عظة للأب سليم الرّجي المريمي،

دير يسوع الملك – زوق مصبح.

في الذبيحة الالهيّة، الكنيسة كلّها تحضر في هذه القربانة مريم والرّسل والشهداء،

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

المجد ليسوع المسيح،
لقد أحببنا، أبونا روي وأنا، بعد مرور خمس سنوات، مشاركتكم بإعادة الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة على نيّة الأموات، بأن نحتفل بقدّاس الوفاء لكلِّ من رقد وسبقنا إلى دار الخلود، من أجل الإخوة الذّين سبقونا. ونحن اليوم في هذا القدّاس، نطلب شفاعة كنيسة السّماء، موتانا الذّين سبقونا إلى الملكوت، وهم يتمتّعون اليوم بمشاهدة وجه الله مع مريم والرّسل والشّهداء والقدّيسين آبائنا وإخوتنا ومعلّمينا، من أجل إخوتنا الذّين ما زالوا ينتظرون في (المطهَر)، يعيشون حالة انتظار، حالة انتظار لقاءٍ مع الرّبّ وجهًا لوجه. حالة الانتظار هذه هي حالة سماويّة، ولكنّها لم تكتمل بعد، لأنّ الانسان الذّي اقترف الكثير من الخطايا وعاش في العديد من الأوقات حالات بُعدٍ عن الله، إذ كان لديه الكثير من حالات قلّة المحبّة، عليه أن يتطهّر لكي يلتقي وجه الله يومًا ما في الملكوت السّماويّ. ومن أجل هؤلاء جميعًا، أنتم تُصَّلون وتصّلي معكم الكنيسة جمعاء، من أجل هؤلاء الذّين هم في المطهَر، ينتظرون لقاء الله. إنّني أعلم أنّه في كلّ قدّاس كنتم تشاركون فيه، تذكرون أمواتكم وكلّ الاموات وبخاصّة الانفس المنقطِعَة، التّي لا أحد يذكرها. وكم هناك من أشخاص حصلوا على رتبة دفن رائع وقداس الأربعين على وفاتهم جميل من حيث الزينة والأمور الخارجيّة، ولكن بعد انتهاء هاتين الحالتين في الذبيحة الالهيّة، لا يعود أحد يذكرهم في صلواته، لا بل أتجرأ فأقول إنّه يتّم نسيانهم بالكامل. فمن الممكن أن يتذّكروهم في أقوالهم وأفعالهم لكنّهم يغفلون عن أنّهم لا يستطيعون لقاء ذلك الذّي رقد إلاّ في القربان المقدّس أي في ذبيحة يسوع. في الذبيحة الالهيّة، الكنيسة كلّها تحضر في هذه القربانة مريم والرّسل والشهداء وأيضًا الكنيسة بكلِّ فئاتها: الكنيسة الممجّدة أي كنيسة القدّيسين، وكنيسة المتألمين أي كنيسة (المطهر)، وكذلك الكنيسة المجاهدة أي كنيسة الأرض. إذًا الكنيسة كلّها حاضرة في هذه القربانة البيضاء الطاهِرة لأنّها يسوع بذاته، وحيث يكون الرأس هناك يكون الجسد بأعضائه كلّها. هذه الأعضاء مؤلفة من ثلاث فئات كما قلنا، الكنيسة المنتصرة أي السّماء، الكنيسة المتألمة أي (المطهر)، والكنيسة المجاهدة أي الأرض، ونحن جميعنا فيها.

نحن في هذين الأسبوعين اللذّين يسبقان أسبوع الشعانين وأسبوع الآلام، نتأمّل بالعجائب والآيات التّي صنعها يسوع، لا سيّما الشفاءات، شفاءات البشر وبخاصّة شفاءات الرّوح، إذ عندما يُلمَسُ يسوع، كانت تلك اللّمسة تُسكِّن ضعف الانسان وألمه، وتمحو خطيئة الانسان بكثرة رحمة الله له شرط أن يكون على استعداد ليمشي الطريق مع المسيح. وانجيل اليوم الذّي قرأناه، يبيّن كيف أنّ المسيح، سكّن الرّيح بعد أن قال للتّلاميذ: “ثقوا، أنا هو، لا تخافوا”. إنّ المسيح يقول لكلّ منّا: “ثق، ثقي، أنا هو، لا تخف، لا تخافي”. إنّه الحاضر فيما بيننا، هو الذّي أتى أرضنا وسكن فيما بيننا، تألمّ ومات وقبر وقام من بين الأموات وصعد إلى السّماء وأرسل إلينا روحه القدّوس، الذّي لا يزالُ ويبقى إلى الأبد في كلّ جماعة. وأنتم تعلمون أنّه كلّما اجتمع اثنان أو أكثر باسم يسوع المسيح، يكون هو الحاضر الأوّل فيما بينهم. إذًا علينا ألاّ نخاف ونعلم أنّ يسوع المسيح هو الحاضر فيما بيننا، وكيف إن ّكنّا نحتفل بذبيحة القدّاس. إنّ المسيح يحتفل من خلال يديّ الكاهن، وهو الذّي يرسل روحه القدّوس من السّماء لكي يقدّس الخبز والخمر فيصبحا جسد ودمّ يسوع المسيح نفسه. إنّ يسوع المسيح ذاته هو الذّي أعطى الكاهن السّلطان وهو الذّي يرسل الرّوح القدّس من عَلُ أي من السّماء ليحوِّل الخبز والخمر إلى جسد يسوع، فلا أحد من الكهنة يستطيع تحويلهما بقدرته لولا السّلطان المعطى له من يسوع نفسه. وفي هذه الأسرار، في الخبز والخمر، في جسد ودمّ الرّبّ تحضُر الكنيسة جميعها، نحن وأهالينا وإخوتنا وكلّ الضحايا البريئة التّي تسقط في هذا العالم، ونخصّ بالذكر أربع راهبات من رهبنة الأمّ تريزا اللواتي استشهدن منذ أيّام في اليمن مع الكثيرين، كلّهم أصبحوا حاضرين في تلك القربانة البيضاء مع كلّ الذّين أحبّوا الرّبّ وعاشوا لأجل الرّبّ، إنّهم حاضرون في تلك القربانة البيضاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلينا فنحن أيضًا حاضرون في تلك القربانة البيضاء المقدّسة.

وأريد الآن أن أشدِّد على جملة أخرى قالها الانجيليّ مرقس: “لأنّهم لم يفهموا معجزة الأرغفة لقساوة قلوبهم”. فنحن أحيانًا لا نفهم كلام الرّبّ لقساوة قلوبنا، لا نفهم الآيات والشفاءات ولمسة الرّبّ التّي تبدّل الانسان وتغيّره لأجل قساوة قلوبنا، وذلك لأنّنا لا نجعل قلوبنا نقيّة وطاهرة كقلب الرّبّ ولذلك نحن لا نفهمه. علينا أن نسعى لكي تكون قلوبنا كقلوب الأطفال نقيّة وطاهرة وبريئة ولا قساوة فيها، عندئذٍ فقط نستطيع أن نجعل من كلام الرّبّ دستورًا لحياتنا وقانونًا لها. علينا أن نفهم أنّه يجب أن يكون لدينا دستور واحد لحياتنا هو كلام الله، كلام الرّبّ يسوع في الانجيل، وخارجًا عنه لا دستور لحياتنا. غير أنّ كلّ دستور ينبع من الانجيل ومن كلام الله هو دستور لنا وقانوننا لأنّه ينبع من كتاب الحياة هذا، كلمة يسوع المسيح. لذلك نرى أنّ قوانين الرّهبانيّات ترتكز على الكتاب المقدّس وكلام يسوع المسيح. وعلى بيوتنا أن تكون ممتلئة من كلام الله، حتّى نعيش جميعًا حالة الانتظار التّي نُصلّي لأجلها اليوم، أن نلتقي يومًا ما بوجه الله وأن نصلي إليه قائلين: “اُذكرني يا ربّ متى أتيت في ملكوتك”. ولا ننسى أنّ هذه الكلمة هي كلمة نطق بها لصّ اليمين الذّي ربح الملكوت عندما نظر إلى الرّبّ على الصّليب: “اُذكرني يا ربّ متّى أتيتَ في ملكوتك”. وكان جواب يسوع له السريع: “اليوم تكون معي في الفردوس”. وكأنّ الرّبّ يقول له بطريقة أخرى، الكلمة التّي قرأناها في انجيل اليوم: “ثق، لا تخف، أنا هو، أنا معك”، أنا أخلّصك وأشفيك حتّى في اللحظة الأخيرة من حياتك، من كلّ ماضي الخطيئة، وأجعلك، إن كانت توبتك صادقة، ابن الملكوت السّماويّ اليوم وليس غدًا. هذه هي صلاتنا اليوم.

اسمحوا لي أخيرًا أن أتوّجه بالتهنئة إلى كلّ امرأة بمناسبة عيد المرأة، اليوم في الثامن من آذار. ونحن نفهم المرأة كونها أمّ وأخت. فليبارك الله كلّ أمّ وأخت موجودة في عائلاتنا إذ لهنّ حضور مميّز فيها ونطلب من الله أن يقدّسهنّ. ونذكر اليوم كلّ المعلمّات، غداً عيد المعلّم. وفي بعض الأوقات، نلتقي بأشخاص نتعلّم من تصرّفاتهم دروسًا، ويصبحون معلِّمين لنا. فالمعلّم لا يقتصر على أساتذة المدرسة بل هناك معلمون لنا في الحياة من خلال مثلهم الحسن والطيّب نتعلّم أمورًا كثيرة.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp