محاضرة للأب نايف سمعان البولسيّ، 

خادم رعيّة القدّيسَين قسطنطين وهيلانة – جونية،

حقيقة الموت…صنيعة الانسان، 

تأمّل وتوجيه او توضيح يعتبر كمقدّمة،

ورد في رسالة يعقوب (14:5-15)”هل فيكم مريض فليَدعُ كهنة الكنيسة وليصلّوا عليه، ويمسحوه بالزيت باسم الربّ. فإن صلاة الإيمان تخلّص المريض والربّ ينهضه، وإن كان قد اقترف خطايا تغفر له “. كل إنسان مريض، مؤمن، يحتاج للجسم الروحيّ في الكنيسة، الجسم الكهنوتيّ، لكي يمده بالأسرار التي من خلالها ينال شفاءه بحسب إيمانه، وهذا العمل يدل على مدى العلاقة الطيبة، والتواصل الضروري، بين أعضاء الكنيسة الأصحاء منهم والمرضى، فإن الرب يسوع يسمع صلاتنا فيعطي كلاًّ منا ما هو لخلاصه وحياته الأبدية.

عمل الكنيسة: الكنيسة “الاكليروس” تمد الانسان المريض بالأسرار الإلهيّة لتحييه نفساً وجسداً ، كلٌّ بحسب إيمانه، فهذا عمل الكنيسة على الأرض دون سواه ، إذ ليس من واجب الكاهن أن يقدم للإنسان اللباس أو الطعام أو الشراب وما شابه ذلك، فهذا إنما هو دور العلمانيين الذين يشكّلون مع الاكليروس جسم الكنيسة الواحد، فأنتم تساعدون الانسان بما هو مادي ارضي ولو كانت التقدمة من خلال الكاهن والاكليروس يساعدون بما هو إلهيّ وباتحاد العملين معاً نشكّل صليباً هو طريقٌ ووسيلة خلاصنا.
سؤال مطروح : كيف واجه السيد المسيح الموت عندما وصل إليه؟ قال السيد المسيح قبل آلامه: “اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟” (يوحنا 27:12).

بحسب القديس يوحنا الدمشقي، يعبّر المسيح هنا عن خوف في مواجهة آلامه وموته. ولتجنّب سوء التفسير، علينا أن نتذكر أن القديس يوحنا الدمشقي يميّز بين الخوف الطبيعي والخوف الفائق الطبيعة. فالخوف الطبيعي من الموت سببه وجود ارتباط بين النفس والجسد، وبالتالي الموت الذي به تنفصل النفس عن الجسد ليس حدثاً طبيعياً. لهذا عندما تتهيأ النفس لترك الجسد من الطبيعي جداً أن تحسّ بكرب عميق وحزن. يأتي الخوف غير الطبيعي ، من عدم الإيمان وجهل ساعة الموت. بما أن المسيح اتّخذ كل الأهواء غير المعابة، وخاصة لأنّه اتّخذ جسداً قابلاً للتجربة والفناء، لهذا خاف بشكل طبيعي.

فالخوف الذي أظهره المسيح كان طبيعياً وليس فائق الطبيعة. وهذه لمواقف ،من قِبل المسيح، ليست ملزِمة بعملها بل طوعية، أي أنّه هو يقوم بها. يقول القديس أثناسيوس الكبير مفسّراً “الآن نفسي قد اضطربت” بأنّ عبارة “الآن” تعني أن مشيئته الإلهية أذعنت ” خضعت “لطبيعته البشرية في خوف الموت.

بحسب القديس كيرللس الإسكندري، خوف المسيح من آلامه أظهر أنّه إنسان حقيقي، وبأنّه اتّخذ طبيعته الحقيقية من العذراء. ولكن بما أنّ كل طبيعة في المسيح كانت تعمل في شركة مع الأخرى، لهذا خاف كإنسان من الموت لكنّه كإله حوّل الخوف إلى جرأة. لهذا فإنّ المسيح بالسلطة التي لديه دعا الموت أن يأتي، سمح له بالوجود ، فكان هو الداء ولكن له الدواء ..

صلاة الموتى : ” لماذا نصلّي من اجل الموتى”؟ عندما ينتقل الانسان المؤمن الى حضرة الله، نصلي من أجله، ليس فقط ليستحق المثول أمام الله أو لينال المغفرة من الله فحسب، إنما لكي يتشفّع هو، الحاضر أمامه ،من أجلنا لنعيش على الأرض بسلام ورضى الله، فلا نقولنّ إن الصّلاة للأموات لا نفع لها، إنها تمدّ الجميع ببركات الله ورحماته أحياءً كنا أم أمواتاً. فصلاتنا تريحهم، وراحتهم، تتشفع لنا، وهذا كل الكمال بالتواصل… والصلاة هذه، هي الطريق الأكمل للتحدث مع من نحبّ من إخوتنا الراقدين ، فلا ينقطع أيُّ تيار تواصليّ بيننا، ولا يمكن لخط الاتصال أن يشوّشَ
علينا، كما يفعل الانترنيت أو الخليوي أو أية أداة اتصال أرضية ، كل منا يصلي بطريقته ، وكما يشاء ، والرب سميع مجيب وكفيل بخلاصنا لأننا أولاده
.
من هنا، ينبغي علينا ألاّ نهيئ أنفسنا جسدياً باللباس الفاخر والطعام الهنيّ والصحة الجيدة كي ننال خلاصنا ، فاللّه في سماواته لا ينظر الى ما نلبسه من ثياب فاخرة او من صحة جيدة او مواهب عظيمة أو ….إنما ينظر الى ما امتلكناه في حياتنا من أعمال صالحة، وما لبسناه من نقاء القلب وصفاء الضمير و… فالإنسان المريض جسدياً قد يخلص اكثر ممن لديه جسداً جميلا ولكن نفسه مريضة بالتمسك بما لا نفع له …هذا كله يكلّفنا الكثير من المتاعب والتضحيات والإماتات لنحصل على وعد الله ، وربما هذه التضحيات والمشقات والمتاعب الأرضية، هي جزء من عقابنا لإنسانيتنا” بعرق جبينك تأكل خبزك” التي اختارت هي بنفسها تأليه ذاتها، فابتعدت عن الله ، وخلقت لنفسها عالماً غريباً لم يخلقه الله تعالى، ألا وهو عالم الموت، لأن الله ،كما خاطب موسى هو :” إله أحياء وليس إله أموات” (مرقس 27:12). .

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp