تأمّل روحيّ،
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
الصّوم،
إنّ الصّوم، في الحياة المسيحيّة، لا يُقاس بكميّة الطعام التّي نمتنع عنها وإنّما يُقاس بنوعيّة الصلاة التّي نتلوها. في كافة صفحات الإنجيل، لم يطلب منّا يسوع، مرّة واحدة، الصّوم، إنّما طلب منّا الصّوم الذّي يترافق مع الصلاة: “إنّ هذا النّوع لا يخرج إلاّ بالصّوم والصّلاة” (مر9: 29). فالإنسان يتعرَّض لكافة أنواع التّجارب التّي تبعده عن الله، والتّي يستخدمها الشِّرير. ولكي يتمكنّ الإنسان من مواجهة هذه التَّجارب، عليه أن يتحلّى بالقوّة، وهذه القوّة قادرة أن ترفع كيانه كلِّه نحو السّماء، وترفع قلبه كلّه نحو السّماء، في وقت المحنة كما في وقت الفرح.
في ليلة آلام يسوع، أراد التّلاميذ السّهر معه، إنّما ضعف الجسد منعهم من ذلك. فكانت كلمة يسوع لهم: “اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في التّجربة، الرّوح مندفع أمّا الجسد فضعيف” (متى 41:26). إنّ زمن الصّوم، وكلّ أوقاته تأتي من أجل أن يكون هناك توازناً بين الجسد والرّوح، بين أرواحنا ونفوسنا وأفكارنا، وعندئذٍ نستطيع عَيش الأبانا:” كما في السّماء كذلك على الأرض”.
فالصّوم إذاً هو الامتناع عن كلّ ما يُبعدنا عن الله، والتّقرّب من كلّ ما يُقرِّبنا من الله. فهل هناك أفضل من كلمة الله لنمتلئ منها للتّقرّب منه؟ وهل هناك أفضل من جسده لنتغذّى منه؟ هل هناك أفضل من أن نعيش في حضوره؟ فزمن الصّوم هذا هو زمن تجدّد، زمن عودة إلى الذّات، زمن عودة إلى ضعفنا كي يتقوّى باللّه، زمن عودة إلى خطيئتنا لننال منها نِعم الرّبّ. حينها فقط سنرى كيف أننّا، سنة تلو الأُخرى، سننمو بالرّبّ، ونسير صوبه. ومَن يغتنِ بالرّبّ ويَعِشْ بحضوره، يجعلْ جسده غذاءً له، وتضمحِّل قيمة باقي الأمور، وعندما يقرّر الإنسان الامتناع عنها، فلن يشعر بثقلٍ، وذلك لأنّه ممتلئ من الرّبّ، وقد أصبح قويّاً بالرّبّ. آمين.
ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.