عظة للأب عبود عبود الكرمليّ،
كنيسة دار المسيح الملك – زوق مصبح، كسروان.
أهميّة الرّوح القدس في حياتنا،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
في الاسبوع الخامس من زمن العنصرة، من زمن حلول الرّوح القدس، نحتفل في هذا المساء المبارك بهذه الذبيحة الإلهيّة الّتي نسمع فيها كلمة الرّبّ ونكسر الخبز والخمر. في زمن العنصرة هذا، الّذي يمتّد إلى عدّة أسابيع، تركِّز الكنيسة على أهميّة الرّوح القدس، المعزّي والمرشد والمقويّ في حياتنا، الّذي وعدنا يسوع بأن يرسله إلينا يوم صعوده إلى السّماء. ونحن قد نلنا في المعموديّة الثالوث الأقدس، الآب، والابن والرّوح القدس. وفي هذا النّصّ من إنجيل القدّيس مرقص، الّذي سمعناه اليوم، يخبرنا الرّبّ يسوع أنّه سيتّم تسليمنا إلى الولاة والملوك للمحاكمة، ولكنّه يطلب منّا ألاّ نهتّم أو نفكِّر بما علينا قوله، إذ إنّ الرّبّ سيرسل إلينا الرّوح القدُس الّذي سيعطينا ويُلهِمنا بما علينا قوله. ويؤكد لنا الرّبّ أنّنا سننتصر على هؤلاء الولاة والملوك، إذ سيدركون كم أنّنا نحبّه، وأننّا متّحدون مع الكنيسة، ومستّعدون للشهادة ليسوع المسيح المخلِّص كوننا رسله.
لقد احتفلت الكنيسة، أمس، بعيد القدّيس انطونيوس البادواني، هذا القدّيس الّذي لم يعش على هذه الأرض سوى ستّ وثلاثين سنة، وتميّز بحبّه للوعظ بكلمة الله، وهذا ما جعل منه مبشِّرًا ومرسلاً ليسوع المسيح. فاللّافت عند هذا القدّيس هو حماسه لإعلان كلمة الله والتبشير بها، وذلك من خلال الوعظ بها، ومن خلال الكتابات الرّوحيّة الّتي تركها لنا.
جميعنا قد حَصلنا على الرّوح القدس في المعموديّة، غير أنّ كلّ واحدٍ منّا يتفاعل معه في حياته بشكلٍ مختلفٍ عن الآخر. فكما أنّ المطر يسقي الأرض كلّها، ويروي كلّ المزروعات والأعشاب، ولكنّ كلّ نبتة تأخذ منه حاجتها، كذلك هي حال الانسان الّذي كلّما تفاعل مع الرّوح القدس الّذي ناله في المعموديّة، نما وكَبُر بشكلٍ أفضل، وأتى بثمارٍ أفضل. ويشبه أيضًا تفاعل الانسان مع الرّوح القدس، الشجرة الّتي كلّما كانت جذورها مترسّخة في الأرض وتأخذ منها ما تحتاجه من الغذاء، كلّما نمت وأعطت ثمارًا طيّبة، ولكن إذا كانت جذورها مريضة غير قادرة على الحصول على حاجتها من الغذاء من الأرض، كلّما كان نموّها بطيئًا وكانت غير قادرة على إعطاء الثّمار. هذا هو حالنا: فكلّما انفتحنا على الرّوح القدس، كلّما ازددنا نموًّا في النّعمة، وشجاعةً للتبشير بالله.
في حياتنا، غالبًا ما نعطي أهميّة كبرى للأقنوم الثاني يسوع المسيح، ابن الله، الّذي تألّم من أجلنا، متجاهلين في الكثير من الأحيان، دور الله الآب الخالق في حياتنا، وكذلك دور الرّوح القدس الـمُقدِّس والمعزّي، على الرغم من أنّنا نعلم أنّ الثلاثة متساوون في الجوهر، ولكن لكلّ منهم دوره الفعّال في حياة الانسان والكنيسة. إذًا، فلنُصلِّ إخوتي يوميًّا للرّوح القدس، ولنسلِّمه حياتنا، فيقدِّسنا وننمو في معرفته، وندرك أهميّته في حياتنا، وفي حياة الكنيسة جمعاء. حين حلّ الرّوح القدس على التّلاميذ في العليّة، انطلقوا إلى العالم كلّه ليبشِّروا بالله، وكان ذلك نتيجة تفاعلهم معه، إذ إنّه منحهم القوّة والعزيمة كي ينطلقوا للبشارة: “اذهبوا في الأرض كلّها، وأعلنوا البشارة للخلق أجمعين”. إنّنا، نحن المؤمنين بيسوع المسيح، قد حصلنا على الرّوح القدس، ونحن بالتّالي مرسَلين له في هذا العالم، لذا يتّوجب علينا أن نعيشه في حياتنا ونبشِّر به الخلق أجمعين، مبتدئين بذواتنا ومنطلقين إلى الآخرين، وقد يمنح الله البعض منّا نعمة التبشير به في بلاد الاغتراب.
“وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ابنه، وسيتمرّد الأولاد على والديهم ويقتلونه”: إنّ نهاية هذا النّص الانجيليّ قد تبدو مخيفةً بعض الشيء، لا بل نستطيع أن نقول إنّها تضعنا أمام موقف من الشّك أيضًا. عند قراءتي لهذه الآية، تذّكرت أنّني سمعت منذ فترةٍ قصيرةٍ، في نشرة الأخبار المسائية، خبرًا مفاده أنّ ابنًا قد قتل أمّه لأنّها كانت تعذِّبه. إنّ مثل هذا الخبر يجعلنا نشعر أنّ كلمة الله صادقة، وأنّ كلّ ما قاله يسوع لم يكن فقط لمعاصريه، بل ما زال ينطبق على عالمنا حتّى اليوم. إنّ كلمة الله تبقى مستّمرة على الرّغم من تَغيُّر النّاس، فهي ما زالت فاعلة في مجتمعنا اليوم، إذ إنّها غير مرتبطة بالنّاس ولا تزول عند زوال المبشِّرين بها، على الرّغم من مرور السنين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.