تأمّل روحيّ،

الأب ابراهيم سعد.

عيد الظهور الإلهيّ،

باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

لا تنتهي مفاعيل عيد الميلاد بحلول العيد بل تستمرّ إلى ما بعد ذلك، وإحدى مفاعيله وثماره هو عيد الظّهور الإلهيّ، الّذي يُسمّى بِعيد الغطاس.
هناك اعتقادٌ خاطئ عند المؤمِنين أنّ هذا العيد هو الاحتفال بذكرى معموديّة يسوع على يد يوحنّا المعمدان في نهر الأردنّ، وهنا تكمن المشكلة. كانت معموديّة يوحنّا من أجل التوبة، توبة النّاس عن خطاياهم والعودة إلى الله. وبالتّالي فإنّ يسوع المسيح، لم يكن بحاجة إلى تلك المعموديّة لأنّه بارّ. إنّ هدف يسوع من قبولِه معموديّة يوحنّا هو تتميم برّ الله، إذ قال ليوحنّا على نهر الأردنّ: “دعنا الآن نُتمّم كلّ برّ”. في معموديّة يسوع، نرى بوضوح ظهور برّ الله: في صوت الآب، وحلول الرّوح القدس بشكل حمامة، ووجود الابن في نهر الأردنّ. في المعموديّة على نهر الأردنّ، أظهر الله نفسه للبشر، معبّرًا عن حبّه لهم بهذه الطريقة. إنّ عيد الظّهور الإلهيّ ليس عيد تغطيس المسيح في نهر الأردنّ، إنّما عيد تغطيس المؤمن في جُرن معموديّة الآب، تلك النّعمة الّتي حصل عليها في صِغر سِنّه وهو الآن لم يعد يذكر مفاعيلها في حياته. إنّ هذا العيد يدعو كلّ مؤمن كي يتذكّر معموديّته ويُعلِن عن مفاعيلها في مواقفه الحياتيّة مع الآخرين.

في عيد الظّهور الإلهيّ، يتقدَّس الكون بأسره. لقد تمّ هذا الحدث مرّةً واحدة في التاريخ، ولكن السؤال الّذي يُطرَح هو: كيف يتجلّى هذا العيد يوميًّا في حياتنا؟ في معموديّة المؤمن، يتمّ الظّهور الإلهيّ، إذ يُعلن له الله الآب أبوتّه فيُصبح المؤمن ابنًا لله، ويسكن الرّوح القدس فيه، إذ على حسب قول الربّ يسوع لنا: “لا أدعوكم عبيدًا بعد اليوم، إنّما أحبّاء”. إذًا، يُحرِّك الرّوح القدس المؤمِنَ ويُلهمه، وحين يتجاوب هذا الأخير مع تلك الإلهامات، يُصبح قادرًا على نزع الإنسان القديم في داخله، لأنّه يريد أن “يتُمِّم كلّ برّ” من خلال إنسانه الجديد، فيتحقّق فيه ما أراد المسيح بولادته أن يُحقّقه في المؤمنين. إنّ المؤمن يُصبح مولودًا جديدًا في المعموديّة، إذ ظهر فيه الثّالوث الأقدس، وبالتّالي هو مدعوّ للسير على رجاء إيمانه أنّه قائمٌ من بين الأموات. في المعموديّة، يموت الإنسان مع المسيح، ومن ثمّ يقوم معه من بين الأموات.

إذًا، على المسيحيّين أن يشهدوا في حياتهم، للربّ الّذي أحبّنا إلى الغاية، وقد أدّت شهادته تلك إلى استشهاده في سبيل حبّه لنا. نَمَتْ الكنيسة عبر التّاريخ بفضل دماء المؤمنين الشُّهداء الّذين سخوا بدمائهم دفاعًا عن إيمانهم بالربّ يسوع. إنّ الشّهادة نوعان: الشَّهادة الحمراء والشَّهادة البيضاء. إنّ الشَّهادة الحمراء تقوم على استشهاد المؤمِن من أجل إيمانه بالمسيح، أمّا الشَّهادة البيضاء فتقوم على إخلاص المؤمِن للمسيح والشَّهادة له في كلّ ظروف حياته. إنّ الشَّهادة اليوميّة للمسيح تتطلّب تعبًا وجُهدًا مِنَ المؤمن للثبات في إيمانه، كما أنّها قد تُكلِّفه اضطهادات وآلام وأوجاع، لذا على المؤمن أن يتمسّك بالمسيح فيتعلّم منه الصبّر في الشّدائد، ومحبّة الآخرين وبخاصّة الّذين لا يُقدِّرون ما يقوم به لأجلهم، كي يتمكّن من الثبات في شهادته للربّ يسوع. آمين.

ملاحظة: دُوّن التأمّل بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp