عظة للأب ايلي خنيصر،
كنيسة القدّيسة بربارة – زحلة.
سِفر نشيد الأناشيد، الإصحاح 5،
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
سنتكلّم، اليوم، عن يسوع في نشيد الأناشيد، وعن كيفيّة وصف العروس لهذا العريس، وكيفيّة تطبيق الكنيسة لهذا الغزل في السّيّد المسيح. سنرى ماذا قالت العروس لعريسها أو كيف تقول الكنيسة للمسيح أو مريم العذراء لابنها يسوع. فكلّ نفس مسيحيّة هي عروس، والمسيح هو ربّها وعريسها.
تقول العروس لِيسوع: “حبيبي سليم وأسمر لا عيب فيه، عَلَمٌ بين عشرة آلاف، رأسه ذهبٌ إبريزٌ، وغدائره أغصان نخيلٍ حالِكةٌ بِلون الغراب. عيناه حمامتان مغسولتان باللّبن، وهما في مِحْجَريْهما. خدّاه روضةُ أطيابٍ وخميلة رياحين. شفتاه سَوْسنتان تقطران عبير المرّ. يداهُ مُجَلّلتان بالذّهب، مليئتان بالزّبرجد. جسده مُغشّى بالعاج ومُغلّف بالياقوت. ساقاه عمودا رخام على قاعدتيْن من إبريز. طلعته مثل لبنان، وهو مهيب كأرزه. ريقه أعذب ما يكون، وهو شهيّ كلّه. هذا حبيبي، هذا رفيقي”.
دعونا نرَ التّفاسير اللّاهوتيّة لِهذا المقطع. عندما تقول العروس “حبيبي”، ذلك يعني أنّ قلبها مع الشّخص الّذي هي مولعة به، وتُريد أن تُعَرِّفنا بهذا الحبيب. عندما تُخبر الفتاة أهلها عن عريسٍ، أو حبيبٍ، أو صديقٍ، تقول لهم إنّه سليمٌ لا عيْب فيه، أي أنّ سجّله أبيض لا حكم عليه. تأتي العروس قائلةً: “حبيبي سليم وأسمر لا عيْب فيه”: وعندما أريد أن أشرح هذه العبارة أنظر إلى هذا العريس من خلال هذه الصّفات لأنّه هو المثاليّ، والّذي يُريد أن يفدي الآخرين، الّذي يُحبّ من كلّ قلبه، والّذي يُريد أن يُقدّم نفسه فداء أمّته ولا عيْب فيه.
وإذا عُدنا إلى سفرّ الخروج رأينا أنّهم عندما أرادوا الرّحيل عن أرض مصر، أمَرَ الله موسى ومن معه بأن يذبح حملًا صحيحًا سليمًا لا عيْب فيه. وكأنّ عروس نشيد الأناشيد تقول: هذا هو الحمل الّذي لا عيْب فيه، هذا هو حبيبي الّذي خلّص شعب إسرائيل بِدمه والّذي سيفدي الكنيسة والبشريّة. إنّه لا عيْب فيه، هو سليمٌ صحيح.
“هو علمٌ بين عشرة آلاف”. أين تُرفع الأعلام؟ قديمًا كانوا يرفعون الأعلام على الصّاري أو على القِلاع أو على الأبراج لكي تُعرف هويّة هذه القلعة أو هذه المنطقة. وكانت توضع هذه الأعلام على كلّ عصا من عِصِيّ إسرائيل لكي يُعرف هذا. والعروس تقول: “لقد فُقْتَ، لقد فُقْتَ القِلاع، لقد فُقْتَ كلّ ما يُرفع أو تُرفع عليه الأعلام. وهذا لأنّك معروفٌ بين عشرة آلاف”. وعشرة آلاف هو الرّمز، في الكتاب المقدّس، للّذي لا يُمكن أن يُحصى أو أن يُعدّ. وإذا جمعنا بين العبارات “أراكَ بين الجميع مرفوعاً”، “أنتَ الحمل الّذي لا عيْبَ فيه، الصّحيح، أنتَ حبيبي”. وجدنا أنّه لكي تفدي البشريّة، يجب أن تكون مرفوعاً فوق الأبراج والقِلاع. ومَنْ غير صليب يسوع المسيح سوف يُرفع على كلّ هذه القِلاع والأبراج؟ فيكون حبيبي هو الحمل المفدّى الّذي تنظر إليه كلّ الشّعوب فتعرف أنّ هذا هو حبيبي. هذا هو الحمل الّذي رُفِعَ على الصّليب فأصبح الصّليب. الجميعُ ينظر إليه وسينظرون في نهاية الأزمنة، إلى علامة ابن الإنسان حين يأتي لِيدين العالم.
“رأسه ذهبٌ إبريز وغدائره أغصان نخيل”: قديماً، في زمن المسيح وما قبله أي أيّام سليمان، عندما كانوا يُريدون التّباهي، كانوا يضعون أحزمة من ذهب حول صدورهم أو يُزيّنون شعرهم بِخيطان من ذهب كي يُعرف أنّ هذا الرّجل هو وجيهٌ وغنيّ. هنا، رأت العروس أنّ الذّهب يُحيط بِخصال شعر العريس أيّ أنّه عظيم، أنّه ملك. والذّهب، في الكتاب المقدّس، يرمز إلى المجد. إذاً حبيبي هو ملك مُمَجّد، مُعظّم.
وخصال شعره أغصان نخيل، والنّخيل رمز الانتصار، الغلبة، الظّفر. فالأسير يكون شعره مُتّسِخاً ومُبعثراً أمّا إذا نظرتم إلى أيقونة لِقلب يسوع المسيح رأيتم النّور ينبثق من كلّ خصلة من خصال شعره. وعندما تقول العروس إنّ غدائره أغصان نخيل أيّ أنّها ترى في شعره، وجهه علامات النّصر والظّفر والغلبة. هذا هو حبيبي، الحمل الّذي رُفِع كَعلم على عشرة آلاف إنّه الغالِب، إنّه المنتَصِر، إنّه المعظَّم. وما يظهر على وجهه يُريني حقيقة هويّته، هو كَشجرة النّخيل الّتي ترمز إلى الانتصار.
“حالكة بِلون الغراب” أمامنا اللّون الأسود، ولون ريش الغراب الّذي عندما تسطع أشعّة الشّمس عليه يلمع وتظهر له سبعة ألوان. فالكنيسة، أو عروس نشيد الأناشيد، تصف يسوع بأنّه أسمر ووسيم وفي شعره كذلك سبعة ألوان كريش الغراب.
“عيناه حمامتان مغسولتان باللّبن وهما في مِحْجَريْهما”: عندما كانوا يقدّمون فرخَيْ الحمام إلى الهيكل، وريش الحمام الأبيض مُتّسِخًا، كانوا يغسلونه بالحليب كي يعود ناصع البياض، فإذا قدّموه إلى قدس الأقداس كان يلمع، وكأنّ النّور يخرج من ريشه. فرأت العروس أنّ عينَيْ عريسها تُشبهان عينَيْ الحمام، كما تغزّل بها قائلاً “عيناكِ حمامتان”. إلّا أنّها زادتْ على ذلك أنّهما مغسولتان باللّبن أيّ أنّ النّور يُشعّ منهما، والعين تكشف هويّة القلب وما فيه، فقلبك، يا حبيبي، هو الّذي فدى البشريّة ورُفِع على عشرة آلاف، تفيض من عينَيْه كلّ الأنوار الإلهيّة. وهذا ما أشار إليه لون الحمام.
“خدّاه روضةُ أطيابٍ وخميلة رياحين” قديماً، كان الشّاب يضع على لحيته أعظم أنواع العطور. فعندما اقتربت العروس منه اشتمّتْ هذا العطر، فأوصى إليها بعطور جنائن الفردوس، فَوقعتْ أسيرة الحبّ أيّ انتقلتْ من الشّكل إلى العطر الّذي يأسر قلبها.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.