إنّ هذا الإنجيل يدفعنا إلى عيش المحبّة وإخلاء الّذات،

عظة للخوري يوسف الخوري – رعيّة سيّدة الخلاص- مرجبا

.

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

المسيح قام … حقًا قام! ونحن شهودٌ على ذلك.

إنّ انجيل اليوم، يُطلِعنا على دور المسيحيّ في مجتمعه، وما هو المطلوب منه. إنّ يسوع في هذا الانجيل يُخبر تلاميذه بأن كثيرين قد أبغضوه، وشتموه، ولعنوه، وبصقوا عليه لأنّه يقول الحقّ، وعنه تكلّم الكتاب حين قال إنّه أُبغِضَ دون سبب. إنّ مَن يتكلّم بالحقّ، فسوف يتّم إسكاته وتجاهله، لأنّ قول الحقّ يزعج كثيرين إذ تتضرّر مصالح كثيرة. ولكنّ على الرّغم من ذلك، عليك أن تتكلّم بالحقّ دائمًا، وتسعى كي تعيش المسيح في حياتك.

سمعتُ قصّة تقول إنّه في القديم، عندما كانوا يذهبون في رحلات حجٍ إلى القدس، كان كلّ شخص يأخذ معه كفنَه، وهو عبارةٌ عن شرشف أبيض أو منشفة بيضاء، يضعها على قبر المسيح عند وصوله فيتبارك، ثمّ يعود فيسترجعه ويحتفظ به إلى يوم انتقاله من هذه الدنيا، فيُوضع بناءً على طلبه، في هذا الكفن الّذي أصبح مقدَّسًا، تعبيرًا عن رغبته في أن تكون روحُه حيّةً في الملكوت.

إنّ جماعة “أُذكرني في ملكوتك”، تشهد للملكوت، مع المؤمنين جميعًا، وهذه الشهادة ليست فقط من أجل ملكوت السّماوات، فإن كانت جماعة “أذكرني في ملكوتك” تصلّي فقط من أجل ملكوت السّماء، فهي أشقى النّاس والخاسرة الكبرى. لقد حصلنا نحن المؤمنين على ملكوت الله، في المعموديّة أوّلاً، ثمّ بجسد يسوع المسيح الّذي نتناوله في كلّ ذبيحة نشترك فيها، وفي حياتنا اليوميّة الّتي نشهد فيها للمحبّة. إنّ الانسان ضعيفٌ لذا لا تخلو حياته اليوميّة من بعض الواقف المتشّنجة وبعض التّصرفات الخاطئة غير أنّ الانسان يستطيع أن يجد الحلّ لكلّ هذه السقطات عبر الاعتراف بها أمام الكاهن وتجديد مواعيد معموديّته. إنّ جماعة “اُذكرني في ملكوتك” تعمل على هذه الأرض من أجل ملكوت السّماء، كي يكون متجسدًا وظاهرًا في هذا العالم. إنّ أعضاء جماعات “اُذكرني في ملكوتك”، المنتشرة في رعايا عديدة في لبنان وبلاد الانتشار، يُدركون معنى “ملكوت الله”، ويفهمون معنى الآية الانجيليّة: “اُذكرني في ملكوتك”. إنّ لصَّ اليمين المصلوب قرب يسوع، قد طلبَ من الرّبّ أن يذكرَه حين يأتي في ملكوته، فكان له ما أراد. إنّ غالبيّة المسيحيّين اعتقدوا أنّ ملكوت السّماء يشير إلى السّماء فقط، وتجاهلوا أنّ الرّبّ يسوع قال في مكانٍ آخر إنّ ملكوت الله في داخلكم. إنّ عيش ملكوت الله على الأرض، هو أمرٌ مكلفٌ جدًّا للمؤمن. إنّ الكتاب يقول إنّ الكثيرين قد أبغضوا يسوع بلا سبب، ويقول الكتاب إنّ من يبغض يسوع، يبغض الله الآب.

إنّ يسوع يقوم بإعادة تعليم الكتاب أي التّوراة، وبذلك يريد يسوع لفت انتباه اليهود، إلى أنّ ما يعلّمه لا يناقض الشّريعة إنّما يكمّلها، وهو يسعى لكي يُوضح صورة الله الحقيقيّة لليهود. نحن نقول في الكثير من الأحيان، إنّ الله موجود، لكن من هو الله؟ إنّ الكنيسة تعطينا جوابًا واضحًا مُستقى من الأناجيل وأقوال التّلاميذ، بأنّ الله هو محبّة، وعلينا أن نعيش، نحن المسيحيّين، بموجب تعاليم الانجيل وتعاليم الكنيسة. إنّ المسيح يسوع قد وعدنا عند صعوده إلى السّماء بأنّه سيُرسِل لنا من عند الآب، روح الحقّ الّذي سيعلّمنا. إذًا علينا أن نسمح للرّوح القدس بأن يعلّمنا كلّ ما قاله يسوع، وأن نقبل بأن نكون تلاميذ لهذا الرّوح الّذي نلناه في المعموديّة. إنّ العلامة الحسيّة لوجود الرّوح القدس، هي تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. إنّ هذا الجسد والدّم، هما علامة حسيّة لحضور الرّبّ يسوع في العالم كما أنّهما علامة لحضور الرّوح القدس، وعلامة لحضور الله الآب؛ إنّ هذا الحضور الثالوثي لله في الذبيحة الإلهيّة، من شأنه أن يخبرنا عن هذه العلاقة المتينة الموجودة بين الأقانيم الثلاثة. إنّ هذه العلاقة تشكِّل دعوةً لنا، لكي نكون شركاء مع الله الآب والابن والرّوح القدس، إن أصغينا للرّوح القدس، فإن لم نصغِ له، فنحن لن نتمّكن من عيش ملكوت السّماء على الأرض. إنّ هذه الشراكة بين الأقانيم الثلاثة هي دعوةٌ من الله لنا لكي نعيش مع الآخرين شراكة على مثال الشراكة الإلهيّة، مبنيّة على المحبة، تلك المحبّة الّتي علّمنا إيّاها يسوع على الصّليب. إنّ يسوع قد حقّق ملء المحبة على الصّليب، بإخلائه لذاته، فقد تخلّى عن كلّ شيء، ورضِيَ أن يموت معلّقًا على الصّليب، كي يظهر للإنسان محبّة الله. إنّ الرّبّ يسوع مات على الصّليب كي يخلِّص الانسان، وطوعًا لكلمة الله الآب، إذًا مات يسوع من أجل البشر، ومن أجل الله، لقد مات من أجل الاثنين معًا. إنّنا، في حياتنا اليوميّة، كثيرًا ما نواجه أمورًا تتطلبّ إخلاء للذّات، في علاقاتنا مع أفراد العائلة ومع المحيطين بنا. وعلينا أن نتشبّه بيسوع ونتصرّف بحكمة، فنكون على استعداد من أجل إخلاء ذواتنا، حين يتطلّب الأمر ذلك، وعلينا أن نجابهه الشّر بالخير وبعيش المحبة الّتي تتطلّب إخلاءً للذّات. غير أنّ البعض قد يتسلّح باللامبالاة تجاه خصومات الآخرين، فلا يخلي ذاته لأجلهم ولا يتخلّى عن بعض الأمور الّتي قد تعيق تقدّمه الرّوحي، وعوض أن يكون ساعيًا للسّلام بين النّاس، يكون مثالاً سيئًا لا يعكس الملكوت، والسؤال الّذي يُطرح عندها: أين الملكوت وكيف يتحقّق، عندما يختار الانسان الشّر، عوض المحبّة وإخلاء الذّات من أجل الآخر؟

إنّ هذا الإنجيل يدفعنا إلى عيش المحبّة وإخلاء الّذات، وخيرُ تعليم عن المحبة نستقيه من مريم العذراء ويسوع المسيح، فهما قد عرفا كيف يعيشان المحبة وإخلاء الذّات من أجل الآخر. إنّ هذا الإنجيل أيضًا يدفعنا إلى التصالح مع ذواتنا ومع الله قبل أن نتصالح مع الآخرين. في بعض المواقف الغاضبة والمتشّنجة قد تقوم باتخاذ مواقف تجاه الآخر قد لا تلقى لديه تجاوبًا إيجابيًا. في هذه الحالة، حاول أن تجد جوابًا على سؤالٍ يجب أن تطرحه على نفسك: هل أنت قد تخليّت وتنازلت حقًّا عن ذاتك، والآخر لم يقبل بتنازلك هذا؟ إنّ يسوع يعطيك الجواب الشافي على ذلك إذ يطلب منك أن تصارحه أوّلاً على انفراد، فإن لم يقبل تنازلك هذا، أَحضر معك شخصين يشهدان عليك وعلى رغبتك في مصالحة الآخر، وإن لم يقبل في هذه الحالة، فإن يسوع يدعوك لأن تتركه وشأنه وتعامله كوثنيّ. إذًا، إنّ يسوع يدعوك لتتصرّف مع الآخر انطلاقًا من المحبة وسعيًا للسّلام مع الآخر، فإن قبل الآخر محبّتك ورغبتك في توطيد السّلام معه، تكون قد ربحت أخًا، وإن لم يفعل فهو سيكون الخاسر الأكبر لأخٍ له في المسيح يسوع.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp