الرياضة السنويّة 2015  بعنوان: “ما بالكم خائفِين هكذا؟ كيف لا إيمانَ لكم؟ (مر 40:4)

دار سيّدة البير – بقنايا، المتن.

عظة القدّاس الإلهيّ في ” أحد المخلع” (مر 2: 1-12)

الخوري جوزف سلوم،


يبدأ الأمر من عرس قانا الجليل، وهنا يكمن مفهوم الصّوم فهو من عرسٍ إلى آخر. العرس الأوّل يتجسّد أمامنا من خلال هذه اللّوحة الرّائعة من عمل الفنّان نفسه الّذي وضع الفسيفساء على واجهة “لورد”. هنا، في هذا العرس، جرى تحويل الماء إلى خمر كما أنّ الصّوم هو تحويل؛ فإذا لم أجتهد على تغيير نفسي في زمن الصّوم لأعبر إلى شاطئ الأمان ، لا أكون قد عشتُ الصّوم كما يجب. والصّوم فرح، فإذا كان أحدهم عابِساً خلال هذا الزّمن لا يكون قد عاش الصّوم فعلاً. الصّوم هو علاقة مُكثّفة مع الله. فأذهب إلى عمق اختبار الصّحراء كي أتّحد في العمق بالله.

بدأنا، في اللّيتورجيّة المارونيّة، بأحد الأبرص وهو عبارة عن الشّفاء من الخارج وهذا ما كان بحاجةٍ إليه. هو يُعاني من مرضٍ في الجلد والجميع يخاف أن يلمسه ويسوع هو الذي لمسَه وشفاه. بعبارةٍ أخرى، هذا هو شفاء علاقاتنا المريضة عندما لا نتجرّأ على لمس أحد في عملنا، في بيوتنا أو في الوطن، ونحن بحاجة إلى هذا الشّفاء. إذاً فَلنسعَ إلى شفاء العلاقات.

الأحد الّذي يلي أحد الأبرص هو أحد المرأة النّازفة من الدّاخل، الّذي يُعبّر عن الشّفاء الدّاخليّ. ينظر البعض إلى الخارج مُعتبِراً أنّه متصالح مع الجميع ولكن عليه أن ينظر إلى داخله. هناك مبدأ مهمّ في الحياة المسيحيّة، وقد علّمنا إيّاه واحدٌ هو المسيح ولا أحد يعيشه وهو الحبّ المجّاني الّذي لا ينتظر مقابلاً وهو غير متوفّر في الأسواق وعبر التلفزيون وفي بيوت النّاس. وتكمن المشكلة في أنّه ليس هناك ما هو مجّانيّ. فكم هو مهمّ أن نعرف كيف نعطي مجّاناً، من دو مقابل في حياتنا وعلاقاتنا. ومن هنا، اعتقد البعض أنّ الله لا يُعطي من دون مقابل لذلك تربّينا، منذ صغرنا، على أنّه علينا الصّلاة لله كي ننال رضاه. إضافةً إلى ذلك، هناك مَن اعتبر أنّ الله لا يسمعنا دائماً في كلّ صلاتنا، فأصبحنا نضع الشّروط فإذا لبّى طلباتنا نصلّي ونقدّم له النّذور. ولكن هؤلاء النّاس مخطئون، فالله يُعطينا كلّ شيء مجّاناً، من دون مقابل.
لذلك، علينا أن نحبّ، من جديد، مجّاناً. هذا هو النّزف الدّاخليّ، جِراح الحبّ الّذي في داخلنا.

الأحد الماضي كان أحد الابن الشّاطر، الّذي يُعبّر عن البعد وأنواعه العديدة كما العلاقات الوهميّة ، من خلال وسائل التّواصل الاجتماعيّ، إضافةً إلى البعد الموجود بين شخصيْن قريبيْن من بعضهما جسديّاً، وعلينا إصلاح هذا البُعد والتّخلّص منه.

وصولاً إلى اليوم، الأحد، في كفرنحوم في بيت بطرس مع والدة زوجته الّتي شفاها يسوع. وقد تردّد إلى هذا البيت مراراً. يقول الإنجيل: “إنّه في البيت”. أمّا هذا البيت فيُمكن أن يكون بيت واحد منّا ولكنّه يُرجّح أنّه بيت بطرس ، أيّ الكنيسة، حيث حصلت ثلاثة أمور مهمّة. أوّلاً، لقد علّم يسوعُ، في بيت بطرس، كما أنّهم أنزلوا المُخلّع من سطح بيته كي يسمع تعاليم يسوع. إذاً لا تعليم صحيح يُعطي الحياة خارج بيت بطرس، أي الكنيسة. ثانياً، لقد تمّ غفران الخطايا الّذي لا يحصل إلّا في الكنيسة “مغفورة لك خطاياك”. ثالثاً، الشّفاء “قمْ احملْ سريرك وامشِ”. فكم من مرّة نواجه، في حياتنا، صعوبةً في السّير. أحياناً، أيّ حادث قد يحصل لنا يوقعنا في شللٍ يمنعنا من الخدمة أو القيام بمبادرة، كما يوقعنا في عجزٍ يمنعنا من الذّهاب إلى الكنيسة أو إلى كرسيّ التّوبة. مثلاً هناك الكثير من النّاس الّذين لم نزرهم منذ وقتٍ طويلٍ إلّا عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وأتمنّى أن نعرف كيف نتّجه إلى الفقراء فنتّخذ الاتّجاه الصّحيح ونمشي على طريق الرّبّ. نطلب من ربّنا أن يُعطينا نعمة الشّفاء من كلّ شللٍ يمنعنا من الاتّجاه صوب الرّبّ وصوب الآخر.
رسالة البابا لهذه السّنة في الصّوم هي عن عولمة اللّا مبالاة. فبالنّسبة إليّ، أنا المحور، لا أهتمّ بالآخر وبألمه. يقول لنا البابا أن نبني جُزُرَ رحمةٍ في قلب العالم حيث نعيش التّصحّر، إذ إن كلّ شخصٍ يعيش لوحده، حيث التّشاؤم والفتور في الحبّ، لذلك علينا أن نُصلح الأمور ونقوم بوثبةٍ جديدةٍ فنحمل سريرنا، صليبنا، صعوبتنا وننطلق انطلاقةً جديدةً.

أتمنّى لكم صوماً مباركاً وتجدّداً لحياتنا الرّوحيّة، آمين.

ملاحظة: دُوّنت العِظة بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp