محاضرة للأخت روز أبي عاد،
راهبات القدّيسة تريزيا الطفل يسوع المارونيّات،
الموت والقيامة في رؤيا يوحنّا،
بعد أن عرّفت الأخت روز برهبنة “القدّيسة تريزا الطّفل يسوع” اللّبنانيّة، التي تحتفل هذه السّنة باليوبيل الماسي لتأسيسها، انتقلت إلى التّعريف بسفر الرّؤيا، أي رؤيا يوحنّا، ذي الطّابع المخيف، الصّعب الفهم، حيث يجد فيه من يقرأه الكثير من الوحوش ذوي القرون، والعيون، وغيرها، ويجد فيه كلام عن إبادة العالم ونهاية الدّنيا؛ إلاّ أن هذا السّفر على صعوبته، يمكن أن يُفهم وتؤخذ منه العِبر، إذا ما توصّلنا إلى فكّ رموزه، وإشاراته، لأنّه سفر الرّموز، والانتصار، يبدأ بانتصار المسيح على الموت وينتهي به.
وبدأت الأخت أبي عاد تشرح الفصل الأوّل من سفر الرّؤيا، الآية 5، “سلامي أعطيكم بيسوع المسيح، الشّاهد الأمين، بكر الأموات، رئيس ملوك الأرض….صاحب المجد والقدرة لدهر الدّهور…”: وهو الشّاهد الأمين، أي الشّهيد، المائت والقائم من الموت، وهو الأمين لأنّه مرّ بهذه التّجربة، وهو أصدق من يخبر بها، ويشهد لها؛ كما أنّه بكر الأموات، أي أوّلهم، وهذا يعني أنّ مصير إخوة البكر، وهم المؤمنون، مشابه لمصيره، أي أنّهم، هم أيضاً يموتون ويقومون مثله، وهذه حقيقة مهمّة جدّاً. كما أنّ المسيح استحقّ كلّ المجد والقدرة على موته وقيامته.
ثمّ انتقلت إلى الآيات 9 حتّى 18، ونوّهت إلى أنّ موضوع هذه الرّؤيا ليس شيئاً أو حالة إنّما هو شخص، وهو “ابن الإنسان”. وركّزت الأخت أبي عاد على صفات “ابن الإنسان” في هذه الآيات، فهو: ” شبه ابن الإنسان، يرتدي ثوباً طويلاً حتّى قدميه، وعلى صدره حزام من ذهب، وشعره أبيض كالثّلج، وعيناه كشعلة ملتهبة، ورجلاه كنحاس مصقول محمّى في أتون، وصوته كصوت مياه غزيرة، و كان في يده اليمنى سبع كواكب، وفي فمه سيف طالع مسنون حدّين، ووجهه كالشمس في أبهى شروقها، فلمّا رأيته، وقعت عند قدميه كالميت، فلمسني بيده، وقال لي: لا تخف، أنا الأوّل والآخر، أنا الحيّ، كنت ميتاً وها أنا حيّ إلى أبد الدّهور، بيدي مفاتيح الموت ومثوى الأموات”.
والعدد سبعة، هو عدد الكمال، وكلّ صفات ملابسه، مميّزة لا يمكن لغيره أن يرتديها، إلاّ إذا كان رئيس الكهنة، أو الملك…وشعره أبيض، أي أنّه شيخ، حكيم، موجود من قديم الأزمان، جهور الصّوت، يميّز الخير من الشّر والحقّ معه، وكلامه حقّ ونهائي، وهي صفات تطلق على الله عامّة، أي أنّ يوحنّا أراد أن يتكلّم عن ابن الإنسان القائم من الموت، وله صفات الله، أبيه. وكلّ هذه الأوصاف، تدلّ على أنّ يوحنّا كان في حضرة الألوهة، فوق احتماله وقدرته، فسقط عند قدميه، فطمأنه، يسوع: “لا تخف”، فأنا البداية والنّهاية، أنا الالف والياء- من جوهر الآب، أو الله-، بعيد منّي لا حياة، ولا حقيقة. وبالعودة إلى كون المسيح هو باكورة الأموات، وقد قام من الموت، فهذا يعني انّ أمواتنا قاموا مثله، وهم يحيون لا لمدّة محدودة، بل إلى دهر الدّهور. وهذا يعني أنّنا نحن الأحياء، في غربة عن الحياة الحقيقيّة التي سبقنا إليها أمواتنا الأحبّاء.
واستطردت الأخت أبي عاد لتوضّح أنّ الجحيم يعني مثوى أو مرقد الاموات، وبما أنّ من عاشوا في العهد القديم، لم تكن عندهم فكرة واضحة للموت، كانوا يعتقدون أن ّ الذين يموتون يذهبون إلى مكان مظلم، بارد، فيه انقطاع عن الحياة، ولا اتّصال لهم لا مع الله، ولا مع الأحياء، لذلك، يسوع عند موته، نزل إلى هذا الجحيم، وكسّر الأبواب وأقام آدم وحوّاء، وكلّ الموتى، فهو المالك، على الأرض وفي السّماء مقيم البشريّة كلّها منذ أبويها. ومن هنا تغيّرت نظرتنا إلى مثوى الأموات فلم يعد ذلك المكان المنقطع عن الحياة، بل صار جسر عبور بالمسيح إلى الله في السّماء.
وانتقلت الأخت أبي عاد إلى الفصل 5، إلى رؤيا ” الحمل المذبوح”، التي تُختَصر بملك جالس على عرشه وفي يده كتاب مختوم بسبعة ختوم، وسمع يوحنّا صوت ملاك يسأل من يستحقّ أن يفتح هذا الكتاب ويفضّ لغزه، فلم يوجد بين من هم في السّماء ولا على الأرض ولا تحتها من يستحقّ ذلك، ما أبكى الكاتب، ولكنّ شيخاً في السّماء طمأنه إلى أنّ متحدِّراً من نسل يهوذا الأسد، ومن سلالة داوود، سيستحقّ أن يفتح هذا الكتاب العظيم، والمقصود به يسوع إذا ما عدنا إلى تاريخ السّلالات.
ثمّ رأى يوحنّا بين شيوخ السّماء، حملاً واقفاً كأنّه مذبوح، بسبعة قرون، ما يرمز إلى كامل القوّة، وسبع عيون، أي كامل المعرفة، هي أرواح الله السّبع الكامنة فيه، والتي أرسلها إلى العالم كلّه. وفي صورة الحمل المذبوح#الواقف تناقض كبير، إلاّ أنّها رمز لموت المسيح وذبحه على الصّليب، وبقائه واقفاً لأنّه انتصر وقام ووقف. يرمز الحمل إلى الأضحيات التي كانت تُقدّم لله في العهد القديم، فحلّ يسوع الحمل المذبوح الميت# القائم ، محلّ كلّ الحملان التي قُدِّمت سابقاً لله، واختُصر فيه سرّ فداء البشريّة كلّها. ثمّ تقدّم الحمل وفضّ الكتاب – تاريخ الخلاص- المليء بالرّموز وأعطاها معناها، وتحقّقت فيه أي في يسوع كلّ النّبوءات. وسجدت كلّ الكائنات له وأنشدت الأناشيد واعترفت بأنّه هو من يستحقّ فضّ الكتاب لأانّه افتدى كلّ الأمم، وخلّصها بذبحه وموته.
وشدّدت الأخت أبي عاد من جديد على أنّ محور إيماننا المسيحيّ كلّه بحسب ما رأينا في سفر الرّؤيا، هو موت يسوع وقيامته من بين الاموات.
ثمّ انتقلت إلى الفصل 20، وفيه آيات، حوّرها شهود يهوى، وفيها مشهد الملاك حامل السّلاسل العظيمة والذي قيّد الشّيطان أو إبليس أو التنّين أو الحيّة، وزجّ به في السّجن ألف عام. وهناك فئة من النّاس القائمين القيامة الأولى والذين يحكمون مع يسوع لأنّ أعناقهم ضربت واستشهدوا في سبيل يسوع، والقدّيسون الذين قدّستهم الكنيسة، والذين قدّستهم أعمالهم، من جملتهم، وفئة أخرى منهم ينتظرون يوم القيامة الثّانية أو يوم الدّينونة بحسب أعمالهم، في المطهر، وبعدها يقومون أو يموتون الموت الثّاني ويُلقون في بحيرة النّار.
وختمت الأخت أبي عاد اللّقاء بالإشارة إلى أنّ الملكوت يشبه حفلة عظيمة، لا يمكن أن ندخلها بثياب رثّة، أي أنّ أعمالنا هي ثيابنا التي تقرّر إن كنّا أهلاً للملكوت أم لا، عندها نخجل من نفسنا، ونكون عارفين مصيرنا.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.