“فقالت مريم: تُعظِّمُ نفسي الربَّ وتَبتَهِجُ روحي باللّه مُخلِّصي” (لو 1: 46-47)،

بقلم الأب هاني شلالا المُرسَل اللبنانيّ،

لقد أطلقَتْ مريم نشيدَها بَعد لقائها نسيبتها أليصابات الّتي، بَعد سماعِها سلامَ مَريم، امتَلأتْ من الرُّوح القدس، وهَتَفَتْ بأعلى صَوتِها، قائلةً: “مُبارَكةٌ أنتِ بين النِّساء! ومُبارَكةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أينَ لي أن تـأتيَني أمُّ ربِّي؟”

إنَّ نَشيدَ مَريم هو صرخةُ حُبٍّ وإيمانٍ ورجاء، تُعبِّرُ عن الفرحِ والابتهاج، عن الشُّكرِ والحَمد، عن التَّعظيمِ والتَّمجيدِ لله، لأنَّ مَريم، حوَّاءَ الجديدة، قد استعادَتْ بَهاءَ صُورةِ الله الّتي شوَّهتها حوَّاءُ القديمة بِعِصيانِها وأفسَدَتها بِكِبريائها، فتَخلَّتْ هذه الأخيرة عن عَيشِ فرحِ الحُريَّة، وعن شُكرِ الله الخالق، وعن تعظيمِ اسمِه القُدُّوس. فحوَّاء الجديدة هي بِنتُ شَعبِها وأرضِها وعالَمِها،  وقد حَمَلَتْ في أعماقِها إيمانَ هذا الشَّعبِ المسحوقِ المذلولِ الـمُهان ورغباتِه وأحلامَه، وعبَّرَتْ عن فَرَحِها وابتِهاجِها لأنّ الله افتَقَدَه بالفداء والخلاص، وعن شُكرِها وحَمدِها لأنَّ الربَّ رحمَه بالصَّفح والغفران، وعن تعظيمِها وتَمجيدِها لأنَّ الربّ رأى مذلَّتَه، وسَمِع صُراخَه، وعَلِمَ بآلامه، ونزِلَ ليُنقِذَه (خر 3: 7-8). فالعذراءُ مريم تَدعونا اليوم إلى تعظيمِ اسمِ الربِّ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، وإلى شُكرِه على نِعَمِه الّتي يُغدِقُها علينا في كلِّ ظَرفٍ وآنٍ، وإلى الابتِهاجِ بِرَحمتِه ومحبّتِه الّتي تُظلِّلُنا على مدى الأيّامِ وإلى ما وراءِ الأزمان.

في ماذا يتعظَّم ويتمجَّد ويتكرَّم اسمُ الربِّ؟

1- في ذاته الإلهيّة حيثُ تُمجِّدُه أجواقُ الملائكة في السَّماء، بِحَسَبِ رؤيا أشعيا النبيّ، هاتفةً: “قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، ربُّ القوَّاتِ، الأرضُ كُلُّها مملوءةٌ مِن مَجده” (أش 6: 1-3).

2- في مخلوقاته، حيث يقولُ صاحبُ المزامير: “السَّماواتُ تُحدِّثُ بِمَجدِ الله والجَلَدُ يُخبِرُ بِعَملِ يَدَيه” (مز 19: 1).

3- في الإنسان الحيّ، أي الأنبياء والأبرارِ والصدِّيقين الّذي يـتأمَّلون ببهاءِ الله، ويَمتلئون مِن ضيائه، ويسجدون لِعظمَتِه، ويُخبِرونَ بِقُدرتِه، ويَشكرون مراحمَه الوافرة.

4- في المسيح يسوع الّذي هو “شعاع مَجدِه وصورةُ جوهره” (عب 1: 3)، أي في تَنازُلِه وتَجسُّدِه، في عمادِه وكرازته، في آياتِه ومعجزاتِه، في تجلِّيه ومَجدِه، في آلامه ومَوتِه، في قيامَتِه وصعودِه إلى السَّماء.

5- في مريم العذراء، الممتلئةِ نعمة (لو 1: 28)، الكليّة الطهارة، الدَّائمةِ البتوليّة، والدَةِ الإله، الـمُلتَحِفةِ بالشَّمس (رؤ 12:1)، ابنةِ الآب وأُمِّ الابنِ وعروس الرُّوح القدس (إغناطيوس الأنطاكيّ)، المنتقلةِ إلى السَّماءِ بالنَّفسِ والجسد، شفيعةِ المسيحيِّين ورجاءِ المؤمِنِين.

6- في الحكماءِ والودعاء، في المتواضِعين والرُّحماء، في الأطهارِ والأبرار، في الفقراء بالرُّوح والـمُضطَهَدين على البِرّ، في الرُّسل والقدِّيسين والشُّهداء.

7- فينا نحن المؤمِنِين الّذين نشكر ونُسبِّح ونُعظِّم اسم الربِّ القدُّوس، طالبين لِذواتِنا الصَّفح والغفران، ولموتانا الرَّاحة الدَّائمة في ملكوته السَّماويّ.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp