إنّ الموت هو بداية حياة جديدة،
عظة للأب أنطوان خليل، دير مار يوسف – المتين، المتن.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
في زمن الميلاد المجيد، تحتفل الكنيسة في هذا الأسبوع بزيارة العذراء مريم لنسيبتها أليصابات. وفي هذا الشَّهر المبارك، ننتظر زياراتٍ كثيرة وأهمّها زيارة إلهنا ومخلِّصنا “عمانوئيل”، إِلَـهُنا معنا، الّذي سيمنحنا النِّعمة ويضع أمانه وسلامه في قلوبنا وفي بيوتنا، في بلادنا وفي العالم أجمع.
في زيارة مريم لنسيبتها أليصابات، نكتشف من جديد أنَّ يسوع هو الّذي يزرع النّعمة والبهجة والبركة في قلوب النّاس، فكلام الإنجيل واضحٌ حين يقول إنّ الجنين قد ابتهج فرحًا في حشا أليصابات. إنّ موتانا أيضًا يبتهجون فرحًا حين يزورهم يسوع المسيح في القبور، فزيارتُه لهم تزرع الرّجاء والتعزيّة في قلوبهم وتمنحهم القيامة؛ كما أنّ زيارته للنفوس المحزونة، تزرع فيهم التعزيّة والرّجاء بأنّ أمواتهم سيقومون معه. إنّ زيارة المؤمنين لمدافن موتاهم هي في غاية الأهميّة لأنّها تجعلهم يلتقون بأحبّائهم الّذين غادروا هذه الأرض من خلال الصّلاة، فالمؤمنون على يقين أنّ الموت لا يستطيع أن يُنهي علاقتهم بأحبّائهم المنتقلين من بيننا.
إنّ الموت هو بداية جديدة: فكما أنَّ المسيح بدأ حياةً جديدة بعد موته على الصّليب بقيامته من بين الأموات، كذلك نحن أيضًا إذ نبدأ حياةً جديدة مع الربّ، بعد موتنا في هذه الفانية. إخوتي، إنّنا نلتقي بموتانا بطُرق متعدِّدة: أوّلاً من خلال الصّلاة، ثمّ من خلال استحضار أقوالهم وأفعالهم في زمننا الحاضر، واستذكار تضحياتهم وخدمتهم، والمحبّة الّـتي تجمعنا بهم. إنّنا، نحن الأحياء في هذه الأرض، نفتقد حضور موتانا، كما أنّ موتانا يطلبون منّا الصّلاة لأجلهم لأنّهم في أَمسّ الحاجة لها.
إخوتي، إنّ للصّلاة أهميّة كبرى في حياتنا المسيحيّة: فالمؤمنون يصلّون لأجل إخوتهم المتألِّمين والمرضى، كما يصلّون أيضًا للمنتقلين من بينهم. إنّ المؤمنين يصلّون بشكلٍ خاصّ من أجل إخوتهم الّذين هم على فراش الألم والموت، كي يمنحهم الربّ نعمة الصّبر على الأوجاع، ونعمة الرّجاء والإيمان فيتذكّروا دومًا أنّه بعد انتقالهم من هذه الفانية، هناك حياة أبديّة لا أوجاع فيها ولا آلام بل فرح وسلام، وبالتّالي يتمكّنون من التغلُّب على كلّ يأسٍ وحزنٍ وقلق في قلوبهم.
تجتمع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، في هذه الرعيّة مرّةً في الشّهر، لتصلّي مع المؤمنين صلاة لصّ اليمين طالبةً من الربّ أن يذكرها في ملكوته. لم تتمكّن خطايا لصّ اليمين وكلّ التجارب الّتي تعرَّض إليها في حياته، مِن مَنعِه مِنَ الاقتراب مِنَ الربّ، بل إنّ لصّ اليمين قد تحلّى بالشجاعة فطلب من الربّ الصّاعد إلى السّماء أن يذكره في ملكوته، فاستجاب له الربّ وكان أوّل الدّاخلين معه إلى الفردوس. كان لصُّ اليمين على ثقةٍ تامّة، بقيامة الربّ وانتقاله إلى الفردوس، بدليل جرأته في الطلب من الربّ أن يذكره في الملكوت؛ أمّا نحن، المؤمنين بالمسيح منذ حداثة سنِّنا، لا نزال نشكّ في كلام الربّ وفي وعوده لنا بالملكوت وبقيامة الأموات، بدليل بكائنا على انتقال موتانا من بيننا كَمَن لا رجاء لهم. في جماعة “أذكرني في ملكوتك”، نصلّي لأجل كلّ المرضى والمتألِّمين ومن أجل كلّ المنتقلين من بيننا، كما نصلّي من أجل جميع أبناء الكنيسة في العالم أجمع، ونصلّي أيضًا من أجل كلّ البشريّة كي تتعرَّف إلى المسيح وتَتْبَعه. إنّ صلاتنا هذه، تدفعنا إلى توطيد ثقتنا وإيماننا بالربّ يسوع وبقيامته من بين الأموات، وبالتّالي بقيامتنا نحن أيضًا من الموت، لذا نتجرّأ على مثال لصّ اليمين أن نقول للربّ “أذكرنا يا ربّ حين تأتي في ملكوتك”. إنَّ طَلَبَنا هذا من الربّ هو دليلٌ على اعترافنا وإيماننا بأنّه عاد إلى مجده السماويّ بعد انتقاله من بيننا، أي أنّه قام من الموت، ولذا هو قادر على أن يمنحنا في هذه الحياة الفانية الرّجاء والتعزيّة برؤية نوره البهيّ في الملكوت السماويّ، وسيمنحنا القيامة والحياة الأبديّة.
في هذا الزّمن المبارك، زمن مجيء ربّنا يسوع المسيح، أتمنّى لكم إخوتي، أن تكونوا على استعداد لزيارة الربّ يسوع، ولاستقباله نِعَمِه وبركاته في حياتكم، متمسِّكين بإيمانكم ورجائكم به، وواثقين أنّه كما تجسَّد في أرضنا في التّاريخ، كذلك سيتجسَّد اليوم أيضًا في حياتكم ويمنحكم نِعَمِه وبركاته. إنّ كلّ مؤمن تغذّى من جسد الربّ ودمه، سينال النِّعمة بمشاهدة وجه الربّ القدُّوس في الملكوت، بعد أن يُغمِض عينيه عن هذه الفانية. نسأل الله في الختام، أن يمنحنا نعمة الإيمان والرّجاء الّذي لا يخيب النّابع منه وحده، فننال التعزيّة من الربّ عند انتقال أحبّاء وأعزّاء لنا من هذه الفانية إلى دار الخلود، ونكون على ثقةٍ تامّةٍ بوعد الربّ لنا بقيامة الأموات. إنّ صلاتنا وحدها المجبولة بالإيمان القويّ بالّذي قام من بين الأموات قادرة أن تُعزّي قلوبنا نحن الحزانى، إثر فقداننا لأعزّاء لنا كما أنَّ صلاة الإخوة المؤمنين تقدِّم لنا العضَد والقوّة على تحمّل هذا الألم وتَخَطّيه، وقتل اليأس في حياتنا من خلال تَحلِّينا بنعمة الرّجاء. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.