عظة الخوراسقف بطرس جبّو،

كنيسة السيّدة – دير نبوح، الضنيّة.

كم تحزنني وتؤلمني هذه الوقفة،

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الكهنة الأجلّاء، أهالي دير نبوح مسيحيين ومسلمين،
حضرة سيّدات جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
أيّها الأخوات والإخوة الأحبّاء،

كم تحزنني وتؤلمني هذه الوقفة، وكم يصعب عليّ الكلام عمَّن كان لكم ولي، بمثابة الابن أو الأخ، كما كان لي بمثابة الحبيب، “الخوري أنطوان الزاعوق”، الّذي بوفاته حزنت الأبرشيّة بكاملها، والمنطقة آلمها الـمُصاب فلبست أثواب الحداد. فأيّة عينٍ لم تدمع، وأيّ قلبٍ لم ينفطر حزنًا ولوعةً على من كان في هذه المنطقة نجمًا فأفل نجمه بغتةً، وغاب طيفه، واستُعِيضَ عنهما بكتابات ولافتات غطّت الطرقات والبيوت، فأبكت الصّغار والكبار، وعُبِّرَ عنها بِـحَملِ الجُثمان على الأكُفّ وقرعِ الأجراس حزنًا، وبتعليق الأكاليل والسير طويلاً خلف الجثمان.

لا بدّ من ذكر ما قامت به رعيّة دير نبوح الـمُحِبَّة مسيحيّين ومسلمين. ولا غرابة بما فعلوه وقاموا به يوم مأتمه، لأنّه أحبّهم جميعًا طيلةَ سنّيه الاثنتين والخمسين، وطيلة سنواتٍ كهنوتيّة لم تتجاوز الأربع والعشرين، فبادلوه المحبّة لأنّه أراد أن يبقى بينهم في خدمته، الّتي اختارها لنفسه، وسهر على تصميمها وتنفيذها، قدّرنا الله على مكافأة رعيّة دير نبوح بالأفراح والمسّرات.

إنّ ما تقوم به جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الّتي انتسب إليها الخوري أنطوان، عضوًا محبًّا وناشطًا، برهانٌ آخر عمّا كان الخوري أنطوان يكنّه لأعضائها من محبّة واحترام، وعمّا كانوا يبادلونه به من محبّة وتقدير لنشاطه وغيْرته في خدمته وعلى الآخرين وفي كلّ المجالات. فشكرًا من القلب لهذه الجماعة وأعضائها ولحضورهم من بيروت إلى الشمال واشتراكهم في هذه الصلاة الأخويّة، قدَّرنا الله على مكافأتهم بالمحبّة والصّلاة.
وأنت، أيّها الأخ الحبيب، الخوري أنطوان، ماذا أقول عنك؟ لقد كنت الإنسان الإنسان لجميع النّاس، الإنسان الـمُحِبّ والإنسان المضحّي في سبيل الأبرشيّة والمنطقة. هكذا عرفتك الرعايا الّتي كنت فيها خادمًا أمينًا صادقًا، وخاصّةً في هذه الرّعيّة المباركة. لقد كنت الكاهن الفاضل والغيور، المتزيّن بالفضائل الروحيّة والكهنوتيّة، كنت منزّهًا عن كلّ ما هو عيب، ومتساميًا عن الـمّادة، إذ كنت تعطي من جيبك ولا تأخذ ما يحقّ لك. لم تُحدِث خصامًا أو خلافًا في مكان، بل على العكس من ذلك، أوجَدْتَ محبّة وسلامًا. وكنت البسمة الدائمة بين رفاقك الكهنة ولا يزال صوتك يرنّ في آذانهم. غريبة هي الحياة هنا على الأرض، لكنّها طريقٌ، طالت أم قَصُرت، تُوصلنا إلى السّماء. فعلى جماعة “أذكرني في ملكوتك” أن تكمل وعد السيّد المسيح “اليوم تكون معي في الفردوس”، وهذا حقٌّ لك عند الله. ويبقى علينا جميعًا كهنة وعلمانيين، أن نكون القدوة والمثل لجميع النّاس، وأن نكون لهم النّور المضيء وسط ظلمات هذه الحياة، والملح الـمُصلح لما أفسدته الأيّام.
رَحِمَك الله أيّها الكاهن الكاهن، أيّها الكاهن- الإنسان الصالح، أيّها الكاهن الغيور والمضحّي، وأسكنك فسيح جنانه، وألهمنا الله بعدك العزاء والصبر، مقدّمين الشكر إلى أهالي أبرشيّتنا ومنطقتنا مسيحيّين ومسلمين، خاصّين بشكرنا جماعة “أذكرني في ملكوتك”، ومكمّلين وعد السيّد المسيح لنا “اليوم تكون معي في الفردوس”. الراحة لنفسك ولنفوس موتاكم جميعًا. ويا آله الكرام، ويا إخوته، ويا أصحابه، ألهمكم الله العزاء والصّبر الجميل، ورزق الطائفة والأبرشيّة على مثاله، كهنة قدّيسين وأفاضل، يعملون لخير وخلاص النّفوس.
شكرًا لكم من القلب، يا أبناء الأبرشيّة، ويا أبناء هذه الرّعيّة الحبيبة، ويا جماعة “اُذكرنا يا ربّ متى أتيت في ملكوتك”. رحِمَهُ الله، ورَحِمَ موتاكم جميعًا، وقدّرنا على مكافأة الجميع بالأفراح 

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp