“إنّكم ستحزنون، لكنَّ حزنكم سينقلب فرحًا” (يوحنّا 20:16)

بقلم الأب أنطوان النّداف، الباسيليّ الشويريّ،

يقول قائلٌ: ما نفعُ الحياة إنْ عَنَتْ تنعّمًا ببعض الخيرات ونموًّا مدلّلاً في الصِّبا وازدهارًا في الصِّحة والجمال ينكسر ويزول إثرَ مرضٍ، انتهاءً بموتٍ يكون أحيانًا مفاجئًا وأليمًا في آن؟ نعم، لا نفعَ لمثل هذه الحياة في منطقنا نحن البشر، ولا عجب أن يستسلم المرء إلى الإحباط واليأس، مرهقًا كأيّوب في زمانه الّذي راح يُردِّد: أيُعطي الله نورًا للشقاء وحياةً للمرارة (أيوب 3)، أيّةُ فائدةٍ للإنسان مِن كلّ تعبه: العين لا تَشبع والأذُن لا تَمَل وما من جديد تحت الشَّمس، وكلّ شيء باطلٌ، وسعيٌ إلى قَبْضِ الريح (الجامعة 1).   

أحِبَّتي، لا! يقول المؤمِن، ليست الحياة باطلاً، وليست صدفةً، ولا سَفَرًا في الأوهام، ولا شرًّا لا بدَّ منه، ولا يعطي الله نورًا للشقاء بل نورًا للحياة. فالسيّدُ المسيح الّذي تجسّد، وَلَجَ في الزمن لِيبلغَ بِنا إلى مِلء الزمن الّذي هو الله. انحدرَ ابن الله إلى قلب المؤمِن بالمسيح فافتداه من ناموس الخطيئة والموت، وأعطاه التألّه ومنحه التبنّي بسرّ العماد المقدَّس قائلاً له: لستَ بعد عبدًا، بل أنتَ ابنٌ وأنتَ وارثٌ لله.

هذا ما يجب أن نَعِيَه وأن نؤمِن به، إلّا أنّه لا يجب أن نحزن حزنًا بالغًا جدًّا يجعل نفسنا مكفهرّة قاطعين كلّ أملٍ ورجاءٍ حسبَما علّمنا الربّ يسوع في إنجيله الطاهر، هو القائل: “إنّكم ستحزنون، لكنّ حزنكم سينقلب فرحًا” (يوحنا 20:16). نعم، سينقلب حزنُنا فرحًا بالرّغم من لواعِجِنَا البشريّة المريرة. إيماننا بالمسيح يدعونا إلى الاعتبار أنّنا أصبحنا به موضوع حبّ الله. إنّنا نفرح لأنّنا به صرنا أبناء الله، وحَصلنا على الدّالةِ البنويّة لديه ولأنّ الروح القدس ملأنا قداسةً، وأقامَنا وارثين مع المسيح، ولأنّنا بالنسبة لله نحن أكرم الخلائق، وأثمن من كلّ شيء (متى 6). 

فإن كانت لنا هذه الكرامة نحصل عليها من إيماننا بيسوع واغتذائنا بجسده ودمه الأقدسَين، لا يعود يهّمنا أن يكون عمرنا قصيرًا أو طويلاً، ولا يهمّنا أن نمتلك مالاً وخيرًا أو نُحرَم منهما، ولا يهمّنا أن نموت لأنّ الموت انتقالٌ إلى المكان الّذي أعدّه لنا يسوع مِن فيض محبّته اللّامتناهية إذ سيعود ويأخذُنا لنكون معه حيث يكون هو (يوحنا 14). مما يحدو بنا أن نردّد مع الرّسول بولس: “ما أحياه بالجسد إنّما أحياه بالإيمان بابن الله يسوع المسيح الذي أحبّني وبَذَلَ نفسه عني” (غلا 20:2). هذا ما يعزّي قلوبَنا جميعًا أيّها الأعزّاء طالبًا رحمات الله الواسعة لموتانا، ولنا ولكم جميعًا دوام الصّحة وطول العمر. آمين.                                       

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp