محاضرة للأب برنار باسط،
خادم رعيّة مار الياس للرُّوم الكاثوليك، لافال، كندا.
“التطويبات” (مت 5: 1-12)
النصّ الإنجيليّ:
“فلمّا رأى الجموعَ، صَعِدَ الجبل وجَلسَ، فدنا إليه تلاميذُه فشَرَعَ يُعلِّمُهُم قال: “طوبى لِفُقراء الرُّوح فإنَّ لهُم ملكوتَ السَّماوات. طوبى للودَعاء فإنَّهم يَرثونَ الأرض. طوبى للمَحزونِين فإنَّهم يُعَزَّون. طوبى للجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرِّ فإنَّهم يُشبَعون. طوبى للرُّحماء، فإنَّهم يُرحَمون. طوبى لأطهارِ القلوبِ فإنَّهم يُشاهدونَ الله. طوبى للسَّاعينَ إلى السَّلام فإنَّهم أبناءَ الله يُدعَون. طوبى للمُضطهَدِينَ على البِرِّ فإنَّ لهُم ملكوت السَّموات. طوبى لكُم، إذا شَتَموكم واضْطهَدُوكم وافْتَروا عليكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أجلي، اِفرَحوا وابْتَهجوا: إنَّ أَجرَكُم في السَّمواتِ عظيمٌ، فهكذا اضطَهدوا الأنبياءَ مِن قَبْلِكُم”. المجد لك يا ربّ!
التأمّل في النّص الإنجيليّ:
مساء الخير إخوتي، إنّ هذه التطويبات قالها يسوع على الجبل. والجبل يرمز إلى الارتِفاع، إلى ما هو فوق، أي إلى السَّماويّات. كما أنّ عبارة “الجبل” تُذكِّرنا بموسى الّذي صَعِد إلى الجبل فَبَقيَ هناك أربعين يومًا قَبْل أن ينزل منه ويُعطينا شريعة ربِّنا، أي لَوحَي الوصايا. اليوم، يصعد يسوع إلى الجبل كي يُعطينا نِعَم الملكوت، الّذي على الإنسان أن يعيشها، لا بِحَسَب الشريعة إنّما بِحَسَب النِّعمة. إنّ هذه التطويبات مترابطةٌ بعضُها بِبَعض، وهي مطلوبةٌ مِن كلِّ واحدٍ منّا كي يتمكَّن من الدُّخول في سرّ الملكوت، أي في روحانيّة الملكوت، في شريعةِ الرّوح، في شريعةِ الحبّ الإلهي الّتي تَدخُل إلى قلوب النّاس، وتُقدِّس كيانَهم البشريّ، وتجعلهم أبناءً لها، أبناءً لله ووَرَثةَ ملكوتِ الله.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش كلّ هذه التطويبات مِن دون عيشِ النِّعمة مع يسوع المسيح، لا عَيشِ النَّاموس الّذي يؤدِّبُنا ويُحضِّرُنا لـمَجيء المسيح. إنّ الرَّوح القدس، روحَ يسوع، يُثبِّت حياة يسوع فينا، يسوع الوديع والمتواضع القلب، والّذي “قَصبةً مرضوضة لا يقصِف، وفَتيلةً مُدَّخنةً لا يُطفِئُ” (متى 12: 20)، “حتَّى يسير في الحقِّ إلى النَّصرِ”. إنّ روحَ يسوع المسيح، أي الرّوح القدس، يُريد أن يَتَّحد بأرواحنا ويبارِك أعمالنا ويُقدِّس كيانَنا، وهو الّذي سيَقودنا إلى منطقِ الله.
إنّ التطويبة الأولى “طوبى لِفُقراء الرُّوح، فإنَّ لهُم ملكوتَ السَّماوات”.
تدعونا إلى طرح السُّؤال: ما هو الفَقر الرُّوحيّ؟ إنّ الإنسان الفقيرَ روحيًّا هو ذاك الإنسانُ الّذي لديه شوقٌ دائمٌ إلى الله، وهو الإنسانُ الّذي يملك قلبًا يرى مِن ذاته أنَّه بحاجةٍ إلى النِّعمةِ الإلهيّةِ كي يعيشَ حياتَه في القداسة، ويرى في ذاتِه أنّه إنسانٌ محدود، بالرَّغم من أنَّه قد يكون غنيًّا ماديًّا. فَعندما ينظر الإنسان الفقير روحيًّا إلى وقائعِ الحياة والغنى الموجودِ في هذه الدُّنيا وفي هذا الكون، ويكتشف غِنى طبائع النَّاس وتَنوِّعها، يرى نفَسَه صغيرًا ومحدودًا وعاجزًا عن إدراكِ كلِّ أسرار الحياة وقُدسِيَّتِها. فالإنسانُ الفقيرُ روحيًّا يسعى دائمًا إلى الحصول على نِعمة الله، ورِضى الله الخالِق، وهو دائمًا في حاجةٍ داخليّةٍ إلى الله.
لذلك نَجد أنَّ الإنسان الفقير روحيًّا هو إنسانٌ متواضِعٌ. والتّواضع لا يعني القبولَ بكلِّ ما يُقال لنا، أو مجاراةَ الآخَرين في كلِّ ما يقولونه، كما أنّه ليس عَملاً أخلاقيًا نقوم به في المجتمع انطلاقًا من التَّربيّة الّتي تلقيناها: كالسُّكوت عندما يتكلَّم الآخَرون. فالتَّواضع هو في الحقيقة شيءٌ داخليٌّ جوهريٌّ، يعيشه الإنسانُ انطلاقًا من قناعته وإدراكِه ووَعيه لحاجته إلى التّعلُّم من الحكمة الإلهيّة والامتلاء منها، وحاجتِه إلى التعلّم مِن الآخَرين مِن خلال الإصغاء إليهم. إنّ الإنسانَ المتواضع يجد نفسَه ضعيفًا وبحاجةٍ إلى الكثير من النِّعَم كي يَصِل إلى مِلء قامة المسيح. إذًا، التطويبة الأولى تُكلِّمنا على التواضع، والفقر الرُّوحي، والحاجة إلى النِّعمة الإلهيّة. إنّ هذا التَّواضع قد اختبره بطرس الرَّسول إثرَ الصَّيْد العجائبي، فَطلب إلى الربِّ يسوع قائلاً له:”اخرُج مِن سَفِينَتي يا ربّ، لأنّي رَجلٌ خاطئ” (لوقا 5: 8).
لقد اكتَشف بطرس الرَّسول أنّه لا شيء أمامَ عظمة يسوعَ وقدرتِه الإلهيّة. والربُّ يسوع نفسُه أيضًا يقول لنا: “متى فَعلتُم كلَّ ما أُمِرتم به، فقولوا إنّنا عبيدٌ بطَّالون”(لو 17: 10). إنّ عبارة “عبيدٌ بطَّالون” تعني أنّه مهما تَقدَّمنا في هذه الحياة، وأنجَزنا أمورًا عظيمةً، علينا أن نتذكَّر دائمًا أنّنا لا نزالُ بحاجةٍ إلى نِعمةِ الربّ في حياتنا.
إنّ الإنسان المتواضع والفقير الرّوح، يَفتَقِدُه الربُّ ويَنشُله ويُنَوِّره ويُلهِمه، تمامًا كما افتقَد اللهُ أمَّنا مريم، فعَبَّرت عن ذلك بالقول: “لأنّه نَظَر إلى تواضع أمَتِه. فها منذ الآن تُغبِّطني جميع الأجيال” (لو1: 48). إذا ذَهبنا إلى المطار، على سبيل الـمِثال، نرى أناسًا من كلّ الألوان والأنواع، أُناسًا يتكلَّمون لُغاتٍ مُختلِفة، وأصحابَ أفكارٍ وتوَّجهاتٍ مختلفة، وانفعالاتٍ مختلفةٍ واختبارات مختلفة؛ وكذلك إذا سافَرنا من بلدٍ إلى آخَر نكتشف اختلافَ الطَّبيعة بين بلدٍ وآخَر، عندها يتساءل الإنسان المتواضِع، الفقير الرّوح، عن حقيقته قائلاً: “مَن أنا؟” إذ يَكتَشِف صِغَرِه ومحدوديّته أمام عظمة خَلقِ الربّ. ثمّ يجد الجواب عن ذلك السُّؤال، فيقول أنا إنسانٌ ضعيفٌ، وبحاجةٍ دائمة إلى نِعمة الله في حياتي.
إنَّ شعور الإنسان بالضَّعف يخلق فيه شعورًا بالحزن، إذ يكتشِف أنَّه إنسانٌ خاطئ، وأنّه بحاجةٍ إلى تعزيةٍ وتقوية. وأن يكونَ الإنسانُ حزينًا لا يعني أنّ حُزنَ الإنسان سبَبُهُ فقدانُه لشيءٍ في حياته أو خسارتُه ثروةً، أو إصابتُه بِمَرضٍ مُعيَّن، فحُزن الإنسان هنا هو حزنٌ على خلاصِ نفسِه إذ اكتشفَ مجدَ الله وعظمته، إضافةً إلى اكتشافه عظمةَ ما قام به يسوع المسيح. إذًا، حُزنُ الإنسان هنا هو حزنٌ روحيّ، وهذا الحُزن يدفع الإنسان إلى اكتشاف حاجته إلى افتقاد الله له. إنّ الإنسان يحزن نتيجة خطاياه ونتيجةِ خطايا النَّاس، لأنَّه يكتشِف بُعدَهم عن الله. ولكنَّ في هذا الحزن، يفتَقِد الربُّ الإله هذه النَّفسَ المسكينةَ المتواضعة.
“طوبى للمَحزونِين فإنَّهم يُعَزَّون”.
إنّ الله يقول لنا: “مَن يزرع بالدُّموع، يَحصُد بالابتهاج” (مز 126: 5). فالله يُنير بَصيرة الإنسان المسكين، فيُعرِّفه خطاياه، ويدفعه إلى عيشِ هذه الحالة مِن الحزن على خطاياه، ولكن ما يلبَث أن يعود الله إلى هذا الإنسان ويفتقده فيشعر هذا الأخير بالفرح. في الكِتاب المقدَّس، نرى يسوع حزينًا مرّاتٍ عديدة، ونادِرًا ما نراه مُبتَهِجًا. في أغلب الأحيان، يُخبرنا الكِتاب المقدَّس عن حُزن يسوع على آلام النَّاس، كحُزنِه على أرملةِ نائين الّتي فَقَدَت ابنها الوحيد، وعلى موت لِعازر صديقه، كما نراه حزينًا على الشَّعب الغليظ الرِّقاب، بسبب ابتِعادهم عن الله. ولكنّنا نراه في مشاهدَ إنجيليّة أُخرى متهلِّلاً بالرُّوح، إذ يقول: “أحمدك أيّها الآب، ربّ السَّماء والأرض، لأنَّك أَخفيتَ هذه عن الحكماء والفُهماء وأعلَنتها للأطفال” (لوقا 10: 21).
إذًا، في ظلّ كلِّ حزنٍ يُعاني منه الإنسان، نلاحظ وجودَ نِعمةٍ من الله تُقدِّسه، وتُطهِّره وتُنقِّيه وتعزِّيه وتُفرِحه. إذًا، هذه التطويبة مُوَّجهة إلى كلِّ إنسان يعيشُ التَّواضع الدَّاخليّ في حياتِه.
“طوبى للوُدَعاء فإنَّهم يَرثونَ الأرض”.
عندما يُدرِك الإنسانُ محدوديّته وضُعفَه، يَختبر النِّعمة الإلهيّة في حياته، فَلا يَعود بعد ذلك إنسانًا عنيفًا، يَحكم على الآخَرين، قاسيًا في كلامه، إنسانًا رَفَضِيًّا في حياته، مؤذيًا في مواقِفَه، بل على العكس من ذلك، يُصبح إنسانًا يتلَّقى ضُعُفات الآخَرين بِوَداعةٍ، ويتلقَّى ردَّات فِعلهم بِطُولِ أناةٍ، لأنّه يُدرِك ضُعفَه، ويشعر مع ضُعف الآخَرين. إنّ الإنسان الوديع هو إنسانٌ يُصغي، إنسانٌ يشعر، ويتفهَّم الصَّدمات. وهنا نتذكّر القول المأثور: “عندما تعرِف السَّبب، يَبَطُل العَجَب”. إنّ الإنسان الوديع لا يَعيش العَجَب ولا الانفعالات، إذ إنّه يُدرِك تمامًا حقيقةَ ذاتِه وحقيقةَ الآخَرين، يستوعِب الآخَرين، ويسعى إلى زرعِ السّلام والهدوء والطمأنينة أينما وُجِد.
إنّ الإنسان الوديع هو الإنسانُ الحَليم، وهو الّذي يَرِث الأرض، لأنَّه يَكسَبُ قلوب النَّاس، إذ لا يَحكم عليهم بل يسارع إلى مساعدتهم والإصغاء إليهم، إنّه يأتي إليهم قائلاً:”رَحمتُك يا ربّ، عليّ وعلى الآخَرين”. إنّ الإنسان الوديع هو إنسانٌ سلاميٌّ لا صِدامِيّ. إذًا، هذه التطويبات الثلاث الأولى مترابطةٌ جدًّا مع بعضها البعض إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش تطويبةً من دون الأُخرى. ولذلك، نجد أنّ يسوع يتكلَّم على هذه التطويبات بالتَّسلسُل. “إنْ ارتضَى الربُّ طُرُقَ إنسانٍ، جعلَ أعداءه أيضًا يُسالِمونه” (الأمثال 16: 7). إذًا، الإنسان الوديع يعيش بِهدوء، وبسلامٍ داخليّ، إذ تخلَّى عن طبيعته الشَّرسة المؤذية.
“طوبى للجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرِّ فإنَّهم يُشبَعون”.
إنّ كلَّ نَفْسٍ متواضعةٍ يَسكنُها الله تكون في حالةِ عطشٍ دائمٍ إلى روح المسيح، إلى طَلَب نِعمة المسيح. وتكون هذه النَّفسُ في حالةِ اشتياقٍ مستمرّ،ٍ لا تتوقّف عن العَطش والجوع إلى البرارة. وهذه النَّفس تُشبه إنسانًا أراد أن يتعلَّم في المدرسة ويُدرك أنّ هناكَ صفوفًا أعلى من صَفِّه بكثير، وهو بحاجةٍ إلى الكثير من الوقت كي يصل إليها. إنّ هذا العَطش للبرارة لا يتوقَّف عند هذه النَّفس المتواضِعة، لأنّها تحتاج إلى المسيح وَهِيَ تُقارِنُ نفسَها بالمسيح، فتُدِرك أنّها ما زالت بعيدةً جدًّا عمّا قام به المسيح على هذه الأرض، فتسعى إلى مشابهته، ولذلك تبقى هذه النَّفسُ في حالةٍ من الجوع والعطش الـمُستَمِرَّين للبرارة.
هنا نتذكَّر أعجوبة الخمسَ خبزاتٍ والسَّمكَتين، حين كانت الجموع كلُّها تُصغي إلى يسوع وقلوبها متَّجهة نحو الربّ، تَتبَعُه من مكانٍ إلى آخَر، حتى وَجدَته في مكانٍ قَفرٍ، فأعلَن الربُّ يسوع لهم هذه التطويبات إذ رأى جوعَهم إلى النِّعمة.
إنّ هذه الجموع الّتي كانت تتبَع يسوع لَم تأبَه لِجوعِها الأرضيّ على الرُّغم من أنَّ بينَهم أطفال وكِبار في السّن، لأنَّهم كانوا متلَّهِفين لسماع كلمة الله والاستفادة منها. لكنَّ الربَّ أيضًا أدرَك جوعَ هؤلاء، الّذين كانوا يتبعونه منذ الصَّباح الباكر إلى المساء، فأشفَقَ عليهم وأطعَمَهم. كانت هذه الجموع في حالةِ جوعٍ روحيّ أكثر من جوعها إلى الطَّعام الأرضيّ، كانت بحاجةٍ إلى الطَّعام الرُّوحيّ، إلى معرفة الله، والامتلاء من قداسَتِه.
إنّ هذا الكلام يُذكِّرنا بما وَرَد في سِفر المزامير: “كما يشتاقُ الأيِّل إلى جداول المياه (مجاري المياه)، هكذا تشتاقُ نفسي إليكَ يا الله، (مزمور 42)، “فأرفَعُ يدَيَّ فتَشبَعُ يدايّ كَمِن شَحمٍ ودَسم” (مزمور 63). إذًا، هذا الإنسان سيمتَلئ من خيرات الله. وهنا أيضًا نتذكَّر ما يقوله لنا الكِتاب المقدَّس: “ذوقوا وانظروا ما أطيبَ الربّ”(مزمور 34). إذًا، هذا الإنسان الّذي يَملِكُ هذا الرُّوح، يُعطِيه الربُّ الطوبى.
في واقع حياتنا المسيحيّة، علينا أن نشجِّع بعضنا البعض إلى سماع كلمة الله والمشاركة في الذبيحة الإلهيّة، تلك المائدة الخلاصيّة لِنفوسِنا. للأسف، نلاحظ أنّ كثيرًا مِن المؤمِنِين يشعرون بأنّهم في حالةٍ من البَطر الرُّوحيّ إذ يعتَقِدون أنّهم تعلَّموا كلمة الله منذ الصِّغَر، وبالتّالي لا حاجة بهم إلى سماعها من جديد من خلال الـمَجيء إلى الكنيسة، ولذا يبحثون عن اكتفائهم الماديّ كامتلاك بيوت وعائلة وأموال. للأسف، نلاحظ أنّ البعض يشعرون وكأنّه لا حاجة بهم إلى قراءة القدِّيسِين والتمثُّل بهم، إذ يعتقِدون أنّ مِثل تلك القراءات هي للجِياع إلى كلمة الله، وهُم لا حاجةَ بهم إليها، لأنّهم يشعرون باكتفاءٍ روحيّ. إخوتي، نحن كمؤمِنِين بحاجةٍ إلى التعمُّق في معرفة الله، إذ لا يكفي أن نعلَم بما هو مكتوبٌ في الكِتاب، بل يجب أن نسعى إلى عيشِه في حياتنا. علينا أن نتعلَّم كيفيّة محبّة بعضنا البعض، وكيفيّة العيش بِنعمة يسوع المسيح، وكيفية تَخطِّي ضُعفاتِنا، وكيفيّة العيش حياةً أكثرَ عطاءً وأكثر بَذلاً للذّات، وكيفيّة العيش حياةً أكثرَ وداعةً.
وهنا نَطرح السُّؤال على ذواتِنا: أين نحن من وداعة القلب في حين أنفر من كلمةٍ قالها أحدهم ولَم تُعجِبني؟ إنّ النفور من الآخَرين يدلّ على المستوى الرُّوحيّ عند الإنسان، ويُعبِّر عن عدم عيشه للوداعة، ورَفضه الاعتراف بجوعِه إلى الربّ. إخوتي، نلاحظ هذا الأمر في واقع حياة الكنيسة، خصوصًا عندما يكون هناك عملٌ تَطوُّعي.
“طوبى للرُّحماء، فإنَّهم يُرحمَون”.
ما أجمل الإنسان الّذي يعرف أن يقول: “ما أجملَ رحمتَك يا ربّ عليّ وعلى الآخَرين”. إنّ أمثال هذا الإنسان يكونون قد دَخلوا في روحانيّةٍ صحيحةٍ، لكنّهم لم يَصلوا بَعد إلى القداسة. إنّ أمثال هذا الإنسان يتوقّفون عن إطلاقِ الأحكام على الآخَرين لأنّهم يؤمنون بالله الّذي قال: “فابنُ الإنسان لم يأتِ ليَدين العالَم بل ليُخلِّص العالم” (لوقا 9: 59). إنّ الربّ أتى ليُخلِّصنا ويَفتَدينا، ويشفي المرضى الّذين يحتاجون إلى طبيب. وأنا كمسيحيّ، كابْنٍ لله، كابْنٍ لهذا الملكوت، كوَريثٍ للملكوت، عليّ أن أعيش روح المسيح، أي أنّه عليّ أن أعيش مِثله، فأعيش الرَّحمة على هذه الأرض، فلا أحكم على ضُعفِ الآخَرين من النَّاس، بل أسعى إلى مساعدتهم والعمل معهم على خلاصِ نفوسِهم، وإعطائهم المحبّة وما يحتاجون إليه.
وفي الإطار نفسِه، يقول لنا الربّ، في مكانٍ آخَر مِنَ الكِتاب: “إنْ لَن تغفروا للنَّاس زلّاتهم، لن يغفر لكم أباكم السّماويّ زلّاتِكم” (متى 6: 15). إذًا، لا مساومة في موضوع رَحمة الآخَرين، لأنّ لا أحدَ من البشر كاملٌ، ولا شيءَ يستطيعُ إيصالَنا إلى الكمال غير الرَّحمة، الّتي علينا أن نعيشها على مِثال يسوع الّذي رَحَمنا على الصَّليب ولم يَدِنّا، إذ قال: “اغفر لهم يا أبتاه، لأنّهم لا يَدرون ماذا يَفعلون”(لوقا 23: 34). إذًا، على كلِّ مؤمنٍ أن يعمل الرَّحمة في حياته وأن يُضحِّي من أجل الآخَرين: فعندما يُخطِئ الآخَرون، علينا أن نسعى إلى سَترِ خطيئتهم والعمل على تصحيح ما أفسَده الآخَر بِخطيئتِه، كي نكون من أبناء الملكوت.
إنَّ التطويبات هي شريعة الملكوت، شريعة يسوع المسيح، تمامًا كما كانت في القديم شريعةُ موسى مُلَخَّصةً بِعَشر وصايا. هذه الشريعة الّتي وَضعها يسوع هي شريعة الحُبّ الإلهيّ، الّتي سننالها بِنعمة الرُّوح القدس، والمؤمن لا يستطيع وحده أن يُحقِّقها من دون الرُّوح القدس. إنّ هذه الرَّحمة تشمل الفقراء والمحتاجين، كما تشمل الخَطأة.
“طوبى لأطهارِ القلوبِ فإنَّهم يُشاهدونَ الله”.
إنّ القلب الطَّاهر هو القلب الّذي يَجب أن يتنقَّى من كلِّ الشَّوائب ومِن كلّ ما يُسمَّى “زوايا مُظلمةً” في حياته. إنَّ القلب الطاهر هو القلب الّذي يتمتَّع بالبساطة وبالنَّقاوة، أي أن يكون قلبًا لا يُجيد التصنُّع والتَزَلُّف. إنّ القلب الطَّاهر هو قلبٌ يعيش الشفافية مع الله أوّلاً، وثمَّ مع الآخَرين. إنّ الإنسان صاحِبَ القلب الطَّاهر هو ذاتُ قلبٍ صادقٍ في مقاصِده، لا زَغلَ في نواياه، نقيّ القلب، لا يسمح للخطيئة بأن تَدخُل إلى قلبِه. إنّ الإنسان النقيّ القلب، يعاين الله. فالقدِّيس دومينيك سافيو: كان يقول: “الموت ولا الخطيئة”؛ وكذلك القدِّيس الجديد كارلو أكوتيس، الّذي مات وهو في عمر الخامِسة عشرة، يُكرِّر كلمة القدِّيس سافيو نفسها، ويُضيف إليها قائلاً: “غايتي وهَدَفي هو أن أتَّحد بحبِّ الله”.
إذًا، إنَّ كلَّ “طوبى” من هذه التطويبات الّتي قالها يسوع على الجبل يجب أن تكون هدفَ حياةِ كلِّ مؤمنٍ. إنّ الله حاضرٌ في كياننا، ولكنَّ الخطيئة، أي الضُّعف البشريّ الموجود في داخلنا، تَخلق نوعًا من الغشاوة على عيوننا. إنَّ البَصيرة، أي العين الروحيّة، موجودةٌ في داخل كلِّ إنسان. عندما يبتعد الإنسان عن كلّ تَرهات هذه الحياة ويبتعد عن ملذَّاتها وينزع من نفسه كلَّ الشوائب، يُصبح إنسانًا يُعاين الله، إذ يشعر بحضوره في حياته بشكلٍ واضح. هنا نتذكَّر صاحب المزامير الّذي يقول لنا: “جعلتُ الربَّ أمامي في كلِّ حين، لأنّه عن يميني لكي لا أتزعزع” (مزمور 16: 8).
إنّ شعور داود الـمَلِك بوجود الله إلى يمينه هو شعورٌ يختَبِره كلُّ مؤمنٍ نقيِّ القلب، حين يُعاين الله روحيًا. إنّ معاينة الله هي معاينةٌ حقيقيّة، والمؤمن يَصل إليها حين يتمتَّع بقلبٍ نقيّ، أي حين يرفض رفضًا قاطِعًا ارتكاب الخطيئة. ثمّ يُضيف داود الـمَلِك، فيقول: “قلبًا نَقيًّا أُخلُق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّد في أحشائي”(مزمور 51: 10). إنّ الإنسان النقيّ القلب هو إنسانٌ لا يبحث في حياته إلّا عن لقاء الله، وهو إنسانٌ يُشِعُّ مِن كيانِه النُّور والسّلام، هو إنسانٌ ذات شخصيّةٍ هادئةٍ، وعيناه ثاقبَتان، إذ إنَّ القداسة تملأ كيانه. إنّ الإنسان المؤمِن يصل إلى ذروةِ العلاقة مع الربّ، حين يصل إلى نقاوة القلب.
“طوبى للسَّاعينَ إلى السَّلام فإنَّهم أبناءَ الله يُدعَون”.
إنّ المؤمِن الّذي يعيش في حالة فقرٍ روحيّ مستمرّ، وفي حالة جوعٍ وعطشٍ مُستَمِرَّين إلى البرارة، وفي حالة سلامٍ مع الآخَرين نتيجة عيشِه الوداعة، وفي حالة رحمةٍ دائمةٍ واضحة في حياته من خلال سَعيِه إلى زرعها في قلوب الآخَرين، وفي حالةٍ من نقاوة القلب الممتلئ من روح الله، لا يمكن إلّا أن يكون إنسانًا ساعيًا إلى السَّلام ونُورًا في هذا العالم. إنَّ إنسانًا مِثلَ هذا، يبني الملكوت، ملكوت يسوع المسيح – مَلكِ السّلام، فَهو، أي هذا الإنسان، لا يمكنه إلّا أن يسعى كي يُحِلّ السّلام على هذه الأرض، من خلال عيشِ الحقّ والرّحمة والمحبّة والوداعة. هنا نتذكَّر الأمّ تريزيا دو كالكوتا الّتي زَرَعت السَّلام بوداعتها، وتَزرع السّلام اليوم أيضًا من خلال المراكز الاجتماعيّة التابعة لرهبانيّتها، الّتي تُشفق على البشر.
يُخبِرون عن الأمّ تريزيا أنّها قصدت يومًا متموّلاً هنديًا، مُلحدًا، قاسيَ القلب، لتَطلب إليه مساعدةً لفقراء كالكوتا؛ فما كان منه إلّا أن بَصَق في يدها الممدودة لطلب المساعدة، فتلَّقفَتْ ردَّة فِعله هذه بوداعتها، إذ شكرته قائلةً له إنّها قَبلَت بَصقتَه الّتي قدَّمها لها، ولكنْ سألته عمّا سيُقدِّمه لفقراء كالكوتا. فأغدَق عليها بالعطاء لفقراء كالكوتا. لقد تمكَّنَتْ تلك القدِّيسة من أن تكسر قلبَ هذا الـمُلحد الهنديّ بوداعتها، عندما نَظَرت إليه فرأتْ فيه ابنًا لله، إنسانًا ضعيفًا، فقرّرَتْ أن تُضيء له شمعةَ بَصيرته، تلك البَصيرة الـمُغطّاة بالطِّين. من خلال هذا الـمَثل للأمّ تريزيا، نستطيع أن نفهَم كيف سيتمكَّن الودعاء من أن يرثوا الأرض، وكيف سيتمكَّن السَّاعون إلى السّلام من تحقيق السّلام على هذه الأرض. طوبى لأبناء الله، الّذين امتلأوا من سلام الربّ، لأنهم سيتمكَّنون من إحلال السّلام أينما وُجِدوا.
“طوبى للمُضطهَدِينَ على البِرِّ فإنَّ لهُم ملكوت السَّموات”.
إنّ الإنسان الّذي يعيش في الخطيئة، يعيش في السّرقة والنَّهب، كما يحدث في بلادنا، وهو يرفض عيش حياة البرارة كما يرفض سماع كلمة الله. إنّ الّذين يعيشون في الخطيئة يُغطّون خطيئتَهم بالكَذِب وظُلمِ الآخَرين وتهديدِ كلِّ مَن يسير في الحقّ. إنَّ أمثال هؤلاء الّذين يعيشون في الخطيئة، هُم مُضطَهِدون للحقّ. إخوتي، في وطَننا شرٌّ، ولكنَّ قِسمًا من النَّاس براءٌ منه، كما أنّ هناك أُناسًا يطالبون بإعلان الحقيقة لهم، ولكنْ للأسف، بعض المسؤولين في وطنِنا يسعون إلى اضطهاد كلّ مَن يُطالِب بإعلان الحقيقة. إخوتي، لا بُدَّ لله مِن أن يفتقِدَ شعبه المؤمن في لبنان، الّذي يُعاني من اضطهاد المسؤولين له، فَهؤلاء يَسعَون إلى إرساء الفوضى للهروب من العِقاب على أفعالِهم السَّيئة، ومِن وجوب إعلان الحقيقة للشَّعب. إنّ الحقيقة تَضع حدودًا للإنسان، وفي هذا الإطار يقول لنا الربُّ يسوع: “تعرفون الحقَّ والحقُّ يُحرِّركم” (يوحنا 8: 32).
إذًا، إنّ الإنسان الوصولي، أي الّذي لديه أهدافًا وغاياتٍ شخصيّة، هو إنسانٌ لا يمكنه أن يسمع الحقّ الّذي يُكلِّمه عليه الآخَرون، بل يُواجِه الّذي يُعلِن الحقّ بالاضطهاد والتَّعذيب والضَّرب وبالكلام النَّابي وبالأذيّة، تمامًا كما حدثَ مع يسوع، الّذي بَصَق عليه مُضطَهِدوه، وأهانوه وجلدوه، لأنّه أعلَن لهم الحقّ. إنّ الربَّ قد أعلَن الحقّ للكتَبَة والفريسيِّين، بوداعته وطِيبَة قلبه ومحبّته الإلهيّة الكاملة، فَقرَّروا قتلَه عندما سحَب السَّوط، وكسَّر طاولات الصَّيارفة والتُّجار الّذين كانوا في الهيكل. لو لم يتكلَّم الربّ يسوع بالحقّ، ولو لم يَقل لهم: “الويلُ لكم أيّها الفريسيِّيون والكتبة”(متى 23: 27)، لكان يسوع بالنِّسبة إليهم رجلاً عظيمًا.
عندما وُضِع يسوع أمام بيلاطس، سأله هذا الأخير: “مَن أنتَ؟” قال له: “أتيتُ إلى هذا العالم لأشهد للحقّ” (يوحنا 18: 37). كلمةٌ واحدة قالها يسوع: “أتيتُ لأشهد للحقّ” أمّا هُم فقَدْ رَفَضوه ورفضوا أباه ورَفَضوا الحقّ على الرُّغم مِن أنّهم عَرفوا الحقّ. عندما واجَه يسوع قيافا، سأله قيافا: “هل أنت المسيح ابن الله الحيّ؟”(متى 26: 63) أجابه يسوع:”أنتَ قُلتَ”، أي أنّ قيافا كان يعرف أنّ الربَّ يسوع هو المسيح، وعلى الرُّغم من معرفته بهذه الحقيقة، رَفضَ القبول بتِلكَ الحقيقة. إنّ الربَّ يسوع ذهب مع الفِريسِّيِّين إلى حدِّ المواجهة القويّة. لقد واجهَهُم بإعلان الحقِّ لهم، فما كان مِنهم إلّا أن اضطَهدوه، فقابلَ اضطهادَهم له وقتلَهم له بالغفران لهم. إنّ غفران الربّ لهم هو أكبرُ من خطاياهم كلِّها. ليتَ الإنسان يعلم كيف يستفيد من رحمة يسوع!
“طوبى لكُم، إذا شَتَموكم واضْطهَدُوكم وافْتَروا عليكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أجلي، اِفرَحوا وابْتَهجوا: إنَّ أَجرَكُم في السَّمواتِ عظيمٌ، فهكذا اضطَهدوا الأنبياءَ مِن قَبْلِكُم”.
لا يمكن للمؤمِن إلّا أن يقول الحقيقة، والحقيقة هي العودة إلى الربّ. إنّ الحقّ هو توبةُ الإنسان إلى الله ومحبّته. الحقّ هو ألّا يكون الإنسانُ كاذبًا ولا مُرائيًّا ولا شاهدَ زورٍ. إنّ الإنسان الّذي يعيش البرارة في حياته لا يمكنه إلّا أن يكون شاهدًا للحقّ، ولذلك سيُواجَه دائمًا بالاضطهاد، فطريق البرارة تُواجَه دائمًا مِن قِبَل الأشرار. إنّ الاضطهاد لا يعني فقط التعرُّض الجسديّ من دون أن يملِكَ الإنسان القُدرة للدِّفاع عن نفسِه. إنّ الاضطهاد يتمّ بالقوّة، أمّا إعلان الحقّ فيتمّ بهدوءٍ، كما يتحقَّق من خلال التَّوبة الداخليّة. إنّ المهمّ في كلِّ شجارٍ بين طَرَفين، هو أن يمتلكا القناعة في السَّير في الحقّ. هناك إلهٌ واحِدٌ، وحقيقةٌ واحدة، ومخلِّصٌ واحدٌ، وملكوتٌ واحد، وهناك شعبٌ واحدٌ مُخلَّصٌ، وعليه أن يكونَ مُلتَزِمًا بهذه الرّوحانيّة، روحانيّة التَّطويبات.
إنّ الإنسان الّذي لا تكون حياتُه منسجمةً مع هذه التَّطويبات، لن يكون له مكانٌ في ملكوت الله. إنّ كُلّ ممالك الأرض ستَزول، ولن تبقى إلّا مملكة واحدة هي مملكةُ الله، مملكة الحقّ. ولذلك، اليوم نجد أنّ الاضطهاد قويٌّ جدًّا على كُلِّ مَن يريد إعلان الحقيقة. أليس تجويع النَّاس هو نوعٌ من أنواع الاضطهاد؟ ألَيسَ العملُ على إفقارهم أيضًا نوعًا من أنواع الاضطهاد؟ إنّ الأخلاقيّات الجديدة المخالِفة لشريعة الربّ، الّتي يُقدِّمونها للشَّعب ويَحثُّونه على اتِّباعها أليسَت نوعًا من أنواع الاضطهاد؟ ولكنَّ السُّؤال الّذي يُطرَح هو: كيف نواجِه هذا الاضطهاد الّذي نتعرَّض له اليوم؟ هل نواجِهُه بالاختباء منه للحفاظ على حياتنا الأرضيّة، أَمْ نواجِهُهه بكلمة الحقّ الـمُرفَقة بالرَّحمة والوداعة والمحبّة؟ إنّ تَعرُّضي للاضطهاد، لا يُعطيني الحقّ بالسُّكوت عن الحقّ والتخاذل.
للأسف، لِكَثرة ما نسعى كي نتحاشى التعرُّض للاضطهاد، أصبحنا غير قادرين على حثِّ أولادنا للمجيء إلى الكنيسة، للسَّير في طريق الحقّ، أي في طريق التوبة، في طريق حُبّ الله. لقد أصبحنا غير قادرين على دَفع أولادِنا للسَّير في طريق الحقّ، لأنّنا نحن لا نعيش الحقّ، ولا نتكلَّم عليه، وكأنّنا نستحي بإعلان الحقّ. للأسف، لقد أصبحنا نخجل من المجاهرة بمشاركتنا في الذبيحة الإلهيّة وبِتَقدُّمِنا مِن سرّ التوبة، خوفًا من التعرُّض للاضطهاد.
إخوتي، إنّ هذه التطويبات الّتي أعلنها يسوع على الجبل تُشكلّ موضوعَ تأمُّلٍ مستمرٍّ لنا، فَهي تدفعنا إلى طرح الأسئلة على ذواتنا: أين نحن من كلِّ “طوبى” من هذه التَّطويبات؟ إلى أيِّ حدٍّ نحن نعيش الفقر الرّوحيّ، الوداعة، الجوع والعطش إلى البرارة في حياتنا، نعيش الرَّحمة تجاه ذواتِنا وتِجاه الآخَرين؟ فعلى الإنسان أن يَرحم ذاتَه قَبْلَ أن يرحَم الآخَرين.
إلى أيِّ حدٍّ نحن نسعى إلى عيش الطَّهارة والنقاوة في قلوبنا، فنكون صادقين وواضِحين مع ذواتِنا ومع الآخَرين؟ إلى أيّ حدٍّ نحن نسعى إلى عيش السّلام فنَكون عناصرَ سلامٍ في حياتنا، أبناءً حقيقيِّين لله؟ إلى أيّ حدٍّ نحن مستعدِّون للدِّفاع عن الحقّ واحتمال الاضطهاد في سبيل ذلك؟ إنّ كلّ هذه التطويبات قادرةٌ على دَفعِنا للقيام بفحصِ ضميرٍ كاملٍ لحياتنا، فنُدرِك أين أصبحنا في مسيرتنا نحو الحقّ. للأسف، إنّ البشر يتنافسون على الأمور الدُنيَويّة الزائلة كالجمال والغنى، وما هذا إلّا دليلاً على أنّهم بعيدون كلّ البُعد عن عيشِهم التَّطويبات الإنجيليّة.
إنّ شريعة الملكوت هذه، أي شريعة التَّطويبات، تَطرَح علينا السُّؤال: أين نحن منها؟ إنّ عيشَ هذه الشريعة يتطلّب نِعمةً إلهيّة، أي التعبير عن افتقارِنا لهذه النِّعمة الإلهيّة.
أشكر إصغاءكم على أمَل أنْ أكون قد استطعتُ أن أقدِّم لكم فائدةً لِحياتكم الرّوحيّة! وليُبارك الربّ كلّ نواياكم الصّالحة الّتي دفعَتْكم للمجيء والاستماع إليَّ اليوم. فليبارك الربّ نواياكم ومساعِيكم للقداسة، ولِيبارك عائلاتكم ومجتمعكم. آمين.
ملاحظة: دوِّنت المحاضرة بأمانةٍ من قِبَلِنا.