القلب الـمُحبّ والرحوم، الّذي ينحني على أوجاع الآخرين،

عظة للخوري جوزف سّلوم – في رعيّة مار فوقا – غادير.

يقول ميخائيل نعيمة: “هذا الجيل عقله في بطنه، وقلبه في جيبه” أي أنّه لا يفكّر إلاّ في الطّعام وفي المال فقط. غير أنّ قيمة الانسان ليست في ما يملك من مال ومقتنيات، ومع ذلك فبعض الصداقات في يومنا هذا، أصبحت ترتكز على المال. نعاني في عالمنا اليوم، من إقطاعيّة المال الّتي نراها في أماكن عديدة وبخاصّة في الانتخابات. إنّ تلك الاقطاعيّة هي إقطاعيّة حديثة وعبوديّة حديثة.
أنا أشبّه هذا العالم بالإنسان الآلي، الّذي لا يملك لا قلبًا ولا رحمةً، لأنّه لا يحبّ، لأنّه يفضّل أن يعيش وحيدًا، وأن يرسم حدودًا تفصله عن أخيه الانسان. إنّ الانسان أصبح بلا رَحِم إذ لا يستطيع الانجاب بمعنى أن تكون علاقاته مثمرة، إذ إنّه وضع حدودًا لأخيه الانسان.

إنّ يسوع أعطى تشبيهًا لهذا العالم قائلاً: “بماذا أشبّه أبناء هذا الجيل؟ هم مِثلُ أولادٍ جالسين في الساحات يتصايحون: زمّرنا لكم فما رقصتم، وندبنا لكم فما بكيتم.”(متى 11/ 16- 17). إنّ الخطورة تكمن في ضياع معنى الأمور الّتي يعيشها الإنسان، أي عندما يعيش حياته وهو فاقدٌ لمعناها، يعدّ أيّامه ويعيش لأنّه ما زال في الحياة. أليس هذا استباقًا للموت؟ أليست هذه، حالة موت؟ إنّ عالم اليوم هو في حالة موت: يتحرّك وينام، يأكل ويشرب، يعيش في حالةٍ من الرتابة إذ قد أصبحت كلّ الأمور فارغة من معناها. إنّ الحياة بلا معنى، وبلا لون، يصعب أن تُعاش.

وفي هذا العيد، عيد قلب يسوع، نطلب من الرّبّ قائلين: “اجعل قلبنا مثل قلبك”. والسؤال الّذي يُطرح هو: كيف هو قلب الله؟ وبالتّالي، كيف يحب أن يكون قلبنا؟ علينا أن نمتلك قلبًا شبيهًا بقلب يسوع، فنكون مسيحييّن حقيقيّن. وهناك عدّة أنواع من الطرق ليكون قلبي شبيهًا بقلب يسوع.

إنّ القلب الشبيه بقلب يسوع، هو القلب الّذي يحفظ كلمة الله، كما كانت مريم أمّه تفعل، فهي “كانت تحفظ كلّ تلك الأمور وتتأمّلها في قلبها”. إذًا النّوع الأوّل من القلوب، هو القلب المتأمِّل، الّذي يحفظ كلمة الله، أي القلب الّذي يعرف كلمة الله، ويتأمّل بها ويصلّيها، يعيشها ويطبّقها في حياته، ويُخبر عنها الآخرين. هذا هو قلب مريم، هذا هو قلب الرّب! وعلى قلوبنا أن تكون مثل قلب مريم ويسوع، قلوبًا تحفظ كلمة الله وتعمل بها، لكن المشكلة تكمن في قلوبنا الّتي أُصيبت بمرض “الألزهيمر”، أي صارت تنسى كثيرًا وصارت غير قادرة على الحفظ.

أمّا النّوع الثاني من القلوب فهو القلب الـمُحبّ والرحوم، الّذي ينحني على أوجاع الآخرين إذ إنّ دموع الآخرين تؤثر فيه، فيتفاعل مع أوجاع النّاس، كما فعلت الأم تريزا دو كالكوتا. فعندما رأت تلك القدّيسة أوجاع النّاس، تركت كلّ شيء، وحاولت جاهدةً التخفيف من آلامهم، وقد بذلت كلّ جهدٍ ممكن لتُنقذ حياتهم، واستّمرت حتى النّهاية في هذا العمل من دون تعبٍ. هذا هو القلب الّذي يجب أن نتحلّى به كمسيحييّن، قلب محبّ رحوم، يذهب للنّهاية مع الإنسان المتألم، من دون أن يستسلم.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp