أبائي الأجلّاء،
أحبائي،
في هذا المساء المبارك، مساء تذكار الموتى، نلتقي في هذه الرعيّة الـمُحِبَّة للمسيح مع جماعة “اُذكرني في ملكوتك”، رافعين الذبيحة الإلهيّة للربّ، ذبيحة شكرٍ من أجل راحة موتانا، لكي يُغدق الرّبّ عليهم وِسعَ رحمتِه ويجازيهم خير جزاء على مسيرتهم في غربة هذه الدّنيا، في عبورهم إليه فيلتقون به ويتَّحِدون به.

في خاتمة قانون الإيمان، نُعلِن إيماننا ورجاءنا بالمسيح الّذي وعدنا بالقيامة والحياة: “من آمن بي، وإن مات، فسيحيا”. (يو25:11). هذا هو وعد الربّ لنا: “مَن يسمع كلامي ويؤمن بمَن أرسلني، يَنَلْ حياةً أبديّة” (يو 24:5). وبالتّالي فإنّنا نؤمِن بأنّ أمواتنا الّذين عاشوا حياتهم متمسّكين بهذا الإيمان، مرتكزين على وعود الربّ هذه، قد أصبحوا في حضرة الله، أي مع المسيح الّذي وطِئ الموت بالموت، لأنّ قيامته هي عربونٌ ودليلٌ على قيامتنا ومشاركتنا إيّاه في مجده السّماويّ. وبناءً على هذا الإيمان الّذي نردّده باستمرار ونجدّده في كلّ قدّاس، نترجّى ونعيش الرّجاء لأنّ الربّ أمينٌ في وعوده وبارٌ في كلّ عهوده، ولذا علينا أن نعيش إيماننا بكلّ أمانة وأن نشعر بانتمائنا للرّبّ، ونترجى لقاءَنا الدائم مع الرّبّ. وكما هي حال كلّ لقاءٍ بين اثنين، علينا أن نستعدّ له ونتحضَّر له، فنكون من السّاهرين اليقِيظين في ذلك اليوم وتلك السّاعة اللّذيْن لا يعرفهما أحدٌ سوى الله الآب وحده، ونكون على استعدادٍ دائم للقاء الربّ وجهًا لوجه لنستحّق أن نسمع ما قاله للأبرار والصِّديقين: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت الـمُعَدّ لكم” (متى 34:25).

إنّ الرّب أمينٌ في وعوده وهو يُعِدُّ لنا الملكوت، ولكنّه يطلب منّا مقابل ذلك أن نلبّي نداءه لعيش الإيمان والالتزام بكلمة الربّ. إنّ رجاءَنا مستندٌ على كلمة الله والالتزام بها، لأنّ الأمل في حياة البشر هو مصدر الخَيْبَات والأحزان، غير أنّ الرّجاء يُخلِّصُنا وهو لا يخيب أبدًا لأنّه مرتكزٌ على المسيح يسوع الذي قام من بين الأموات. هذه هي البشرى الّتي نُعلنها: بشرى قيامة الربّ من بين الأموات، وهي ما نجسّده في حياتنا اليوميّة كوننا نحن المؤمنين بالمسيح شهودٌ له وسفراءٌ له.

إنّنا نحن أبناء الحياة، أبناء القيامة، إذ إنّنا حين ننتقل من هذه الدّنيا، كما يقول القدِّيس أوغسطينوس: “نعبر إلى الضّفة الثانية” أي إلى السّماء، حيث السعادة الأبديّة مع الرّبّ. لذلك عندما نرفع الصلوات من أجل أمواتنا، فهي تكون من أجل أن ينعموا بتلك السّعادة الأبديّة مع الرب، تلك السّعادة الّتي وَعدَنا بها الرّبّ. هذا هو رجاؤنا بالربّ: بأنّ أمواتنا هم السّابقون لنا في وصولهم إلى ملكوت الرّبّ، ونحن سنكون مِنَ اللّاحقين بهم، لأنّنا نثق بما وعدنا الربّ به. لذلك فإن الكنيسة تصلّي من أجل الموتى باستمرار، وتصلّي لهم في عدّة مناسبات، وذلك إيمانًا منها بأنّ الصّلاة من أجلهم تساهم في رفعهم صوب الآب، وَتُريح نفوسهم، وبالتّالي فإنّ الصّلاة تساهم في أن يسمع الأموات صوت الربّ يناديهم لكي يكونوا عن يمينه.

 
هذا هو معنى تذكار الموتى، كما تراه الكنيسة، أيّها الأحبّاء، إنّ الربَّ يدعونا إلى أن نُصلِّي من دون مَلل، ولذا نحن نُصلِّي لهم راجين الحياة الأبديّة لأمواتنا طالِبين ذلك من الربّ بإيمانٍ وطيدٍ، وإنّه كما قال البابا بنديكتوس السادس عشر، إنّنا مُخلَّصون بالرَّجاء الّذي لدينا بالربّ يسوع. نصلِّي للرّبّ من أجل أمواتنا، ونسأله أن يزرع فينا الرَّجاء، فيكون إيماننا ومَحبّتنا ورجاؤنا بالرّبّ عناصر ثابتة لا غشّ فيها، ولا مساومة عليها، فنستحقّ أن نَمثُل أمامه في اليوم الأخير ونتَّحد به. آمين. 
ملاحظة : دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.