رسالة الرّجاء المسيحيّ إلى البشر،
عظة للأب يوسف الخوري، خادم رعيّة سيّدة الخلاص – مرجبا، المتن.
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
إنّ الربّ يسوع يُخاطب المؤمنين به من خلال كلمته. وفي هذا الإنجيل الّذي تُلي على مسامعنا، نسمع الربّ يقول لنا: “إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا”؛ وفي الرسالة، يُكلِّمنا بولس الرّسول عن الختانة والشريعة. إنّ الكلام الّذي سمعناه في الرسالة والإنجيل يدعونا إلى التساؤل حول الفرق بين كلمة الله، والختانة والشريعة. إنّ الفرق شاسعٌ بين هذه العبارات الثلاث: إنّ يسوع المسيح هو كلمة الله، الّـتي يخاطبنا الآب من خلالها، كما أنّ يسوع المسيح قد نقل إلينا ما سَمِعه من الآب، أي كلام الله. إنّ هذه الكلمة، كلمة الله، مختلفة كلّ الاختلاف عن الشريعة، الّتي أُنزِلت على موسى حين كان على الجبل، وقد كتبها النبيّ كما فَهِمَها، متأثِّرًا بالبيئة الّتي كان يعيش فيها. أمّا مفهومُنا، نحن المؤمنون، للكلمة الإلهيّة، فقد تغيّر بالكامل، مع مجيء المسيح إلى أرضنا.
لم يستطيع اليهود قبول كلام الربّ يسوع حين قال لهم: “إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا”، لذا قالوا فيه إنّ به شيطان. كان هذا الكلام عسير الفَهم عند اليهود، لأنّ كلّ الآباء والأنبياء في العهد القديم قد ماتوا، ومنهم مَن قُتِل على يد اليهود، لذا لم يتمكّنوا من قبول بأنَّ كلَّ مَن يحفظْ كلمة الربّ يسوع يحيَ إلى الأبد. ليس كلام الربّ يسوع صعب الفهم، إنّما ما هو صعب للفهم هو تفكير اليهود. في أيّامنا هذه، نلاحظ أنَّ العديد من المؤمنين يُعانون من صعوبة كبرى في فَهم ما يقوله لهم المسؤولون في الكنيسة، لا لأنّ كلام هؤلاء الأساقفة والكهنة صعب الفَهم، إنّما لأنّهم يجدون صعوبةً في القبول به وعيشه في حياتهم اليوميّة. إنّ الأساقفة يُعلنون للمؤمنين كلمة الله، كلمة الحقّ، أي يسوع المسيح. إنّ يسوع المسيح، هو المقياس الأساس والوحيد لكلّ مَن يريد إعلان الحقّ. لم يأتِ الربّ يسوع إلى أرضنا كي يُخلِّص المسيحيّين فقط، بل إنّه أتى كي يُخلِّص جميع البشر. فكما كان ابراهيم أبًا لجميع الأمم، كذلك كان المسيح يسوع مُخلِّصًا لجميع النّاس. إنّ الرسالات السماويّة قد تابعت مسيرتها عبر التّاريخ مِن دون أن تكون يومًا حِكرًا على فئة معيّنة من النّاس أو على شعبٍ دون آخر. كان الشَّعب اليهوديّ يعتبر نفسه، شعب الله المختار، دون باقي الشُّعوب، وفي هذا انعكاس لتفكير اليهود الانغلاقيّ، الأنانيّ، المتكبِّر.
لقد أتى يسوع المسيح إلى العالم ليُخلِّص جميع النّاس، فكلّمهم عن الحياة الأبديّة. إنّ الحياة الأبديّة هي الملكوت. وحين نتكلّم عن الملكوت، يتبادر إلى ذهننا جماعة “اُذكرني في ملكوتك”. إنّنا نستطيع أن نقرأ كلّ الأناجيل انطلاقًا من رسالة جماعة “اُذكرني في ملكوتك”. وهنا نطرح السؤال على ذواتنا: هل نحن مُدرِكون حقًّا للدَّور الرسوليّ والإرساليّ والتبشيريّ لهذه الجماعة؟ وبالتّالي، هل نعي حقًّا معنى كلام الربّ يسوع: “إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا”؟ إنّ حِفظَ كلام الربّ لا يعني أبدًا أن نحفظ الكلمات كَمن يحفظ أمثولته غيبًا، إنّما أن نحفظ كلام الربّ هو أن نعمل به في حياتنا اليوميّة، فيكون كلّ عملٍ نقوم به لمجد الله الآب لا لمجدنا الشخصيّ. إنّ كلام يسوع يدفعنا دائمًا للتفكير في مجد الله الآب لا في مجده هو. يكون عملنا لمجد الله حين لا نطالب الآخرين بالتصفيق لنا عند قيامنا بكلّ عملٍ حسن ومَرْضِيّ لله، أي حين نتخلّى عن كلّ شعور بالكبرياء والتفاخر على الآخرين. يقوم عمل كلّ مؤمن وبخاصّة أساقفة وكهنة، على ضبط كلّ عملٍ منحرف لا يخدم مجد الله. إنّ الإنجيل ينقل لنا عن يسوع قوله إنّه يعمل لأجل مجد الله الآب، لذا يُمجِّدُه الآب. حين نعمل لمجد الله، فإنّ الله الآب يمنحنا النِّعَم الّـتي نحتاجها، ويفتح أمامنا كلّ بابٍ مُغلَق. إنّ قريتنا، مرجبا، كما سواها من القرى، تشهد عمليّة تبرُّعات من أجل الكنائس، من قِبَل بعض المؤمنين الّذين لا ينتمون إلى هذه البيئة ولا إلى هذه الجغرافيّة. إنّ تبرّعات هؤلاء الأشخاص، والّتي تتمّ في الخفاء هي سعيٌ لتحقيق مجد الله، لا كما يعتقد الكثيرون من بينكم، أنّها من أجل مصالح شخصيّة سياسيّة، لأنّها نابعة من قناعة داخليّة عند هؤلاء المؤمنين.
تنتشر جماعة “أذكرني في ملكوتك” في كلّ لبنان: من شماله إلى جنوبه، من جبله إلى ساحله، كما تنتشر أيضًا في بلاد الاغتراب، وهي تسعى إلى المزيد من الانتشار كي تتمكّن من إيصال رسالتها، رسالة الرّجاء المسيحيّ إلى البشر. إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك” تعمل لمجد الله، إذ تجتمع مع أهل الرعيّة للصّلاة في الذبيحة الإلهيّة مرّة في الشّهر على نيّة راحة أنفس موتى الرعيّة، كما تُصلّي معهم من أجل شفاء كلّ مريض، وبالتّالي فإنّ هذه الجماعة من خلال هذا العمل تسعى إلى تفعيل الشراكة بين كنيسة الأرض أي المؤمنين الأحياء، وكنيسة السّماء أي المنتقلين من بيننا. إنّ عمل هذه الجماعة يتطلّب جُهدًا كبيرًا وسهرًا وتعبًا من أجل النّجاح في تلك الـمَهمّة الموكولة إليها من الله. يمكنكم الاطلاع من خلال الرسالة الشهريّة الّتي تُصدرها هذه الجماعة مع بداية كلّ شهر، على الرعايا المتواجدة فيها هذه الجماعة من خلال لائحة القداديس الشهريّة. إنَّ هذه الجماعة قد انتشرت بسرعة في أماكن متعدِّدة، نتيجة عمل الرّوح في هذه الجماعة وتجاوب المؤمنين المنتمين إليها لإلهامات الرّوح واندفاعهم لتحقيق مجد الله من خلال رسالة هذه الجماعة. إنّ هذه الجماعة الّتي تعمل باندفاعٍ ونشاط، نابع من إيمانها بالله ولمجده، تختبر حقيقةً قوّة عمل الرّوح القدس، إذ يكتشف أعضاؤها عمل الرّوح من خلال مساندته لهم في نقل البشارة إلى الآخرين، كما يختبرون عمل الرّوح في قلوب المؤمنين الّذين يقبلون تلك الرسالة الإلهيّة. إذًا، يتفاعل المؤمنون إيمانيًّا مع رسالة هذه الجماعة وهذا التفاعل هو نتيجة قوّة عمل الرّوح في قلوبهم. إنّ هذا اللّقاء الروحيّ بين المؤمنين هو الّذي ينشِّط الجماعة ويدفعها إلى الانتشار أكثر فأكثر في كافة بقاع الأرض، إذ إنّ أعضاء هذه الجماعة يعملون لمجد الله، بمجانيّة تامّة وعطاء كامل. إنّ كلّ عمل نقوم به، نحن المؤمنين، من خلال جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أو سواها من الجماعات، عليه أن يكون لمجد الله الآب.
إنّ يسوع يُعلِن للشَّعب اليهوديّ، أنّ الله الآب سيمنحه المجد، وأنّ الله أباه هو إله هذا الشَّعب، ولكنّ هذا الشَّعب عَجِزَ عن معرفة الله على الرّغم مِن إرساله لهم الآباء والأنبياء. لم يتمكّنوا من معرفة الله لأنّهم اختاروا إلهًا آخرَ لهم هو إله هذا العالم، لذا قتلوا الآباء والأنبياء في القديم، فَهُم لم يفهموا لا رسالة ابراهيم ولا رسالة باقي الأنبياء. في هذا الأسبوع، أسبوع بشارة زكريّا، تُتلى على مسامعنا نصوص إنجيليّة، نسمع فيها توبيخ يسوع لليهود إذ يقول فيهم إنّهم ليسوا أبناء ابراهيم لأنّ الأعمال الّتي يقومون بها لا تشهد على أنّهم أبناء إبراهيم، أب المؤمنين بالله، بل إنّ أعمالهم تشهد على أنّ إبليس، عدّو الله، هو أبوهم.
إنّ أعمال ابراهيم تشهد على إيمانه بالله، ولكنّ السؤال اليوم هو: هل أعمالنا تشهد على إيماننا بالله، أم تشهد على أنّ لنا إلهًا آخر غير الله؟ إنّنا نقع في الكثير من الأوقات في الفخّ نفسه، الّذي وقع فيه اليهود، إذ إنّ أعمالنا لا تشهد على إيماننا بالله، بل تشهد أنَّ لنا إلهًا آخر من صُنع أيدينا، يُسيِّر حياتنا. إنّنا نسعى في الكثير من الأحيان، إلى بناء ملكوتنا نحن، لا ملكوت الله، نعمل من أجل مجدنا الأرضيّ، لا من أجل مجد الله الآب. إنّ مِثلَ تلك الأعمال تُعبِّر عن أنانيّة الإنسان وبحثه عن مجده الأرضيّ سعيًا إلى إرضاء إلهه، الّذي هو صُنعُ يديه. من هنا، نجد أهميّة كبرى كي تتنشَّأ الجماعات على القيام بنشاطاتها انطلاقًا من ذهنيّة الإنجيل، فتعبّر عن حضور الله وروحه القدّوس في كلّ أعمالها، باحثةً عن مجد الله. إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك” تنجح في كلّ أعمالها لأنّها تهدف إلى إظهار مجد الله. في الختام، نسأل الله أن يبارك أعمال هذه الجماعة ويمنح المسؤولين فيها المزيد من القوّة والعزم كي تستمرّ في مسيرتها صوب الملكوت، صوب تحقيق مجد الله. إنّ الربّ جاء إلى أرضنا ومنحنا الحياة الأبديّة، وعلّمنا كيفيّة الوصول إلى تلك الحياة. لذا، فلنسعَ اليوم إلى الوصول إلى الملكوت، عبر التحضير لتلك المرحلة منذ اليوم، لنكون مع الربّ لا في هذه الأرض وحسب إنّما أيضًا في الحياة الأبديّة.
إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك” تُذكِّرنا بأنّه علينا على الدّوام أن نطلب من الله أن يَذكُرنا في ملكوته، وكي يذكرنا في ملكوته، علينا بدورنا أن نذكره في كلّ ما نقوم به من أعمال وأحاديث. في هذا الأسبوع، أسبوع بشارة زكريّا، يُذكِّرنا الربّ بقسَمِه لنا أنّه لن ينسانا من خلال معاني أسماء شخصيّات هذا الإنجيل. إنّ زكريا تعني الله تذكّر، أليصابات تعني الله أقسَم، ويوحنّا تعني الله تحنّن. إنّ الله يتحنّن علينا وسيذكرنا في ملكوته، إن تذكرناه نحن أيضًا في حياتنا على هذه الأرض. لنسعَ كي تبقى أعمالنا تُعبّر عن حقيقتنا بأنّنا أبناء الله أبناء الملكوت. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.