عظة للأب أنطوان خليل،
دير مار يوسف – المتين.
الموت عبورٌ الى مكان آخر،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
في زمن الصَّليب وقبيْلَ أحدِ الورديّة نلتقي في هذه الأُمسِية التَّشرينيّة لنرفعَ ذبيحةَ الفادي على الصَّليب، مُستذكِرين موتانا المؤمنين جميعاً الذين يشاركوننا
صلاتَنا. طالبين من أجل مرضانا الصبرَ على الألم على مثال يسوع وقتَ الآمه وعذاباتِه في سرّ الفداء، وعلى مثال أمِّنا العذراء مريم الثكلى تحت الصَّليب على جبل الجلجلة.
زمنُ الصَّليب الذي جعلتْه الكنيسةُ زمناً للدلالة عن موقفٍ إيمانيٍّ من خلال إعلان مجيء ربّنا وعلاماته، وللتعبير عن موقفٍ روحيّ من خلال السهرِ والثباتِ في انتظاره ولتجسّيد موقفٍ عمليّ من خلال العمل الصالح الذي يؤهّلُنا لمجيئه، والمُلك معه.
فالصَّليب له رمزيّة خاصّة في سرِّ فداءِ الرّب يسوع من أجل خاصّتِه، فبذلَ ذاتَه على الصَّليب من أجل خلاص الإنسان.
أطاعَ يسوع المسيح إرادةَ الله الآب، فأخلى ذاتَه ليخلِّصَنا من خطايانا ويزرعَ فينا نورَ الرجاء. فتنازل من عليائِه متواضعاً، متّخذاً طبيعتنا البشريّة الضعيفة ليرتقيَ بها الى درجة الألوهة والقداسة.
استهلّ يسوع رسالتَه التبشيريّة بإزالةِ الحواجز المصطنعة بين الناس، وقلبَ المقاييسَ التقليديّة، فكانتْ الكلمة، كلمةُ الله، “الله محبة”، محبةُ الانسان لأخيه الانسان والمحبةُ حتى للأعداء. المغفرةُ والمسامحةُ نعبّر عنهما بتبادل المصافحةِ في رتبة السلام في الذبيحة الالهيّة والمصالحة بين الاخصام ليقبلَ قربانَنا الذي نقدِّمُ فيه ذواتَنا امامه، ليُصبحَ الكبيُر بيننا خادماً للآخرين، كما قدّسَ الانسانَ فجعله جسرَ عبورٍ الزاميّ. بمحبتِنا له نتعرّف إلى الله الآب ونحبُّه، بلقاء الفقيرِ والمريضِ والحزين. كذلك اكدّ يسوع بنوَّتَه لله الآب باجتراح المعجزات: شفاء المرضى والعميان والمعْوقّين وإقامة الموتى من سباتهم العميق بقيامته من بين الاموات.
بعد مرورِ سنةٍ على تأسيس جماعة “أذكرني في ملكوتك” في دير مار يوسف المتين، أود أن أقيِّمَ أمامكم مسيرةَ جماعتنا خلال هذه السنة المنصرمة.
بدايةُ هذه الجماعةِ في دير مار يوسف المتين كان للسيِّدة العزيزة ماريان الحاج الفضل فيها، إذ اقتنعتْ، فاتّصلتْ بالجماعة الأم من خلال جماعة مار تقلا- المروج، فتمّ اللقاء المطوّل حيث شرحتْ خلاله السيدة جانيت الهبر دعوةَ ورسالةَ واهدافَ هذه الجماعة المصلِّية. والتي أَختَصِرُها باعتراف الانسان بطبيعته الخاطئة وبالايمان العميق، بالمصالحة بين الله والانسان من خلال أخيه الانسان “أذكرني يا ربّ”. والايمان الراسخ بقيامة الرّب يسوع من بين الاموات حيث أقام معه جميع الذين أغمضوا عيونهم عن هذه الفانيّة للقاءٍ مباشرٍ بالله الآب في الملكوت السماوي ” اُذكرني يا ربّ في ملكوتك”.
أمّا فيما يخصّ جماعتنا، فقد ركّزنا على الايمان بقيامة موتانا فأصبح للموت معنىً مختلفٌ، اكثر عمقاً من السابق وكأنه اصبحَ لحظةَ عبور من الى مكان آخر بالقرب من الله الآب، وأصبحْنا نشعر بأنّ أمواتنا يواكبوننا في مسيرة حياتنا ويستمرّون بمحبتنا ورعايتنا والسهر علينا ونحن بدورنا نتواصلُ معهم عبر الصلوات والتأمّلات ومن خلال مشاركتِنا في سرّ الفداء في الذبيحة الالهيّة.
إنّ انضواءَنا الى جماعة “اذكرني في ملكوتك” المنتشرة في لبنان وخارجه، وما زالت تنتشرُ وتتوسّع بفيْضٍ من النِّعم الالهيّة، قد دفعَنا الى التفكير إنّ جماعات “اُذكرني في ملكوتك” المجاهدة في العالم بأسره اصبحت تصلّي من أجل جميع الموتى المؤمنين المنتصرين على الموت بقيامة يسوع المسيح من بين الاموات ومن بينهم ايضاً موتانا، الذين نذكر أسماءَهم على مذبح الرّب في بداية كل شهر. وكأننا بِذكرنا المرضى والموتى بصلاتنا الجماعيّة نضفي عليهم اسماء ووجوه وتاريخ وحياة وأهل وأقارب واصدقاء، وكأنهم انتموا الى عائلتنا المصليّة من دون معرفتنا المسبقة بهم.
كما تجدُر الاشارة الى أنّ اللقاءات والتواصل والتعارف بين أعضاء هذه الجماعة يجعلُنا نتشارك جسد ودّم يسوع سويّة، كما يجعلنا نشعر بأننا مع أناس نتشارك وإياهم الرؤية ذاتها، والايمان نفسه، والتطلعات والاهداف الروحيّة نفسها،بالنسبة لقيامة الرّب من بين الاموات، إذ بقيامته خلّصنا من خطايانا وأقام معه الّذين في القبور. هذا الى جانب شعورنا بأننا نلتقي بأناسٍ نعرفهم منذ زمن بعيد ونطمئنّ لمجالستِهم والتواصلِ المستمّر معهم، وكأننا بصلاتنا لراحة نفوسِ موتاهم نستزيد معرفة بالاحياء.
صلاتُنا الخاشعة الى الرّب يسوع القائم من القبر لكي يبَّلسمَ جراحاتِنا كلها ويشفيَ المرضى ويعزّيَ الحزانى ويُدفقَ من روحه روحَ الايمان فينا والصبرَ والسلوانَ في احزاننا والصبرَ والثباتَ في الملمّات والصِّعاب وساعة التجربة.
الى سنين عديدة لجماعة “اُذكرني في ملكوتك” في دير مار يوسف المتين، بإسم ربِّنا القائم من القبرِ- المعزّي والمشدّد والمقوّي، باسم الآب والابن والروح القدس آمين. المسيحُ قام، حقاً قام.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.