عِظة للخوري جوزف سلوم،
خادم رعيّة مار فوقا – غادير، كسروان.
“ولكنّ حُزنَكم سيَتحوّل إلى فرحٍ” (يو 16: 20)
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
إنّ عالمنا اليوم عاجزٌ عن مساعدة الإنسان على تخطّي الحزن الّذي يخترق قلبه بسبب موت أحد أحبّائه. وهنا نطرح السؤال: مَن الّذي يستطيع تحويل ذلك الحزن في قلب الإنسان إلى فرحٍ ورجاء؟ لا أحد غير يسوع المسيح ربّنا، يستطيع تحقيق ذلك لأنّه اختبر عمق الحزن البشريّ بمعاناته العذاب والصّلب والموت، ولكنّه تغلّب عليها بقيامته من الموت منتصرًا.
إنّ حياة الإنسان مليئة بالصّعوبات والأحزان، ولكنْ أمام كلّ صعوبةٍ تَظهر قدرة الله على تحويل حزن الإنسان إلى فرحٍ ورجاء. هذا ما حدث تمامًا مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الّتي انطلقت منذ اثنتي عشرة سنة، أي في الأوّل من حزيران سنة 2006، من هذه الرعيّة المباركة، لتنشر في العالم كلّه الرِّسالة الّـتي أوكلها الله إيّاها وهي: تذكير المؤمِنين بالربّ يسوع، مصدر كلّ رجاء، القادر على تحويل كلّ حزنٍ ويأسٍ في حياتهم إلى مصدر فرحٍ ورجاء.
لا يغشُّكم أحدٌ: لا أحد يستطيع أن يمنح المؤمِنين الرّجاء إلّا الربّ يسوع، ومَن كان على علاقة متينة معه. إنّ الألم والحزن والموت في حياتنا تؤدِّي بنا إلى الإحباط واليأس، إن لم تُقرَأ في ضوء نور قيامة الربّ يسوع الّتي تزرع في قلوب المؤمِنين به كلّ رجاء وسلام. هذه هي رسالة جماعة “أذكرني في ملكوتك” أن تُذكِّر المؤمِنين بالخلاص الّذي حقّقه الربّ يسوع ومَنَحَه لهم بقيامته من بين الأموات، فتزرع الرّجاء والتعزية في قلوب الحزانى ماسحةً الدّموع مِن عيونهم.
واليوم أيضًا، يُصادف عيد قلب يسوع الأقدس: وفي هذه المناسبة، أودّ أن أعرض أمامكم بعض أمراض القلب الّـتي قد تصيب قلب المؤمِن فتُعيقه عن النموّ في مسيرة القداسة الّتي يطمح إليها.
على المؤِمن أوّلاً أن يتجنّب وقوع قلبه في حالة من الفراغ، فيكون قلبه خاويًا خاليًا، عُرضةً لكلّ الأهواء البشريّة. في هذا الصَّدد، نقول: طوبى للإنسان الّذي قَبِل حضور الربّ في حياته، لأنّ قلبه يُصبح على مثال قلب العذراء “ممتلئًا نعمةً”. على المؤمِن أن يحفظ قلبه من الفراغ لأنّه يؤدِّي إلى الإحباط واليأس، لذا عليه أن يتحلّى بالصّبر والمثابرة، طالبًا من الربّ أن يملأ قلبه بالنِّعَم الّتي يحتاجها في مسيرته الأرضيّة.
أمّا المرض الثّاني الّذي قد يُصيب قلب الإنسان فهو انغلاق القلب، فيُصبح الإنسان مكتفيًا بذاته، مُشْبَعًا بالأنانيّة، ورافضًا رؤية الأمور على حقيقتها. هذا المرض هو من أخطر الأمراض الّتي قد تصيب قلب الإنسان لأنّه يَجعله منغلقًا عن العطاء للآخرين.
كما أنّ القلب قد يُصابُ أيضًا بالحقد، ممّا يؤدّي إلى عرقلة مسيرة الإنسان الروحيّة. لذا على المؤمِن السَّعي إلى تحاشي العداوات مع الآخرين. إنّ عالمنا اليوم، يُعاني من العداوات على مستوى الأخوَّة، والكتاب المقدَّس قدّم لنا منذ القِدَم أمثلةً عن تلك العداوات: قايين وهابيل، عيسو ويعقوب، ويوسف الّذي باعه إخوته؛ كما قدّم لنا أيضًا علاقة الابن الأكبر بالابن الأصغر في مثل الابن الضّال: فالابن الأكبر رفض المشاركة في الاحتفال الّذي أقامه والده ابتهاجًا بعودة أخيه الأصغر. إنّ الربّ يسوع بقبوله الموت على الصّليب، أعاد بحبّه العظيم إخوتَه البشر إلى الله أبيه، زارعًا المحبّة في قلوبهم ونازعًا منها كلّ حقدٍ.
وهناك مرضٌ آخر يُصيب قلب الإنسان وهو انغلاق القلب على نعمة الله. على المؤمِن الّذي يُعاني من هذا المرض في قلبه أن يسعى ليتحلّى بأمور ثلاثة أساسيّة تؤمِّن وصوله إلى الملكوت.
أوّلاً: نقاوة القلب: في الكتاب المقدَّس نقرأ: “طوبى لأنقياء القلوب، فإنّهم يُشاهِدون الله” (متّى 5: 8).
ثانيًا: وداعة القلب: في الكتاب المقدّس نقرأ “طوبى للوُدعاء، فإنّهم يرثون الأرض” (متّى 5: 4). إنّ الإنسان صاحب القلب الوديع هو إنسانٌ يشعر مع الآخرين، إذ يفرح لفَرَحِهم ويحزن لحزنهم.
ثالثًا: القلب المتواضع: إنّ الربّ ينظر إلى القلب المتواضع، وهذا ما أكّدته لنا مريم في نشيدها: “تعظّم نفسي الربّ، لأنَّه نظر إلى تواضع أَمَتِه” (لو 1: 46 و 48).
إذًا، على المؤمِن أن يبتعد عن كلّ ما مِن شأنه أن يجعل قلبه فارغًا أو حاقدًا أو مُغلقًا على نعمة الله وعلى الآخرين؛ ساعيًا إلى التحلّي بقلبٍ نقيٍّ، وديعٍ ومتواضعٍ، فيتمكّن من التقدُّم في مسيرته الروحيّة صوب القداسة أي صوب الملكوت.
في الختام، أودّ أن أُجدِّد معكم رجاءنا بالربّ يسوع القائم من الموت، فنتشارك الصّلاة مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، مِن أجل إخوتنا الرّاقدين وبخاصّة أولئك الّذين رقدوا حديثًا بالربّ، فنكون شهودًا معها على الرّجاء المسيحيّ. ليس الأهمّ في الحياة تحقيق الإنجازات العظيمة، بل الأهمّ يكمن في كيفيّة عيش المؤمِن لهذه الإنجازات العظيمة، فتُصبح حياته شهادة حيّة لإيمانه بالربّ يسوع.
إنّ الإنجاز الأهمّ في حياة المؤمِن هو أن تكون حياته مُطابقة لحياة المسيح يسوع وتعاليمه، ومنسجمةً مع حبّه للبشر. فعند تحقيق هذا الإنجاز، تصطلح أمور هذا العالم، فيعيش في سلامٍ مع ذاته ومع الآخرين.
في الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك” في رعيّتنا، أتوجّه بالمعايدة القلبية لكلّ أعضائها متمنيًّا للجماعة المزيد من التألّق في مسيرتها الروحيّة، طالبًا من الربّ أن يسدِّد خطاها في تحقيق خلاص النّفوس ووصولها إلى الملكوت. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.