السَّهر واليقظة والاستعداد،
عظة الأب ريمون جرجورة في كنيسة الميلاد الإلهيّ الحضيرة – بيت الشِّعار.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
ينتاول هذا الإنجيل موضوع السَّهر والاستعداد والتيَقُّظ لمجيء الربّ. في زمن الصّوم، يدعونا هذا النّص الإنجيليّ، كي يسهر كلّ مِنَّا على ذاته أوّلاً، كما يسهر الربّ على خليقته، فيكون على استعدادٍ لمجيء الربّ. كما يدعونا إلى السّهر على إخوتنا البشر، فَنَنْتَبه إلى تصرّفاتنا معهم أوّلاً، كي لا تكون تلك الأخيرة مصدرَ شكٍّ وسببَ عثرةٍ لهم، فنتمكّن حينها من مساعدتهم على النموّ في الإيمان والرّجاء والمحبّة.
إنّ هذا النّص يدعونا أيضًا إلى التيَقُّظ أي إلى معرفة قراءة علامات الأزمنة، على مثال الفلّاح الّذي يُدرِك اقتراب فصل الصَّيف حين يرى البراعم على الشَّجر. على المؤمِن أن يتعلّم قراءة علامات الأزمنة الّتي يعطيه إيّاها الربّ، فيُدرِك أنَّ مجيئه قد اقترب، فيستعدَّ له بالتوبة والعودة إلى قلب الربّ. في عالمنا اليوم، علامات كثيرة تساعدنا على قراءة الأزمنة، منها ما هو سيّئ ومنها ما هو جيِّد. إخوتي، إنّ الله قادرٌ على أن يحوّل كلّ الأمور السَّيئة لما فيه خير المؤمنين، لذا ينجح كلُّ متَّقٍ للربّ في رؤية الإيجابيّة في الأحداث الّتي تحصل مِن حولِه على الرّغم من سلبيّتها. ففي لبنان مثلاً، لم تعد الحروب وسقوط القذائف سببًا للخوف عند المؤمنين، إذ اعتادوا على مثل تلك الأمور، ولذلك ينظرون إلى المستقبل بكلّ رجاءٍ وأَمَلٍ كبيرٍ في الحياة. إنّ كلّ الأمور السلبيّة الّتي تحصل في مجتمعنا تدفعنا لا إلى التوقّف عن الصّلاة، إنّما إلى تكثيف الصّلاة من أجل عالمنا الّذي يتخبَّط في شتّى أنواع الحروب والعنف.
إنّ الربّ يدعونا في هذا الإنجيل إلى الاستعداد لذلك اليوم، يوم الموت، يوم الدّينونة. إنّ الموت الخاصّ يُشبه الموت العام، إذ عندما ينتقل الإنسان من هذا العالم لا يعود قادرًا على التفاعل مع أحداث هذا العالم، وهو لا يتأثَّر بها. على المؤمِن أن يستعدَّ لهذا الموت الخاصّ من خلال مسيرة حياته على هذه الأرض الفانية. إنّ الاستعداد للموت لا يكون بتحويل كلّ اهتمامنا إلى التفكير في ساعة انتقالنا من هذه الحياة. إنْ كنْتَ تريد أن تستعدَّ للموت، فعليك أن تستعدّ للحياة: فإذا نجحتَ في عيش حياتك بطريقة صحيحة، نجحتَ كذلك في الاستعداد لساعة انتقالِك من هذه الحياة. زارني في الأيّام القليلة الماضية، عجوزٌ يناهز عمره التسعة والتسعين، ليتحدَّث معي قائلاً: أبتِ، أنا لا أعرف هدف الله وحكمته من إبقائي على قيد الحياة، خاصّة أنَّ سَمَعي ونظري قد شحّا، فأنا على استعدادٍ كاملٍ للقائه حين يدعوني إلى مجده. إنّ كلام هذا العجوز هو مدعاة للتفكير ولطرح السؤال على ذواتنا: هل نحن على استعدادٍ للقاء الربّ إن دعانا إلى مجده؟ إنْ كان جوابنا إيجابيًّا فهذا يشير إلى أنّنا نُحسِن العيش على هذه الأرض، أمّا في حال كان الجواب سلبيًّا، فهذا يشير إلى أنّه علينا الإسراع في تغيير مسيرة حياتنا كي نكون على استعداد للقائه يومَ يَدعونا لملاقاته في المجد. هذا ما يدعونا إليه الربّ في زمن الصّوم من خلال هذا الإنجيل: السَّهر واليقظة والاستعداد.
إنّ الصّوم هو فترة تمرين يخضع لها المؤمِن بإرادته، تُساعده على مواجهة تحدّيات حياته اليوميّة: فالصّوم ليس أبدًا فترةً نُحقِّق فيها ما يطلبه منّا الربّ بعد تَقاعُسِنا عن القيام به باقي أيّام السنّة، بل الصّوم هو فترة تدريبٍ لنا، نقوم فيها ببعض التمارين الّتي تُكْسِبنا عاداتٍ جديدة تُساعِدنا على مواجهة صعوبات الحياة، خارج زمن الصّوم. في زمن الصّوم، نتمرّن على الصّلاة، والتأمّل في كلمة الله، والتوبة والعودة إلى الله، كما نتمرّن أيضًا على العطاء بسخاء لكلّ محتاجٍ. إخوتي، إنّ العطاء ليس عطاءً ماديًّا وحسب، بل يمكنه أن يكون عطاءً فكريًّا وروحيًّا ونفسيًّا أيضًا: فبعض الأشخاص يحتاجون إلى مَن يُصغي إليهم، فإصغاؤك إليهم بالنسبة لهم هو أثمن من كلّ عطاءٍ ماديّ لهم. إنّ الإنسان يستطيع أن يُعطي الآخرين من أمواله إن كان قادرًا على ذلك، كما أنّه يستطيع أن يعطي الآخرين المحيطين به محبّته وتعبه.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.