الوعي الذّاتي في رحلة القداسة،
الأب جورج كيروز – قدّاس إلهي في مديغورييه.
باسم الآب والابن والروح القدس الإله واحد آمين .
سأبدأ بحدث حصل في مثل هذه اللّيلة؛ توفي البطريرك المارونيّ يوحنّا الحلو وقد شاركت الرئاسة العامة مع جميع الأساقفة والرهبان والكهنة في دفنه، إلّا أنّهم لم يُعيروا اهتماماً او اعتبارًا لِهذا الرّاهب البسيط الّذي توفي في عنّايا في المحبسة. بعد فترةٍ من الزّمن، يتمّ إخلاء الدّير بسبب الحاجة الماديّة. وكان ذلك لأنّ ربّنا قد أعطى علامةً وهي النّور الّذي ظهر على قبر مار شربل. وبالفعل منذ ذلك الوقت، يؤمّ الدير مؤمنون من كل أقطار العالم.
كذلك، في بدايات ظهورات العذراء في مديغورييه، قبل عشرات السّنين، قررّت ضيعة صغيرة أن تبني كنيسة صغيرة وفق هندسة محددة. ولكن، عندما كانوا يشيّدونها، وجدوا أنهم يبنون الكنيسة في اتساع اكبر ولم يُدركوا السبب في ذاك الوقت، وبحسب الرّواية الّتي يُرويها أبناء الرعية، ظهرت العذراء على جبل “بودبوردو”، جبل الظهورات في 24 حزيران 1981. تلك كانت الإرادة الإلهيّة، أن تستقبل هذه الكنيسة في مديغورييه الزوّار من كل أقطار العالم ليتشاركوا في الذبيحة الإلهية.
يتكلّم أحد الأشخاص عن الوعي الذّاتي. منذ زمن بعيد، أطلق سقراط هذه العبارة أو الشّعار الفلسفيّ “أيّها الإنسان أعرف ذاتك”. الوعي الذّاتي هو أن أعيش اختباراً خاصّاً مع ذاتي، قبل أن أنطلق وأفكّر بعيداً عن ذاتي، عليّ أن أعرف ذاتي في أيّ مكانٍ من دعوتي كمسيحيّ وفي أيّ مسيرة أنا ماضٍ.
أحبائي، الوعي الذّاتي هو الّذي يجعل الإنسان ينطلق في رحلة القداسة. هذه دعوة خاصّة بالمسيح ويجوز أن يكون البيت الذي ربيتُ فيه، أو تكون المدرسة الّتي تعلّمتُ فيها، أو الكنيسة حيث التقيتُ بكاهنٍ يُلقي عظة، لأعرف مَن أنا كَوقفةٍ في هذه الحياة في هذه الدّعوة، تجاه الله وتجاه المجتمع الّذي أعيش فيه. فأنتَ إمّا أن تكون مؤمناً أو لا تكون. إمّا أن تؤمن بهذه الوقفة أو بهذا الوعي للذّات فتؤمن بيسوع أو لا تؤمن، فالّذي يؤمن يشعر بحاجة تدفعه شخصيًا إلى لقاء الله.
قبل أن أفكّر، اليوم، في المكان الذي يتواجد فيه الله، عليّ أن أفكّر كيف عليّ أن أعيش معه وأسمع وأفهم؟، الله موجود في حركة قلبي لذلك يقولون “هذا إنسان ظريف ومحبوب”.
فالإنسان، بحسب علم المورفولوجيا، في الإطار الّذي يعيش هو لا يُمثّل شيئاً. “إنّك من التّراب وإلى التّراب تعود” هناك قيمة تجعلنا شيئاً وهي القيمة في الدّعوة، في الصّلاة، في الحبّ، في الإنسانيّة الّتي نفتقدها في هذه الأيّام. أنا إنسان أصبح لديّ قيمة إنسانيّة أيّ أنّني أصبحتُ أعرف كيف أعبّر عن إنسانيّتي وعن مشاعري الإنسانيّة، عن التّفاعل مع الآخر، أعرف كيف أصلّي وأحبّ، لذلك إذا كنتَ إنساناً تعرف ذاتك أيّ أنّك تعرف إنسانيّـك، تعيش هذه الحالة، ومَن يعترف بابن الله، الربّ يسوع المسيح، لا يقبل إلّا أن يكون طيّبا،ً أيّ أنّ حركة يسوع في قلبه بتعبيرٍ آخر هي حركة دموية إلهية: “خذوا كلوا هذا جسدي، خذوا اشربوا هذا دمي، اصنعوا هذا لِذكري حتّى مجيئي” لذلك أنا إنسان ابن الحياة الإلهيّة، ابن الدّم الإلهيّ الّذي يجعلني أعترف، بين ذاتي وبين الله، بأنّني إنسان.
مديغورييه، خارج الزّمن، أيّ ظاهرة غير طبيعيّة، أيّ ما فوق الطّبيعة. هناك ما يُسمّى بالميتافيزيكيا وهي تعبير يونانيّ. “ميتا” تعني خارج الحركة، خارج الطّبيعة. تأتي العذراء من عالم آخر، من السماء، أيّ تدخل عالم الزّمن وعالم المكان.
النّعمة الّتي نعيشها في هذه الضّيعة، حضور مريم العذراء في مديغورييه، تُعطي نعمةً خارج الزّمن، لِهذا الزّمن المقدّس، لِهذه الأرض المقدّسة، مديغورييه هي للإنسان الّذي لم يتعرّف بعد على الله وللّذي لا يعرف حركة قلبه. مديغورييه هي اختبار، مديغورييه ليست اختباراً بسيطاً. عندما تشعرون بالسّلام تنطلقون في هذا العالم خارج الزّمن، في عالمٍ خاصّ لم تعرفوه قبلاً، فالسّلام ليس في هذا العالم، “أنا أعطيكم سلامي ليس كما يعطيكم العالم” هوالسلام الداخليّ. السيدة العذراء حاضرة، وفي الحضور قوّة كي ننفتح على عالم الرّوح، عالم الآخر، السيدة العذراء تضع يديْها على قلبكم، هي تُعطينا حنانها ومحبّتها وقداستها.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.