الصّدق في الرسالة،

عظة الأب موريس معوّض في كنيسة مار تقلا – المروج.

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في زمن الظهور الإلهيّ، أي زمن الغطاس، نكتشف يومًا بعد يومٍ شخصيّة يوحنّا المعمدان. وقد ظهر من خلال نصوص الإنجيليّين الأربعة، قاسمٌ مشتركٌ في شخصيّة يوحنّا وهو صِدقُهُ في العيش وفي الرسالة: صِدْقٌ في تلبية دعوة الله له، وصِدقٌ في تحقيق الرسالة الّتي أوكله الله إيّاها. تميَّز يوحنّا في عَيْشِه حياةً تصوُّفيّة على الرّغم مِن أنّه كان وحيد أهله الطّاعنَين في السِّن، وقد كانت ولادته في بيت زكريّا، تشكِّل رحمةً من الله لوالدته العاقر. لم يفكّر يوحنّا المعمدان بالزّواج، بل اختار حياة التكرُّس الكامل للرسالة الّتي أوكله إيّاها الله، منذ أن كان في حشا أمّه إليصابات، فكان الصّوت الصّارخ في البريّة ومُعِّدَ الطريق لمجيء المخلِّص يسوع المسيح.

إنّ شخصيّة يوحنّا المعمدان كانت محطّ جدلٍ عند اليهود، لذا أرسلوا إليه كهنةً ولاويّين يتمتّعون بمصداقيّة عالية عند الشَّعب ليسألوه عن هويّته، فكان جوابه مستندًا على العهد القديم الّذي كان مرجعيّته الوحيدة للردّ على كلّ تساؤلاتهم. لقد استعان إذًا، يوحنّا المعمدان بأسفار الأنبياء في العهد القديم، واستشهد بكلّ الأحداث الخلاصيّة في التاريخ ليُثبِتَ لليهود حقيقة رسالته ومصداقيّته. إنّ يوحنّا دفع حياته ثمنًا لمصداقيّته، فاستشهد مقطوع الرأس على يد جنود الإمبراطور الرومانيّ هيرودس، لأنّه رفض السّكوت عن الخطأ الّذي ارتكبه هذا الأخير بزواجه من امرأة أخيه.

إنّ هذا الزّمن، زمن الدِّنح المبارك، يشكِّل دعوةً لكلِّ مؤمنٍ كي يتخِّذ مِن يوحنّا المعمدان قدوةً له، فيقول الحقيقة مهما كانت، حتّى ولو كلّفه ذلك الاستشهاد. إنّ الحقيقة، في بعض الأحيان، قد تكون غير مقبولة عند البعض، لذا يفترون على قائلها ويتَّهمونه بالكذب. إخوتي، على المؤمن أن يكون أوّلاً صادقًا مع ذاته ومع الآخرين، فيعبّر بذلك عن التزامه بالمسيح، وثانيًا أن يقول الحقيقة حتّى ولو قاده ذلك إلى الاستشهاد،كما حدث مع يوحنّا المعمدان.

إنّ الله أعطى كلّ واحدٍ منّا رسالةً خاصّةً، وهي أن يكون شاهدًا على موت المسيح وقيامته، في الحياة الّتي يختارها أكانت حياةً زوجيّةً، أم كهنوتيّة، وحتّى بتوليّة. إنّ الشهادة للمسيح مكلفة، لذا يفضِّل الكثيرون السعي لإرضاء النّاس، لا الله، عبر اختيارهم من الحقيقة ما يُناسِب مصالحهم الخاصّة. إخوتي، على كلّ مؤمن أن يسعى لإرضاء الله لا النّاس، وإلى تحقيق قداسته الخاصّة أوّلاً وحصوله على الخلاص، ثمّ يهتمّ بنقل الخلاص إلى الآخرين وبِحَثِّهم على تحقيق قداستهم، لذا عليه تحاشي استعمال أساليب العالم من غشٍّ واحتيال، للحصول على رضى النّاس.

إنّ قديسين كُثُرًا، كما القدِّيس شربل، قد تعرَّضوا لمضايقاتٍ جمّة من المحيطين بهم، نتيجة عَيْشِهِم لحياة الصّمت والصّلاة والسُّجود للقربان المقدَّس. غير أنّ هؤلاء القدِّيسين لم يستسلموا أمام تلك الانتقادات ولم يتراجعوا عن مسيرتهم مع الربّ بكلِّ صدقٍ وشفافيّة، بل أكملوا طريقهم صوبهم بخطىً ثابتة. لقد ظهرت بطولة القدِّيسين في الحياة الخفيّة الّتي عاشوها مع الربّ، معتمدين المصداقيّة مع الذّات ومع الآخرين في قولهم الحقيقة دون مواربة، ومبتعدين عن ضوضاء هذا العالم ومُغرَياته، وبالتّالي شابهوا يوحنّا المعمدان واتخّذوا من شخصيّته بعض السّمات المهمّة في مسيرتهم مع الربّ. لم يكن لصّ اليمين أوّل الدّاخلين إلى الملكوت السّماويّ، بل كان يوحنّا المعمدان أوّل الدّاخلين إليه لأنّه اعتمد بإيمانه بالربّ يسوع، وقد كان أوّل شهداء العهد الجديد، إذ مات مقطوع الرأس. آمين.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp