عظة للأب جوزف بو رعد،

رعيّة دير مار الياس – انطلياس.

تأمّل في “إنجيل لوقا 12: 33-40″،

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين

في بداية الإنجيل، أراد الربّ يسوع أن يُعطي انطباعاً أنّه يطلب إلى تلاميذه تغيير حياتهم بشكلٍ كاملٍ. فإذا طلب أحدهم الى الآخر أن يبيع كلّ ما يملكه ويرحل، من الممكن أن يعتقد الآخر أنّه عليه أن يُسافر إلى بلدٍ آخر؛ ولكن مَن يُريد أن يعود إلى بلده، يترك بيتاً أو ممتلكاتٍ له، أمّا من يريد أن يُهاجر فيأخذ كلّ ما يملكه معه. لا أحد يُفكّر في الغد كما أنّ لا أحد يقول إنّ غده هو في المكان الموجود فيه، فيبيع كلّ ما عنده ويرحل. هذا الكلام لا ينطبق علينا لأنّنا لا نزال هنا، فلا أحد يُعطي كلّ ما يملك إلى الفقراء لأنّه يُفكّر في ما سيفعله في الغد وهو لم يعد يملك شيئاً. لكن هذا الكلام ينطبق في أناجيل أخرى على من يُريد أن يكون تلميذاً من تلاميذ الربّ يسوع. مثلاً، انطبق هذا الكلام، في أيّامنا وفي تاريخ الكنيسة، على الّذين يدخلون الدّير فيتركون كلّ شيء، لكنّ الّذين يُريدون أن يُتابعوا حياتهم، يجدون أنّ هذا التّصرّف عارٍ عن المنطق والحكمة.
وصل الربّ يسوع، من خلال هذا الكلام، إلى أعلى مستوى من حديثه. لقد بدأ كلامه، في إنجيل نهار الأربعاء، عندما يأتيه أحدهم مُحاوٍلاً أن يُقحِمَهُ في مشاكله العائليّة الّتي تتعلّق عادةً بالميراث. فقد طلب من الربّ يسوع أن يُقنع أخاه بالقبول بأن يتقاسما ميراث والديْهما بالتّساوي. لقد كانت ردّة فعل الربّ يسوع مُلفِتةَ، فقد رفض أن يكون القاضي بينهما، أي رفض التّدخّل في حياة الآخرين بشكلٍ مباشرٍ ليكون الحاكِم بينهم. أراد أن يبقى المعلّم، فيُعطي مبادئ عامّةً
حول أمور الحياة.

إذا ألقينا نظرةً على تاريخ الأديان، نرى، مثلاً، أنّ محمّد بعد أن ترك مكّة متوجّهاً إلى المدينة، أصبح الحاكِم بين شعبه، ومَن يدخل في التّفاصيل يغرق فيها ومن الممكن أن تكون أحكامه صحيحةً لِفئةٍ من النّاس ولكن ليس للجميع، فتخلق لهم المشاكل. لكنّ يسوع رفض أن يتدخّل بين الأخويْن وتكلّم على الطّمع مُتَطَرّقاً إلى مثل الغنيّ الجاهِل. وكما نعلم، يقوم الغنيّ بالاستثمارات كي يزيد ثروته أمّا الّذي لا يكون ميسوراً كثيراً فيُخاطِر بما يملكه بُغية أن يزيده. وبالعودة إلى مثل الغنيّ الجاهل، فقد قرّر أن يزيد ثروته لذلك وضع المال في الأهراء، وطبعاً جميعنا يعرف هذه القصّة، فيقول له الله: “يا جاهِل لقد فكّرتَ في كلّ شيء بشكلٍ دقيقٍ ولكن ما هي ضمانة بقائك على هذه الأرض؟” فإذا أنتَ فكّرتَ بدقّةفي كلّ هذه الأمور، ستجد أنّك لا تملك ضمانة عيشك إلى الأبد على الأرض كما أنّك لا تعرف إن كنتَ ستكسب شيئاً من كلّ ما تعبتَ لتجنيه خلال عمرك. فيقول الربّ يسوع: “لا تعطوا أهميّةً كبيرةً للمال فكلّ ما تحتاجون إليه، في هذه الدّنيا هو لقمةَ خبزٍ وماء وقطعةً من الثّياب”. وفي مكانٍ ما، يقول له الله أن يكتفيَ بهذه الأمور الضّروريّة للعيش ويطلب ملكوت الله، أيّ أن يكون الله ملكاً في حياتك فيكون هو ضمانتك للغد لأنّه الوحيد الّذي يستطيع ذلك لأنّه هو الّذي أعطاك الحياة في هذه الدّنيا.

عندما يعيش أحدهم في مملكةٍ يشعر بالأمان والسّلام لأنّ هناك ملك يحميه بخاصّةٍ إن كان ملكاً عادلاً. إذاً لا داعي لِخوف الإنسان إن كان هناك ملكوتاً وملكاً يضبطان أوّل الدّنيا وآخرها، عليه فقط أن يبحث عن ملكوت الله وكلّ الأمور الأخرى ثانويّة تُضاف إليه. لم يقل الله له “لا تُفكّر” بل “لا تهتمّ كثيراً بالطّعام والشّرب واللّباس”. إذا فكّرنا بالفعل، يا إخوتي، في حياتنا اليوميّة بالفعل، لوجدنا أن شراء بيت وثياب وطعام لأولادنا ولأنفسنا يتطلّب منّا جهداً ووقتاً. لكنّ الربّ يسوع يقول لنا إنّ اهتمامنا بهذه الأمور لا يكفي فالحياة الحقيقيّة هي في مكانٍ آخر. ونحن قد فهمنا هذه الأمور. فمثلاً إذا كان أحدهم يعيش في قصرٍ ولكنّه على خلافٍ مع زوجته فهو لن يستمتع بأيّ شيء يملكه، أمّا إذا كان يعيش في بيتٍ متواضعٍ تحلّ البركة عليه ويشعر الجميع بالسّعادة فسيشعر بالرّاحة. هنا يقول الربّ يسوع أن تبيعوا كلّ ما تملكونه شرط أن تستثمروه في ما هو صالح فتحصدون خير عملكم في الحياة الثّانية. الحكمة، هنا، هي في معرفتك كيفيّة استثمار حياتك على الأرض وفي عدم الخوف من فكرة الموت وتجاهلها. فإذا تفهّمنا أنّنا أشخاص ستحين ساعة موتهم يوماً ما، نكتفي بحاجاتنا الضّروريّة، لأنّ كلّ الأمور الباقية ستزول وهي لا تضمن لنا عدم الموت. فمَن يؤمن بأنّه سيموت وبأنّ ساعته قد اقتربت هو الّذي يبيع كلّ ما يملك لأنّ لا فائدة له. المال يُلخّص جهد الإنسان الذي يستطيع أن يتصرّف ويفعل ما يشاء بما يملكه فقط. إذاً يُطلب منكم أن تكونوا عقلاء وأن تعرفوا كيف تستعملون المال لكي تشعروا بالسّعادة ولكي تنعموا بالحياة الأبديّة إلى جانب الله.

تتمة…

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp