السَّنة الطَّقسيّة،
بقلم الخوري جان يمين،
لقد دَخلَ الربُّ الإله في الزَّمن ليُقدِّسَ الزَّمن، وتَجسَّدَ وصارَ إنسانًا ليَبلُغَ هذا الإنسانُ إلى مِلْءِ الخلاصِ الّذي فقَدَه بالخطيئة وعِصيانِ الله والابتعادِ عنه.
اقتَرَب الله من الإنسانِ، إذ تَجسَّدَ على أرضِنا، فالإنسانُ لا يَستطيعُ أن يَبلُغَ إلى الله إنْ لَم ينزِل الله إلينا.
ومنذُ أن أصبَحَ الله إنسانًا بالتَّجسُّد، تَقدَّسَ الكَونُ وتَقدَّس الزَّمانُ، وأصبَحَت حياةُ الإنسان تَتَمحوَر حَولَ حياةِ الربِّ يسوع الإلهِ المتجسِّد.
وكَما تَدور الأرضُ حَول الشَّمسِ لِتَأخُذَ حياتَها مِنها، فتَتَكوَّن الفصولُ، هكذا أصبَحَت تَتَمحوَر حياةُ المسيحيّ حَول حياةِ المسيحِ الّذي هو حياتُنا لِنأخُذَ مِنهُ كلَّ النِّعَم الضَّرورية لِحياتِنا، وكُلّ البَرَكاتِ الّتي أفاضَتْها السَّماءُ على الأرضِ مع تَجسُّدِ الربِّ الإله.
2- مَراحلُ السَّنةِ الطّقسيَّة:
تَتمَحوَر السَّنةُ الطَّقسيّةُ حَول مِيلادِ ربِّنا يسوع المسيح وعِمادِه، ثُمَّ تَبشيرِه الخلاصيّ، مُرورًا بِصَومِه بَعد العِماد، صُعودًا إلى آلامِه في أورَشَليم ثُمَّ مَوتِه على الجُلجُلة فَقِيامَتِه مِن بين الأمواتِ وصُعودِه إلى السَّماء وإرسالِه الرُّوحَ القُدُس، ثُمَّ تَرَقُّبِ مَجيئِه الثّاني.
هذه الأعيادُ السَّيِّديّة تُشكِّل محطَّاتٍ كُبرى تُسمَّى أيضًا أزمِنَةً، نَختَصِرُها بالآتي:
الميلاد، الدِّنح (الغطاس)، الصَّوم، الآلام، القيامة، العَنصرَة، والصّليب.
هذه الأزمنة ملأى معاني ونِعمًا، تَعيشُها الكَنِيسَةُ المؤمِنَةُ أُسبوعًا فأُسبوعًا استعدادًا للعيد أو امتدادًا له.
وهكذا يَستطيعُ المؤمِنُ، وبالتَّالي الجماعةُ كُلُّها، أن تَعيشَ كُلَّ أحدٍ من السَّنةِ “الطَّقسيّة”، بل كُلَّ يَومٍ من الأُسبوع، هَدفًا مُرتَبِطًا بِتَدبيرِ يسوع المسيح الخلاصيّ.
وهكذا تُصبحُ اللِّيتورجيا حَدَثًا حَيًّا لا تَردادَ صَلواتٍ وتَرانيمَ روتِينِيّةٍ على مَدارِ الأيّام والأسابيعِ والسِّنِين. وهكذا يَتمكَّنُ المؤمِن والجماعةُ لا بل الكَنِيسةُ كُلِّها، مِن خلال طقوسٍ جديدةٍ حَيَّةٍ، من تَجديد حياتِه المسيحيِّة وإيمانِه الّذي ينمو يومًا بَعد يَومٍ تجديدًا دائمًا.
3-الهدفُ الرُّوحيّ للسَّنةِ الطَّقسيّة:
إدخالُ الإنسانِ المسيحيّ المؤمِنِ في مَسيرةِ حياة المسيح خُطوةً بِخُطوةٍ.
تجديدُ الإيمانِ بِشَكلٍ دَوريّ على مدارِ السَّنةِ الطَّقسيَّة.
جَعلُ الكَنِيسَةِ نَبَضًا دائمًا يُذكِّر بِخلاصِ الربِّ يسوع لِكُلِّ إنسانٍ.
تَوحيدُ المؤمِنِين حول الصَّلاةِ والعِبادة في كلِّ إنحاءِ العالَم.
4- خاتمة:
كما رَأيْنا، السَّنةُ الطَّقسيّةُ المسيحيِّة هي تَقديسُ الزَّمنِ لإدخالِه بالأبديّة لِخلاصِ الإنسان، مِن خلال الدَّورَةِ السَّنويّةِ الّتي تُنظِّمُ حياةَ الكَنِيسَة واحتفالاتِها بالأسرارِ الإلهيّةِ والأعيادِ بِحَيثُ يَعيشُ المؤمِنون على مَدارِ السَّنةِ أحداثَ حياةِ المسيحِ مِن مِيلادِه إلى قِيامَتِه وصُعودِه وإرسالِه الرُّوح القُدُس.
تَأنَّسَ الله ليُؤلِّهَ الإنسانَ، وهذه الـمَسيرةُ تَتَعمَّقُ يَومًا بَعد يومٍ حتّى اليوم الّذي لا يَنتَهي مع الربِّ يسوع في الحياة الأبديّة.
- الإصدار بنسخة PDF