا يمكن للمؤمِن أن يكون يتيمًا إذ كان لديه أبٌ حيٌّ وهو الله، وأمٌّ هي العذراء مريم الّتي انتقلت إلى الحياة في السّماء. إنّ الّذي يؤمِن بالربّ يسوع، لا بدَّ له أن يتَّخذ العذراء مريم، والدة الإله، شفيعةً له، وبالتّالي فإنّ المؤمِن لا يستطيع أن يعيش يتيمًا لأنّه مغمورٌ بالحنان والعاطفة السماويّتين، من الله ومن العذراء مريم، ومن جميع القدِّيسين الّذين سبقونا ورقدوا للحياة الأبديّة.
ليست الحياة على الأرض، سوى ممرٍّ، لجميع البشر، يصل بهم إلى السّماء، حيث الفرح الأبديّ، والشمس الّتي لا يغرب نورها، وحيث المنازل السماويّة معدَّةٌ لنا مِن قَبلِ إنشاء العالم. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبَلِنا.