تذكر الكنيسة اليوم الموتى المؤمنين عموماً وتدعونا لنصلّي من أجل راحة أنفسهم، ونلتقي في موعدنا السنويّ لنحيي هذه الذكرى ونصلّي من أجل راحة موتانا مع أبناء هذه الرعيّة المحبة للمسيح وجماعة “اذكرني في ملكوتك” وهي مناسبة أيّها الأحبّة نعود فيها إلى كلام الرب الذي سمعناه في الإنجيل وهو كلام يؤكّد لنا أقله على حقائق أربع.

الحقيقة الأولى أن هناك حياة ثانية. إن الحياة الزمنية التي نعيش تؤدي بنا مع الأيام والسنين والأعمار التي يمنحنا إياها الرب إلى العبور إلى حياة ثانية، لأن هناك حياة غير الحياة الزمنية قد وعدنا بها الرب، لأن الرب إذا ما قال لنا بأن نبني ملكوت الله في داخلنا فلكي يكتمل هذا الملكوت في حياة ثانية. وبالتالي يصبح تذكار الموتى مساحة للرجاء لأننا نترجى حياة ثانية ومع المسيح القائم من بين الأموات “نترجى قيامة الموتى والحياة في الدّهر الآتي”، وهذا ما نعلنه دوما في قانون الإيمان الذي نجدّده ونجدّد هذه الحقيقة الإيمانيّة بأننا صائرون إلى حياة ثانية، إلى حياة أبديّة مع ربنا.

والحقيقة الثانية هي أن من يغتني بالرب يكون له الجزاء الخيّر، ومن يفتقر إلى الرب كان مصيره العذاب. وبالتالي في هذا الزمن الطقسي في خاتمة هذه السنة الطقسية توالت القراءات التي تدعونا إلى السهر، إلى اليقظة، إلى الاستعداد، إلى أن نملأ السراج زيتاً كمثل العذارى الحكيمات أو أن نعيش الأمانة كمثل الوكيل الأمين الحكيم، أو أن نتاجر بالوزنات التي يأتمننا الرب عليها ويأتي يوم الحساب لكي يقول لنا: “تعالوا يا مباركي أبي ورثوا الملكوت المعد لكم من قبل إنشاء العالم”. نعم، إننا بقدر ما نتحمل مسؤوليتنا ونعيش إيماننا بربنا وانتماءنا إليه وإلى كنيسته ونعيش هذا الإيمان ونترجمه في حياتنا اليومية أعمالا صالحة وخيرة والتزاما بحياة مسيحية دينية، بقدر ذلك نبني ملكوت الله في داخلنا ونستعد كل الاستعداد اللازم، إذ يقول الكتاب: “طوبى للموتى الذين يموتون بالرب فإن أعمالهم تتبعهم”، أي أن أعمالنا وحياتنا هي هذا الزاد الذي نتزود به لكي نمثل أمام وجه ربنا، لذلك الغنى والمقتنيات ليست معياراً، لأن الغني هو الهالك والفقير هو الرابح، إنما العلاقة مع الرب؛ الغنى في العلاقة مع ربنا لكي نغتني بربنا لا لنفتقر إليه. ونحن ننغمس في أمور الدنيا في مصاعبها، في همومها، في تحدياتها وهذا أمر يمر على كل من بيننا لكي نعيش كلمة الرب في وسط العالم، ولكن هل ندع هذه الكلمة تخنقها الهموم والأشواك؟ أم تكون لها الأولوية في حياتنا لكي تؤتي بالثمار الكثيرة كمثل الزارع ثلاثين وستين ومئة؟ فبقدر ما نثمن وزناتنا ونعيش إيماننا وانتماءنا إلى ربنا ونلتزم بهذا الإيمان نكون أغنياء بالله وبالتالي نستحق أن نكون في حضن ابراهيم مثل لعازر الذي عبر إلى ربه.

والحقيقة الثالثة أن الرب يوم الحساب يجازينا على أعمالنا. نحن ندرك ونفهم بأن الرب هو ربّ الرحمة ولكنه أيضا ربّ العدل، فبرحمة وعدل، بمحبّة وحسب الشريعة ينظر إلينا لكي يرى مسيرتنا ونوعية تأدية شهادة حياتنا. في الأحد الماضي، كان الانجيل يتكلم عن الدينونة العظمى “كنت جائعا فأطعمتموني، عطشانا فسقيتموني، عريانا فكسوتموني، مريضا فزرتموني” فنحن بقدر ما نكون في هذه العلاقة مع الرب نكون في علاقة وطيدة مع يسوع المسيح، نكون من المخلَّصين نكون من أبناء الملكوت، نكون في عيش هذا الإيمان والرجاء من عبور هذه الدنيا إلى دار الحياة الأبدية.

والحقيقة الرابعة هي أن الكنيسة تدعونا في الصلاة لكي تكون هذه الشراكة كاملة في قلب الكنيسة بين كنيسة الأحياء وكنيسة الأموات وبتعبير آخر بين كنيسة المجاهدين على الأرض الذين يعيشون حياتهم ويستعدون إلى العبور إلى الحياة الأبديّة والكنيسة الظافرة، أي الأموات الذين سبقونا وظفروا بالملكوت وأصبحوا من عن يمين الرب يفرحون معه بحسب ما قال لنا صاحب المزامير: “فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب تذهب”. فتذكار الموتى أيها الأحبّة، هو عيد الرجاء بربّنا المخلص الفادي، الرحوم، المحب، الذي يدعونا لكي نعيش دعوة القداسة لكي نكون معه كما يقول لنا الرسول: “نحن الذين اعتمدنا بالمسيح، لبسنا المسيح، فإن متنا معه نحيا معه”. فلنسائل ذواتنا: أين نحن في مسيرتنا مع الله؟ كيف نعيش إيماننا؟ هل نغتني بالله؟ هل نسعى لكي نكون أغنياء بالله قبل كل شيء؟ وما هي صلاتنا من أجل الذين سبقونا؟ نحن نصلّي من أجلهم وهم من عليائهم أيضا يصلون من أجلنا ويشفعون بنا. فلنشكر الرب على نعمه الكثيرة وندعُ لراحة نفوس موتانا ونصلِّ من أجلهم ونستذكرهم، لكي هم أيضا بشفاعتهم من السماء ينظرون إلينا ويذكرون ويتشفعون بنا لدى ربنا. وهكذا أيها الأحبة تكون الأعياد والتذكارات لموتانا ذكرى رجاء، وذكرى بأننا صائرون إلى ربّنا لكي نعي مسؤولية حياتنا ونتجدّد في مسيرتنا الإيمانية وانتمائنا إليه تعالى وإلى الكنيسة، لكي نوطد هذه العلاقة مع الرب ومع إخوتنا. فلتكن نعم الرب علينا ولنكن جميعا في مسيرة الكنيسة أحياء وأمواتا نغتني بالربّ، لكي نمجّد الربّ، آمين

ملاحظة : دُوّنت العظة بأمانةٍ  من قبلنا.