محاضرة للأب ملحم الحوراني، 

خادم رعيّة رقاد السيّدة – المحيدثة، المتن،

العذراء مريم من خلال نصوص في العهد القديم، 

ضمن سلسلة المحاضرات الرّوحيّة التّأمّليّة، كان لنا لقاء بالأب ملحم الحوراني في مركزنا الروحي، شرح لنا فيه أيقونة العذراء ورموزها في العهد القديم. وبعد أن رنّمنا:”افرحي يا والدة الإله العذراء مريم، يا ممتلئة نعمة…”، غصنا مع الأب ملحم على بحر الكتاب المقدّس وعلى جزره المريميّة الرّمزيّة حتى نفهمه بشكل أفضل.
بدأ الأب ملحم يشرح لنا المواضع والمقاطع والجمل في العهد القديم التي تتناول العذراء بشكل رمزي، مُرفقًا ذلك بعرضٍ للأيقونات التي تتوافق مع الآيات الكتابيّة المذكورة؛

من الأيقونة الأولى التي يحمل فيها نوح ذو اللحية البيضاء بيديه الفُلك، أي سّفينة الخلاص التي يدخلها الأبرار حتّى ينجوا من الغرق، لا الأشرار الذين يغمرهم الطّوفان، حسب ما ورد في (الإصحاح 6 آية 13 والاصحاح 7).
إذًا، أولاً: الفُلك يرمز إلى العذراء مريم. ونجد إشارةً إلى ذلك مثلاً في الجنّاز الماروني:” أنتِ الفُلك يا مريم…”.

إلى أيقونة ثانية حيث نرى سّلماً تربطُ الأرض بالسّماء، مع الملائكة النازلة والصاعدة عليها، وفي الأعلى العذراء الحاملة المسيح وهي باللّون الرّمادي neutre وذلك قبل التّجسّد بـ 1200 سنة. كلّ هذا ورد في حلم يعقوب (تكوين إصحاح 28 الآيات 10-19) عندما أسند يعقوب رأسه إلى حجر ليرتاح، ثم استيقظ وأقام عموداً فوق الحجر وصبّ عليه زيتاً ودعاه “بيت إيل”، إذ رأى في ذاك المكان بيتًا لله.
ثانياً: فالسّلم ترمز الى العذراء مريم التي أنزلت الإله من سمائه لكي نصعد الى السّماء من خلالها؛ ونجد هذه الايقونة في كنيسة “مار جرجس” في وسط بيروت.

إلى الأيقونة الثالثة حيث موسى يرعى الخراف وأمامه علّيقى لا تحترق لكنّها ملتهبة وفي داخلها رمز حياديّ رماديّ للعذراء قبل التّجسّد، وملاك في الأعلى ينادي موسى، وقد ظهر موسى في تفصيلٍ ثانٍ وهو يخلع الحذاء كما ورد في سفر الخروج إصحاح 3.

ثالثاً: فالعلّيقى ترمز الى العذراء مريم التي منها تجسّد الإله، حتى بات ممكنًا أن يُكلّم الله البشر.
أمّا الأيقونة الرابعة التي تُظهر هارون، أخا موسى، وبيديه عصًا كانت يابسة ثم أفرخت وأزهرت زهر اللوز كما طلب الله من موسى (سفر العدد اصحاح 17 آية 1-8)، أي العصا اليابسة غير المثمرة أعطت الحياة.

رابعاً: فالعصا ترمز في الأيقونة إلى العذراء مريم التي أعطت الحياة للمسيح وهي بتول غير متزوّجة.

بعدها أقام مقارنة بين صموئيل في العهد القديم (2صم 6:1-11) ولوقا في العهد الجديد (إصحاح 1آية 39):
عند الأوّل حُمل تابوت العهد، الذي يحوي الله، إلى الجبل فسبّب موتًا وحزنًا وخوفًا، أمّا عند الثّاني فقد صعدت مريم الجبل نحو أليصابات فأنتجت حياةً وفرحًا ورقصًا. كذلك تساءل داود عند الأوّل: “كيف يأتي تابوت الله إليّ؟”، وتساءلت أليصابات عند الثّاني: “كيف تأتي أمّ ربّي إليّ؟”. كما بقي التّابوت عند داود ثلاثة أشهر، ومكثت مريم عند أليصابات ثلاثة أشهر أيضًا. فمريم إذاً هي تابوت العهد الجديد لأنّها تحمل الله.
ثمّ انتقل إلى أيقونة الشّفاعة حيث تقف العذراء عن يمين يسوع مُذَهَّبة الثّياب، كما في التّنصيب الملكي عندما تقف الملكة عن يمين الملك (مزمور 45)، ويوحنا المعمدان عن يساره.

ثمّ إلى صورة الصينيّة المقدّسة التي تُستعمل في القدّاس، واتي يضع عليها الكاهنُ الحَمَلَ في الوسط (أثناء الإعداد للقداس، ثمّ يضع عن يمين الحمَل جزئًا هرميًّا للعذراء، والأجزاء الهرميّة الباقية للقدّيسين ثم للاحياء والأموات (مقارنة مع المزمور 45).
أمّا أيقونة السّيرافيم، وهم ملائكة ذوات أجنحة ستّ، وقد رآهم إشعياء في رؤياه (إصحاح 6) حين رأى الله في الهيكل يقيم القدّاس والسيرافيم يحتفّون به ويرتلون قدوس قدوس قدوس… وإذا بملاك يطير حاملاً ملقطا وفيه جمر ليلامس شفتيه، كما في القداس الالهي، الملقط ترمز الى العذراء، والجمرة ترمز إلى الرّب يسوع.

وأيقونة العذراء المشهورة عند الرّوسيين، فيها العذراء تفتح يديها والمسيح يخرج من دائرة في بطنها؛ وتُسمّى أيقونة “عذراء الآية” التي سبق أن تنبّأ عنها إشعياء النبي سنة 736 حين قال: “ها الرب نفسه يعطيكم آيةً: ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا ويُدعى اسمُه عمانوئيل” ( إشعيا 14:7).
ثمّ انتقل إلى ما رآه حزقيّال (44 آية 1-10) حين أمسك بيده الله وأخذه الهيكل ليُريه بابًا مبنيًّا للهيكل لجهة الشرق، ولكن هذا الباب بُني ليكون مغلقًا، ويبقى مغلقًا لأن الرب وحده دخل وخرج منه، وهذا الباب يرمز إلى عذريّة مريم التي دخلها المسيح ووُلد منها من دون يمسّ عذريّتها.
كما حدّثنا عن رؤيا حزقيال وفيها سحابة تحمل الله (1: 55) وعند أطرافها أربعة أشباه حيوانات، وقد فسِّرت الكنيسة أيقونة العذراء المحاطة بالإنجيليين الأربعة بأنها هي تلك السحابة التي رآها حزقيال:
• فالإنسان يرمز إلى إنجيل متى : الذي تحدّث عن ابن الإنسان.
• والأسد يرمز إلى إنجيل مرقص : الذي يبدأ بعبارة “صوت صّارخ في البرية”.
• والنّسر يرمز إلى يوحنّا: الذي يستهل إنجيله بالتحليق في سماء اللاهوت “في البدء كان الكلمة”.
• والثّور يرمز إلى إنجيل لوقا : الذي كان طبيباً.

وختم الأب ملحم الحوراني برواية دانيال (اصحاح 3) حيث أقيم للملك تمثال رفض ثلاثة فتية هُم عزريا وحنانيا وميصائيل أن يسجدوا له، فأمر الملك برميهم في أتون النّار فانفكّت قيودهم ورتّلوا لله وهُم يرقصون داخل نار الأتّون، ولم تُؤذهم النار الملتهبة، ورأى النّاس ملاكاً يظلّلهم ويُندّي عليهم في الأتّون. وصار هذا الأتون رمزاً للعذراء مريم التي حملت اللاهوت (المسيح) ولم تحترق.

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp