القدّاس الاحتفاليّ في عيد القيامة المجيدة،

كنيسة مار تقلا – سد البوشرية، المتن.

عظة القدّاس الإلهيّ للخوري جوزف سويد، خادم الرعيّة:

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

سلام المسيح،
حضرة ممثلة رئيس بلدية البوشريّة – السِّد، زوجته المحترمة،
كلّ إخوتي الأحبّاء الّذين يشاركوننا اليوم هذا الاحتفال، مسؤولون وأعضاء في جماعة “أذكرني في ملكوتك”.

نحتفل اليوم، باللِّقاء السّنوي الثَّالث عشر بمناسبة عيد القيامة، ونحيّيكم كما كان القائم من الموت يُحيّي تلاميذه، عند كلِّ ظهورٍ له عليهم: “السّلام لِكم”؛ ونتبادل في هذا العيد معًا التَّحيّة الفِصحيّة قائِلين: “المسيح قام”.
اليوم، أريد أن أُلقي الضَّوء على ثلاثة أسماء مهمَّة جدًّا، هي: أوّلاً،”ديسماس”، أي اللُّص التَّائب، وهو اسم مألوفٌ عند جماعة “أذكرني في ملكوتك”، هو الّذي صَرخَ صرخة المنازع الأخيرة، صرخة الإنسان الّذي يحاول في لحظاته الأخيرة في هذه الحياة، أن يسرق الملكوت. ثانيًا،”كليوباس”، وهو أحد التِّلميذَين العائدَين إلى قريتهما عمّاوس. عاد تلميذان من تلاميذ الربّ يسوع إلى عمّاوس، واحدٌ معروف الاسم وهو كليوباس، والثّاني مجهول الاسم، للدّلالة على أنَّ كلّ مؤمِنٍ قد يكون هذا التِّلميذ الآخَر العائد مع كليوباوس إلى عمّاوس. وأخيرًا، “جُوستاس”، “جُوستاس”، وهو اسمُ اللِّص الّذي بقيَ حتّى اللَّحظة الأخيرة من حياته، غير مُدرِكٍ لِمَعنى حياته، ورَفضَ التَّوبة. أمام هذه الأسماء الثّلاثة، يُطرَح السُؤال: أيّ هؤلاء الثّلاثة، أريد أنا المؤمِن أن أكون؟ إنّ ديسماس أمضى حياته في السَّرقة، وقد كان محترفًا في عَملِه، إذ تمكَّن في لحظاتِ حياته الأخيرة من اختطاف الملكوت من الربّ يسوع.

يُخبرُنا إنجيل اليوم، عن اثنين من تلاميذ يسوع، هما تلميذَا عمّاوس. كان هذان التِّلميذان عائِدَين من أورشليم إلى عمّاوس، فعلى الرُّغم من سماعهما عن قيامة الربّ، إلّا أنّهما كانا تحت تأثير هَول الصّدمة، فَمَوت الربّ يسوع لم يزلزل العالم الخارجيّ وحسب، بل زلزل أيضًا قلبَي هذين التِّلميذَين، وأدخل الاضطراب والخوف إلى قلبَيهما لأنّهما لم يتمكّنا مِن إدراك حَدثَ الموت. كان هذان التِّلميذان عاجِزَين عن تخطِّي أزمة موت يسوع والانتقال إلى مرحلة جديدة هي القيامة، كانا عاجِزَين عَن الانتقال من الجمعة العظيمة إلى أحد القيامة.

إنّ أورشليم مدينة السّلام، قد اضطربت إثر موت المسيح يسوع، وبالتّالي قد أصبحت هذه المدينة غريبة عن حقيقتها. إنّ أورشليم هذه، قد بكاها الربّ يسوع في حياته، قائلاً:”أورشليم أورشليم، يا قاتلة الأنبياء والـمُرسَلين إليكِ”. كان هذان التِّلميذان يسيران في طريقهما نحو عمّاوس، وإذ بشابٍ غريب، يقترب منهما، ويسألهما عن سبب كآبتهما، فقالا له: “أأنت وَحدك غريبٌ في أُورشليمَ، فلا تَعرفُ ما حَدَثَ فيها هذه الأيّام!”، وأضافا قائِلَين: “ما حَدَثَ ليسوع النّاصريّ وكان نبيًّا قَديرًا في القول والعَمل عند الله والشَّعب. كيف أَسلَمَه رؤساءُ كَهَنَتِنا وزعماؤنا للحكم عليه بالموت، وكيفَ صَلَبوه. وكنّا نأمل أن يكون هو الّذي يُخلِص اسرائيل” (لو 24: 18-20).
 

إذًا، لقد كانت أورشليم كلّها مضطربة، وسَيْطَر حَدَث موت يسوع على كلّ أحاديثها. في عالمنا اليوم المضطرب نتيجة الأزمات الاقتصاديّة والحروب، لا يَسعُنا إلّا ترداد اسم “يسوع”، لأنَّه هو رجاؤنا الوحيد وخلاصُنا، فَيَلْمع نور اسم “يسوع” في المسكونة كلِّها. على المؤمِنِين بالـمَسيح، أن يتلذَّذوا بِذِكرِ اسم “يسوع”، لأنّ له وحده تجثو كلّ ركبةٍ في السماء وعلى الأرض، وله كلّ لسانٍ يُسبِّح ويُهلِّل. على رَجائِنا نحن المؤمِنِين أن يكون على مِثال رجاء القدِّيسين الأبرار والصدِّيقين والشُّهداء، إذ كان الربّ يسوع هو رجاؤهم الوَحيد، بأنّه سيَفتَدي لا إسرائيل وحسب، بل البشريّة كلَّها. وهنا نتذكَّر كلام رئيس الأحبار اليهوديّ في يوم محاكمة يسوع، إذ قال: “خيرٌ أن يموتَ واحِدٌ عن الأُمّة، مِن أن تَهلِك الأُمّة بأسْرِها”. نعم، كان مِن الأفضل أن يموت رَجلٌ واحدٌ عن الأُمّة الّتي ننتمي إليها، فَننال بموتِه الخلاص لنا أجمَعين، عندما نُدْرِك أنَّ المسيح القائم من الموت هو الله. بعد انفتاح عينيّ تِلميذَي عمّاوس على قِيامة الربِّ يسوع، دَخل الفرح والرَّجاء إلى قلبَيهما وأزاحَ كلَّ يأسٍ وكآبة.

إنّ الربّ يسوع يسير مع كلِّ واحدٍ منّا على طريق “عمّاوس” الخاصّ به، طريق الكآبة واليأس والإحباط، ويحاول من خلال كلمته المقدَّسة، أن يُدخل الرَّجاء والفَرح إلى قلبِ كلّ منّا. إنَّ كلَّ طُرقات حياتنا هي طُرقات يُظلِّلها يسوع، بكلماته الّتي تُضطرِم قلب الإنسان مِنَ الدَّاخل، وهذا ما عبَّر عنه تِلميذَا عمّاوس إذ قالا: “أَمَا كان قَلبُنا يَحترق في صَدرِنا، حين حَدَثَّنا في الطَّريق وشَرَح لنا الكُتُب المقدَسة؟”(لو 24: 22). فعلى الرُّغم من الاضطراب الموجود في داخِلهما، دخل السّلام إلى قلبَيهما إثر كلام يسوع، لذا قالا له: “أقِمْ معنا، لأنّ المساء اقترب ومالَ النَهار!” (لو 24: 29).

لم يُخيِّب الربُّ رغبة التّلاميذ، إذ مَكَث مَعهما، وقدّسَ الخبزَ وكسره معهما، فتمكّنا من معرفته، بعد أن كانا قد أضاعاه في ظلمة أحداث الصّلب والموت. رافقَ الربُّ يسوعُ هَذَين التِّلميذَين في طريقهما إلى عمّاوس، طريق الكآبة واليأس، ولم يتركهما إلّا بعد أن أدخل فرح الرَّجاء إلى قلبَيهما. إنَّ الربّ يسوع يدعونا إلى مجالستِه، خاصّة عندما نقع في حالة من الكآبة واليأس، فهو لديه ما يُقدِّمه لنا، ألا وهو جسده ودمه، وكلمته المحيّية. ها نحن اليوم، نتشارك مع الربّ مائدته. لقد ترك الربُّ تِلميذَي عمّاوس، عندما انفتح ذهناهما على نور القيامة، وتكسَّر حجر القبر الكئيب، إذ عمّ فرح القيامة قلبَيهما.

ما اختبره تلميذَا عمّاوس، نختبره نحن أيضًا في كلِّ يومٍ، إذ نترك بيوتَنا، التي ترمز إلى أورشليم، قاصِدِين الكنيسة، أي قرية عمّاوس، كما يمكننا اعتبار الكنيسة هي أورشليم، وبيوتنا هي قريَة عمّاوس. إنّ الربّ يسوع هو السِّرّ الحاضر والغائب معنا دائمًا. فلنَعُد إلى أورشليم، أي إلى منازِلنا، مُتَزوِّدين مِن جسد ودَم يسوع المسيح، وأجواء القيامة تملأ قلوبنا وتُضرمها فرَحًا وسلامًا، بعد سماعِنا كلمة الله، ونموِّنا بالنِّعمة، واشتراكِنا مع الإخوة والأصدقاء في مائدة الربّ. على بيوتنا وكنائسِنا أن تكون على مِثال أورشليم، الّتي تمّ فيها الصّلب والموت، والقيامة أيضًا. فإنْ تعرَّضنا للآلام، والعذابات والأسى والموت، فَلْنَكُن على ثِقةٍ أنَّ الربّ سيأتي ليزرع في قلوبِنا الرَّجاء والطمأنينة والسّلام، مكانَ الألم والاضطراب والإحباط.

في عالمٍ مليء بالأزمات والحروب، يأتي الربُّ إلينا، ليُبَلسِم جراحنا وآلامِنا، بِبَلْسَم قيامته، وهذا لا يتحقَّق إلّا إذا مَلَكَ الربُّ على قلوبنا، وكان سيِّدًا عليها. إنَّ وُجودَ الربِ في حياتِنا هو ما يمنحنا السّلام والطَّمأنينة، فمِن دونه سيكون مَصيرنا الخراب والدَّمار على مِثال أورشليم، الّتي دُمرَّت سنة 70 ميلاديّة. إنَّ عالمنا اليوم يبحث عن السّلام فلا يَجِدَه، إذ ملأت الحروب العالم، غير أنّنا نحن المؤمِنِين ننال السّلام، من رجائنا الموضوع في يسوع المسيح، الّذي قدَّم ذاته ذبيحةً من أجل فِداء العالم.

في هذا اللِّقاء المبارك، أرغب أن نعيش اختبار تِلمذَي عمّاوس، فنَسير بفرحَ مع الربّ على دُروب هذه الحياة، المليئة بالأشواك والـحُزن والأسى والموت، ولكنّها مليئة أيضًا بأمجاد القيامة. على المؤمِن أن يصرخ “المسيح قام، حقًّا قام” بعد أن يكون قد قَتَلَ كلّ بذور الموت فيه. إخوتي، أدعوكم اليوم إلى تجديد مسيرتكم على دُروب هذه الحياة بمَعيّة الربّ، ولتكن كلماته رفيقكم في هذه الحياة، مستَبْدِلين كلّ أخبار هذا العالم الّتي تدعو إلى اليأس، بالصّلاة والاستماع إلى ما يزرع الرَّجاء في قلوبنا، ويُشعلها فرحًا وسلامًا. إنّ عالمنا اليوم، يفتقد إلى السّلام، فلا نسمحَنَّ له بأن يُدخِلنا في اليأس، من خلال “رشّ الكِلس” على قبورنا المظلمة في هذه الحياة، بل لِنَستعِض عنها بِــ”رَشَّة مِلحٍ يسوعيّة”، أي بما يُعطي حياتنا معنىً ورجاءً وفَرحًا. فلنُردِّد إخوتي، اسمَ الربّ “يسوع” على مسامِعنا وعلى مسامِع الآخَرين، لأنّ اسمه قادر على إعطائنا الفَرح والسّلام.

في الختام، أتمنى لكم، زمن قيامة مجيدة، وأدعوكم إلى “رشّ المِلح” في محيطكم. وها نحن اليوم مجتمعون لنفرح وإيّاكم، صارِخين مع “دِيسْماس”: “أذكرنا يا ربّ، متى أتيت في ملكوتك”.
المسيح قام، حقًّا قام.
 
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.
Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp