عظة للشمّاس سيرافيم (طرزي)،
رعية القدّيس نيقولاوس – بلونة.
عظة تأمليّة في الموت،
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
اليومَ، يوافقُ الذكرى السادسة لانطلاقةِ جماعة “اذكرني في ملكوتك” في كنيسة القدّيس نيقولاوس في بلونة. وقد قررت هذه الجماعة، منذ سنواتٍ عديدةٍ، أن تحاولَ من خلال الصلاةِ أن تحصلَ على التعزيةِ والرجاء، لأنها فهمتْ أنْ لا رجاءَ ولا تعزيةَ خارج الصلاة. لأنّ الصلاةَ هي حديثُ المخلوقِ للخالق، هي أيضًا حديثُ الخالقِ للمخلوق.
أن نحاولَ أن نفهمَ الموتَ لأمرٌ مستحيل، فلا الذين أتوا قبلنا فهمُوه، ولا الذين سيأتون بعدنا سيفهمونه. هذا هو التسليمُ الأول. أمّا التسليمُ الثاني، هو أننا لن نتصالحَ مع الموتِ ولن نتهاونَ معه. هو عدوٌّ، وسيبقى عدوًّا “وهو آخرُ عدوٍّ يُبطَل” كما يقول الكتابُ ( 1كور 26:15)، لأنه يَسرقُ مِنَّا مَن نُحّب.
لكنَّ المفارقةَ أنَّ من فقدَ حبيبًا، ابنًا كان أو بنتًا أو زوجًا أو أبًا أو أمًّا، هو أكثرُ من يشعرُ بالموتَ لأنه لامسَه عن قربٍ، فيكرهُه لكونه سرقَ منه مَن يحّب. ويعشقُه لأنه بواسطتِه سيعودُ ويلتقي بمَن يحّب. غريبةٌ هذه المفارقةُ، أن يجتمعَ الحّبُ مع الكراهيةِ في قلبٍ واحد.
والغريب أيضًا، أنَّ كلَّ حديثٍ عن الموت يفترض مِنَّا حديثًا في الحّب، فالكلمتان مترادفتان ومتناقضتان في آن. مترادفتان لأنّ كلَّ حبٍّ هو موتٌ وبذلُ ذاتٍ
من أجل الحبيب؛ ومتناقضتان لأنَّ كلَّ موتٍ يزول بالحّب. فكلُّ مائتٍ مُحِبٍّ ومحبوبٍ حيٌّ، وكلُّ حيٍّ لم يختبرِ الحّب، لم يُحِبَّ ولم يترك فرصةً لأن يُحَبَّ، هو مائتٌ رغم كونه حيًّا.
نصلّي من أجل الراقدين، لأننا نؤمنُ بأنَّ الصلاةَ قادرةٌ على أن تريحَنا وتريحَ مَن انتقلَ، لأنَّ إلهَنا واحدٌ. الذي يجبُ أن نتعلَّمَه، رغم قساوة هذا الموقفِ هو التكلمُ بلغة الله. فحين يموت إنسانٌ نقول: “هذا الإنسان رحلَ عن هذه الحياة”؛ أما الله فيقول غير ذلك، يقول: “هذا الإنسان أتى إلى الحياة”
بالتالي، المطلوبُ منّا أولاً أن نغيّرَ لغتنَا لتتناسبَ ولغةَ الله، لأننا نؤمن بأنَّ الحياة الحقيقية ليست على هذه الأرض، إنما هي مع الله في الحياة الأخرى.
أمام الموت نحن نكتشفُ ضعفَنا وعجزَنا، لكننا لا نستسلمُ لأننا نثقُ برحمةِ الله؛ تمامًا كما يقولُ المزمور: “الإنسانُ كالعشب أيامُه وكزهر الحقل كذلك يُزهر، لأنه إذا هبّت في ريحٌ لا يثبتُ ولا يُعرَفُ موضعُه من بعد. أمّا رحمة الرب فهي منذ الأزل والى الأبد على الذين يتقونه.” ( مز 15:103 – 17).
لن يحبَّنا أحدٌ كما يحبُنا الله، لن يعتنيَ بنا أحدٌ كما يعتني بنا الله. فحين نرتل في الجناز:”فليكن ذِكرُه مؤبَّداً”، الى مَن نتوجّه بهذا الكلام؟ أغلبنا يظنّ أننا بهذا نخاطب ذواتنا، لكنّ الحقيقة أنه مَهما سمتْ ذاكرتنُا ومَهما قَوِيَ حبُّنا سننسى. فحين نقول هذا، نحن نقصد بالدرجة الأولى أن نقول: “فليكن ذكره مؤبدًا في ذاكرة الله” لأنّ ذاكرةَ الله لا تنسى، لا تنسى لأنها تُحب. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.