محاضرة للخوري جوزف سلوم،
من المرشدين الروحيّين لجماعتنا الرسوليّة،
رعوية الموت والمرافقة الروحيّة لأهل الفقيد،
بحث الأب سلّوم في تلقّي فكرة الموت وممارسة طقوسه، وفي طريقة التّعبير عن وداع الميت، وما فيها من رواسب وثنيّة، تخلو من أيّ بعد روحي، ولا تمتّ إلى المسيحيّة بصلة. ثمّ انطلق ممّا يزعج كلاًّ منا عند موت أحدهم:
فمنّا من يبكي لأيّام طويلة أمام المدفن، ومنّا من يذكر مناقب ميته فوق الجثمان، ومنّا، وعلى مستوى تقبّل الخبر، تعلو صيحته، وتبدأ الأقاويل من مثل: ” مات فلان “، ” لماذا؟ بعدو منيح!”، ” ضيعانه !”، ” خلص! خلصوا زيتاتو “؛ وكلّها تعابير تستسلم للقدر، بما يعني ” هذا ما كُتب لنا “؛ ولكنّها أفكار وتعابير غير مسيحيّة.
إلاّ أنّنا أمام حدث الموت، منّا من يُصدم بالموت- النّهاية، ومنّا من هو أكثر تحضّراً وجهوزيّة، وإيمانا، وشوقاً لملاقاة وجه الله، في الموت-العبور-البداية.
فالموت دعوة لاكتشاف سرّ الحياة الحقيقية والخلاص وقبول كلّ شيء بمشيئته؛ ومن هنا التّمسّك بالاعتبار الأوّل أنّ يسوع سيّد الحياة، وفيه ملء الثّقة لأنّه هو القادر على إقامة الموتى، كما أقام صديقه لعازر، وابن أرملة يائير، تأثّراً منه بدموع الأمّ والأخت. أمّا ذرف دموع الحزن والحرقة على فقدان الميت فواجب من أجل التخفيف من الضّغط النّفسي، فالمسيح بكى لعازر لشدّة ما تأثّر لفقدانه. لكنّ التعبير الوثني، من الزّجل إلى النّدب، والتّظاهر بترتيبات الدّفن المكلفة التي تتداخل فيها المصلحة والسّمسرة والمحسوبيّات والسّياسة، كأين نضع الجثمان، وكم خوري نحضر للمشاركة في رتبة الجناز، وماذا سيُقال عنه، والمفرقعات، واللّباس الأسود وعدم الذّهاب إلى الكنيسة، وعدم المشاركة في مراسيم الأعياد…فمرفوضة لما فيها من عدم رجاء ووثنيّة واستسلام لنهاية الحياة بالموت.
إلاّ أنّ الرّثاء والشّعر برجاء، وشيء من تقدير الميت بالزّهور، وتلاوة الصّلوات قرب الجثمان، والسّهرعلى الجثمان للصّلاة، فهي أمور مطلوبة.
كذلك تُرفض التّعابير الخالية من الرّجاء: ” عوض بسلامتك” أي مات هو كي تبقى أنت، و” ان شاء الله تكون خاتمة أحزانك “أي أن تموت أنت اوّلاً فلا تشهد أحزاناً أخرى، ويمكنم أن تُستبدل بتعابير فيها من الإيمان من الرّجاء الشيء الكثير: ” المسيح قام “، ” رحمه الله “.
وختاماً، من أجل فتح آفاق مسيحيّة جديدة في التّعاطي مع طقوس وداع الميت، اقترح الخوري سلّوم أن نفكّر بعمل رحمة عند انتقال الميت كأن نوجّه الكهنة والنّاس إلى مساعدة الجمعيّات الخيريّة، وإقامة لقاءات صلاة مع أهل الفقيد، من أجل تعزيته مسيحيّاً، مع المحافظة على الخشوع والتّمسّك بالرّجاء، مع ذكر أهل الفقيد في صلواتنا، والعمل على تغيير الذّهنيّة القديمة والتّفكير بنضوج ووعي وتدريب العاملين في شركات دفن الموتى على كيفيّة التّعاطي مع أهل الفقيد.
إنّ مرافقة أهل الفقيد وأقربائه هي أهمّ ما يجب أن يُتدرّب عليه وبخاصّة عند الصّدمة الأولى من حيث تقبّل واقع الموت، كالإرشاد والإصغاء والمتابعة ومشاركتهم اختبار الموت من أجل مساندتهم في تخطّي الموت والحزن، الحزن الخاص بكلّ شخص حتّى الأطفال الذين عليهم التّحضّر لفكرة الغياب الدّائم؛ وتبقى الصّلاة هي العلاج الشّافي الأوّل والأهمّ لكلّ محزون.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.