تأمّل روحيّ،
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
الحياة بعد الموت،
إنّ أسئلة وجوديّة عديدة تختلج فكر الإنسان، مِثْل: لماذا الموت؟ وماذا بعد الموت؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يتحضّر لتلك السّاعة؟ ويحاول الإنسان جاهدًا أن يجد أجوبةً لها.
إنّ حياة الإنسان الأرضيّة تنتهي بالموت الجسديّ، إذ إنّ الإنسان هو كائن محدودٌ في الزّمن. إنّ المسيح جاء أرضَنا وأخبرنا بأنّ حياة الإنسان لا تنتهي على هذه الأرض بالموت، فأخبرنا أنّ هناك حياةً ثانيةً بعد الموت، إذ إنّ الله خلق الإنسان ليعيش معه في الملكوت بعد انتقاله من هذه الأرض الفانية، ولم يخلقه كي يصبح في النّهاية ترابًا في القبور. لقد سقط الإنسان، منذ بدء الخليقة، في أفخاخ الشيطان، فارتكب الخطيئة، وابتعد عن الله؛ غير أنّ الله، عبر تاريخ البشريّة، لم يوفِّر وسيلةً إلّا واستخدمها، كي يكشف عن ذاته من جديد للإنسان، فاختار الله من بين الشعب رُسلاً وأنبياء وأوكلّهم مهمّة إرشاده إلى طريق الله، ولكنّ الإنسان لم يتمكّن من فهم تلك العلاقة الّـتي تربطه بالله، فاستمّر في السير بعيدًا عن الله. لقد تجسّد يسوع المسيح، ابن الله، فاتخّذ بشريّتنا، وشابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وهو قد مات كسائر البشر، غير أنّ المفارقة الكبيرة كانت أنّ المسيح قد غلب الموت بقيامته، وبالتّالي قد أعطى للحياة الثانية معناها الحقيقيّ.
بعد قيامة المسيح من الموت، حلّ الرّوح القدس على التلاميذ والرّسل والإنجيلييّن فتذكَّروا كلام المسيح وفهموه لأنّ الرّوح القدس قد أعطاهم نعمة الفهم، فأدركوا أنّ المسيح قد كلّمهم عن السّماء، وأنّ حصولنا على الملكوت والحياة الثانية، مرتبطة بإيماننا به، هو الّذي قال إنّ كلّ مَن يؤمِن به، وإن مات جسديًّا، فسيحيا. إذًا، المسيح هو الجواب: فهو الّذي سيمنحنا السّماء إن سِرنا وِفْقَ تعاليمه، وتناوَلْنا جسده ودَمه الـمُقَدَّسَين، فهو القائل إنّ مَن أكل جسده وشرب دَمَه له الحياة الأبديّة. إنّ الله دعانا لكي نكون له، ونعيش معه في الملكوت، فرحمته هي أكبر من خطايانا، ولذا لا يجب أن نؤمن به خوفًا من جهنّم، تلك النّار الأبديّة، إنّما حبًّا به. إنّ السّماء قد أعدّها لكي تكون لأبنائه، لذا قال الله في الإنجيل للذّين عن يمينه: “تعالوا إليّ، يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت، الـمُعَدّ لكم مِن قَبلِ إنشاء العالم”، كما قال للّذين عن شماله:”اذهبوا عنّي أيّها الملاعين، إلى النّار الأبديّة الـمُعَدَّة لإبليس وجنودِه”.
إذًا، إنّ السّماء ستكون من نصيب الّذين يتبعون المسيح، والنّار الأبديّة ستكون من نصيب جنود إبليس. إنّ خطايانا هي مجرّد غبار، وهي غير قادرة على مَنْعِنا من الوصول إلى السّماء، ومن اللّقاء بيسوع. إنّ الأب لا يحرم ولده من الميراث، إن عاد إلى المنزل متَّسخًا نتيجة شجاره مع أخيه، بل إنّه يستقبله كما استقبل الأب ابنه الضّال في مَثَل الابن الضّال. إنّنا نؤمن بأنّ رحمة الله عظيمة، وبأنّه لن يحرم أبناءه من الميراث نتيجة خطاياهم، لذا على كلّ منّا أن يكون متأكِّدًا أنّ نصيبه بعد الموت هو السّماء، وذلك لأنّ الحصول على السّماء لا يتعلّق بالإنسان بأعماله وبِقوّته، بل برحمة الله الّتي هي أكبر من خطايانا. هذا هو إيماننا ورجاؤنا بالله، وهو رجاءٌ لا يخيب أبدًا لأنّ الله صادقٌ في كلّ ما وَعَدَنا به.
ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.