قراءةٌ في مَشهد القبر الفارغ (يو 20: 11- 18)
بقلم الأب شربل كيروز ر.ل.م.
يشتِمِلُ حَدَثُ اكتشافِ القبرِ الفارغ على سلسِلَةِ تحوُّلاتٍ كبيرةٍ في الأفعالِ والمواقفِ تتَدَرّجُ في حركَةٍ تصاعدِيَّةٍ لدى الأشخاصِ وفي مُجرياتِ الأمور.
وصلَتْ المجدليّة إلى القبرِ بِلهفَةٍ كبيرةٍ، لكنّ لهفَتَها، بالرّغم من زخمِها، لم تدفَعها للدّخول إلى القبر.
بَقيَت واقفة. ذكرُها واقفة قد يُعَبِّرُ، بالإضافَةِ إلى وضعيّة جسَدِها، عن نهايَة شيءٍ ما: نهاية المَسير من حيث أتَت إلى القبر، نهاية الرّحلة مع يسوع، الرّحلة التي قد تكون تصوّرتها، مع الكثيرين، انتهَت في القبر، نهاية الطريق. لم تَكُن تدري أنّ رحلَتَها إلى القبرِ لن تكونَ الأخيرة مع يسوع، لا بل هي محطّةٌ جديدةٌ فيها تحوّلٌ من مرافقة شخصٍ بشريٍّ محسوسٍ وملموسٍ إلى علاقَةٍ لا نهاية لها مع شخصٍ قائِمٍ من الموتِ، إنسانٍ وابنِ الله. وبقاؤها في الخارج قد يوحي بعَدَمِ الدخولِ، في بادئ الأمر، إلى حقيقةِ وسرِّ الحدث.
ومن جهة أخرى، وفي ما يخصّ المجدليّة، يحوي مَشهد يوحنّا (20: 11- 18)
الأفعال التالية: تبكي، انحَنَت، شاهدَت، قالت، أخذوه، لا أعلم، وضعوه، التفتت، ما علمت، أخذتَه، قُلْ، وضَعتَه، آخذُه، جاءت، تُبَشِّرُ، رأيتُ، أخبرت. ففي ديناميّة هذه الأفعال أيضًا تحوّلاتٌ كبيرة، منها:
بعد أنْ كانت واقفةً في الخارج، انحنَت، وكأنّ انحناءَها تحوّلٌ في الوضعيّة، إذ الانحناءُ جعَلَها أقربَ من الحدثِ وسَهَّل عليها الدّخول فيه بعد أنا كانت خارجه. ومن ثمَّ، وبعد أن شاهدَتْ تحَوَّل البكاءُ الخالي من الكلام إلى محادثة مع الملاكَين وبعدَها مع يسوع نفسه، وتدرّج الكلامُ إلى الإعلانِ عن القيامَة لدَى التلاميذ.
كما أنّ هناك تحوّلًا كبيرًا وجذريًّا آخر يوحي به التدرّج من السؤال عن “أين وضعوه” إلى الاعتراف بحضورِه المعهود والأكيد “رابّوني”. وهنا يأتي التحوّل الأكبر، لكن من جهة يسوع: فيَسوع لم يَكُن حاضِرًا بالنسبة لها عندما كانت في الخارج تبكي، وكادَت إمكانيّة مشاهدَة حتى جثمانه تتبَدَّدُ في اكتشاف القبر الفارغ، إلى أن يقول لها “مريَم” ويُحَوِّلها من واقفةٍ باكيةٍ إلى راكِضةٍ مبَشّرة.
- الإصدار بنسخة PDF