نظرة الكنيسة الارثوذكسيّة الى السّماء وجهنم والمطهر،  

 للأب بولس وهبة، 

من المهمّ جداً البدء بالقول ان الكنيستين، الارثوذكسيّة والكاثوليكيّة تؤمنان بفاعلية الصّلاة من أجل الراقدين، انطلاقاً من أن الرب يسوع هو إله الأموات والاحياء، وأنّ الكلّ، في عرفه، أحياء لأنه بقيامته صار للكل حياة فيه، وكما نصلّي من أجل “الاحياء” نصلّي من أجل الراقدين .

لم تعرف الكنيسة الأولى فكرة المطهر كما هو معبّر عنها في ايمان الكنيسة الكاثوليكية، والتي صارت عقيدة رسمية أي ( ملزمة)في مجمع فلورنسا عام 1438،كما لم يتكلّم عنها أيّ من آباء الكنيسة الأولين، وبالتالي فإن الكنيسة الارثوذكسية تعتبر نفسها امينة لتعاليم الكنيسة الأولى ، ان بالنسبة للمطهر أو الى أي عقائد ظهرت لاحقاً وأعلنت أو حددّت من طرف واحد، أي ليست في اجتماع مسكوني يضّم كل الكنائس، كما ان العهد الجديد في الكتاب المقدس، لم يستعمل العبارة، أي لم ترد فيه مطلقاً. المطهر عند الكنيسة الكاثوليكية هو حالة انتظار، يقبع فيها الذين هم في حالة مترجرة بين الصلاح والشر، للحصول على التطهير، والذي يتكثّف عبر انعامات من العذراء والقديسين والبابا.

أما بالنسبة الى الكنيسة الارثوذكسية، فالإنسان يُكمل المشوار مع الله ونحوه بعد الموت ، وهو ما كان قد ابتدأه في حياته، ودينونته تحصل لحظة موته لتحديد مساره، كما حصل مع اللّص الشّكور على الصليب عندما اعترف بالربّ يسوع وطلب الخلاص، فيما الذين هم في حالة بين الصلاح والشر، يستفيدون من صلوات الكنيسة والمؤمنين، للاقتراب من الرب يسوع لأن صلاة البار تُقتدر كثيراً في فعلها كما ورد في رسالة يعقوب، اذاً الراقد هو في مشوار مستمر وليس في جهنم الانتظار، وإن اختلف اللاهوتيون في تحديد ماهية هذا الانتظار. فيما يتّفقون على ان فكرة التطّهُر العائدة الى المطهر كما هي معرّفة في الكنيسة الكاثوليكية ليست واردة بهذا المعنى: الأمر شبيه بفعّالية الصلاة عند المؤمن الحيّ الذي بصلوات الكنيسة وشفاعة القدّيسين والمؤمنين يقترب أكثر نحو حضن الرب يسوع.

أما السّماء، أي الجنّة ( وهو التعبير الأصح) فهي أن يكون الانسان مع الرب يسوع ( وهذا هو تعريف ملكوت السماوات – يسوع هو ملكوت السماوات) ومتفاعلاً معه. اما جهنم هي أن نكون في حضرته فيما نحن عاجزون عن التفاعل مع محبته، لعقمنا( من العقم)

الجهنم والسّماء ليسا مكانان ماديّان ، والصور المستعملة في العهد الجديد، هي صوّر مجازية وليست صوراً فعلية وواقعية، يوم الدينونة هو يوم الإقرار بهذا، لأن دينونة الانسان تكون لحظة موته، فيما الصلاة هي من أجل استدرار رحمة الله لكي يقترب الهالك بالخطايا أو الملوّث بها منه، في حركة رحمة مبنية على الصلاة الدائمة من قبل المؤمنين.

دعوتنا اليوم يجب أن تكون من أجل ابراز كم هي الكنيستان متقاربتان في المفهوم، وكم هي هذه التحديدات فروقات يمكن تجاوزها للوصول الى الأرضية المشتركة التي هي موجودة بالأصل.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp