الصّليب،
بقلم الخوري كمال طعمة،
انطلاقًا مِن عيدِ ارتفاعِ الصَّليب المقدَّس، وبداية زمن الصّليب الـمُبارَك،
نتأمّلُ في رَمزيّة الصّليب الّذي أصبحَ مِحوَر إيمانِنا وخلاصِنا، فالصّليبُ الّذي كان أداةً للموتِ والعذاب للمُجرِمِين وعارًا لِكلِّ مَن يُصلَب عليه، أصبَح مع المسيح أداةَ فَخرٍ وفِداء.
فالقدِّيس بولس في رسالته الأُولى إلى أهل قورنتس (1: 18)، يقول إنَّ لُغةَ الصَّليب حماقةٌ عند الّذين في سَبيل الهلاك، وأمَّا الّذين في سَبيلِ الخلاص، أي عِندَنا، فهي قدرةُ الله.
وفي إنجيلِ القِدِّيس يوحنا (12: 24)، يُشيرُ الربُّ يسوع إلى أهميَّةِ الفِداء والموت بِقَولِه: “الحقَّ الحقَّ أقول لكم، إنَّ حبَّة الحِنطة الّتي تقع في الأرض إنْ لم تَمُت تَبقى وَحدها، وإن ماتَت أخرَجَتْ ثَمرًا كَثيرًا”.
المسيحُ، بِمَوتِه وقيامته، وهبَ الخلاصَ والحياة لِكُلِّ مؤمنٍ به، فَكَما بإنسانٍ واحدٍ دَخَلَ كلٌّ من الخطيئة والموت إلى العالَم، كذلك بالمسيح مُنحت النِّعمةُ والحياة لِكُلِّ البشر.
لذلك، إذا تأمَّلْنا بِعُمقٍ في سِرِّ الصّليب والموت الّذي أراده المسيح طائعًا لمشيئةِ الآب السّماويّ، لا نرى إلّا الحُبّ غير الموصوف الّذي يُكِنُّه الآب للبشر.
نَعم، يا أحبّائي، لِنَنظر إلى أبعاد هذا الحَدَث الماديّ وإلى الموت الّذي رَضِيَ به الربُّ يسوع، وإلى التَّكفير الّذي قدَّمه للآب عنَّا، نَجدْ رحمةَ الله وحنانَه، وهو لم يترُكنا ولَم يُشِح بِوَجهه عنَّا، بل رافَقَنا في كلِّ مراحِلِ حياتِنا ليُوصِلَنا إلى الخلاص الّذي حقَّقه بالمسيح يسوع. أمّا نَحن فقد رَفَضنا بالخطيئة هذا الحُبّ وعَصَينا أوامره وفَضَّلْنا السَّير وراء روح هذا العالَم، ورُغم كلِّ ما فَعلناه ونَفعلُه في حياتِنا يبقى الله الآب أمينًا لِحُبِّه، ويَنتَظِرُ بِشَوقٍ عودَة الاِبنِ الّذي ابتَعَد عن البيت الأبويّ.
أحبّائي، ألا نَخجَل مِن كَونِنا أبناء الله ونَدعو باسمِه ونؤمِن به وبخلاصِه، ونُصِّر مع ذلك على عِصيانِنا بخطايانا وكَسَلِنا وانغِماسنا في شَهواتِ هذا العالَم؟ ألا يُفتَرَض بنا أن نَطلُبَ أوّلاً ملكوت الله وبِرِّه؟!
لنتأمَّل يا أحبّائي، في ذواتِنا: أأمِينِين نحن للربّ؟ ألَهُ الأولويّة في حياتِنا ؟ أنُبادِلُه الـمَحبَّة الّتي أحبَّنا، إذ قدَّم ذاتَه على الصَّليب مِن أجلِنا وهو الّذي قال لي احمِل صَليبَك واتَبعني، علامةَ حُبِّكَ لي؟
أين نحن مِن هذا الحُبّ؟
الله بِجوهَرِه محبَّة، وأنا خُلقتُ من رُوحِه بِقُوَّة هذا الحُبّ، لذلك، لا يمكن أن أكونَ ابنًا له وشَريكًا في مَجدِه بِدُون الحُبّ الّذي تجلَّى بالـمَوت على الصّليب.
فالصّليبُ يا أحبّائي هو علامةُ هذا الحُبّ، وقوَّة الصَّليب تَكمُن في ذلك. فليسَ الشَّكل ولا النَّوع ولا الألم بل الحُبّ الّذي يُميِّز الصَّليب ويبقى رَمز الخلاص الّذي قدَّمَه الربُّ يسوع مَجانًا لِكُلِّ البَشَر. آمين.
- الإصدار بنسخة PDF