[blank h=”20″]
[/blank]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
بالقداس الإلهيّ لأجل الراقدين على رجاء القيامة،
في كنيسة مار أنطونيوس الكبير المارونيّة – ملبورن، استراليا.
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
عظة القدّاس الإلهيّ،
المونسنيور ايمانويل صقر – خادم الرعيّة،
[/column]
[divider type=”1″]
[/divider]
[column width=”1/1″ last=”true” title=”” title_type=”single” animation=”none” implicit=”true”]
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
“من هو العبد الأمين الحكيم؟” (مّتى 24/ 45)
إخوتي، هذا الأحد هو الأحد الرابع من زمن الصّليب المقدّس، الزّمن الأخير من السنة اللّيتورجيّة الطقسيّة. يبدأ هذا الزَّمن في الرابع عشر من شهر أيلول، وينتهي مع نهاية شهر تشرين الأوّل، فنستعدَّ في بداية شهر تشرين الثّاني لافتتاح سنة ليتورجيّة جديدة. ويأتي زمن الصّليب المقدَّس في نهاية السَّنة الطقسيّة أي بعد أن تكون الكنيسة قد احتفلت بقيامة الربّ يسوع من بين الأموات وصعوده إلى السّماء، وبعد أن تكون قد احتفلت بزمن العنصرة، زمن حلول الرّوح القدس. في هذا الزّمن سبعة آحاد، ونسمع في كلّ أحدٍ منها إنجيلاً يدفعنا إلى السّهر واليقظة والاستعداد لملاقاة الربّ في مجيئه الثّاني. فكلّ الأناجيل الّتي تُتلى في هذا الزّمن تدفعنا إلى الاستعداد للموت، أي لعبورنا من هذه الفانية واتِّحادنا مع الله في الملكوت.
وفي هذا الأحد الرابع من زمن الصّليب المقدّس، يطرح الربّ يسوع علينا السؤال: “مَن هو العبد الأمين الحكيم؟”، وفي سؤاله هذا، دعوةٌ لنا لعيش الأمانة والحكمة كما أنّه يُشكِّل دعوةً لنكون “هذا العبد الأمين الحكيم”، وقد أعطانا الربّ يسوع هذا المثل ليشرح لنا من خلاله صفات العبد الأمين الحكيم الّذي يبحث عنه.
في هذا النّص الإنجيليّ، أعطانا يسوع صورةً عن عبدَين: الأوّل يرفض العمل، أمّا العبد الثّاني فهو عبدٌ نشيط، يُعطي الطّعام في حينه لرفاقه، وينتظر عودة سيِّده لينال منه المكافأة على عمله الصّالح هذا. إنّ الربّ يسوع أعطانا هذه الصّورة عن العبد الأمين طالبًا مِنّا الاستعداد للقائه في اليوم الأخير، وأن نكون أمناء على العطايا الّتي وَهبنا إيّاها الربّ. وهنا يُطرَح علينا السؤال: هل نحن حقًا نملك المقدرة على أن نكون أمناء على تلك العطايا، فنتصرّف بها بحكمة؟ ولكنّ السؤال هو: ما هو الكنز الثمين الّذي ائتمننا عليه الربّ يسوع؟
لكي نتمكّن من عيش الأمانة، علينا أن نُدرِك أوّلاً مفهوم الأمانة: إنّ الأمانة تدلّ على وجود صاحب خيراتٍ قد أَودَعَها للآخرين. إنّ الربّ هو صاحب الخيرات الفيّاضة، وها هو يدعونا إلى مشاركته فيها. حين يستودعنا أحدٌ ممتلكاته، فإنّه يتوّقع منّا عيش الأمانة والمحافظة على ما أودعناه، لأنّه سيأتي يومٌ يستردّ أمانته منّا. إنّ الأمانة الأكبر الّتي منحنا إيّاها الربّ يسوع هي ذواتنا أي حياتنا، فحياتنا هي هبةٌ منه.
ولكنّ السؤال الّذي يُطرَح: “من هو العبد الأمين الحكيم الّذي سيتمكّن من المحافظة على نعمة الحياة، تلك الهبة الّتي زرعها الله في داخله؟ عسى أن نكون ذلك العبد الأمين الحكيم الّذي سيقف أمام الربّ في اليوم الأخير قائلاً له: هاكَ يا سيّدُ، حياتي، هذه الأمانة الّتي سلّمتني إيّاها، فإليك أردّها بعد أن سَعَيْتُ بكلّ طاقاتي للمحافظة عليها في هذه الحياة. إذًا، إنَّ أعظم أمانة منحنا إيّاها الله هي عطيّة الحياة، ليعبِّر لنا من خلالها عن رغبته في أن نكون شُركاء له في الحياة، ولذا على كلّ مؤمن المحافظة على حياته.
إنّ الربّ يمنحنا الحياة في كنف عائلة، لأنّه يُدرِك حاجتنا للرعاية، ولذا هو يمنحنا آباء وأمّهات، يُمثِّلون حضوره معنا، هو مَصدَر كلّ العطايا، فيسكب الوالد والوالدة في قلوبنا حبّهما، لنتمكّن أن ننمو في الحياة، ونصبح شركاء بِدَورنا في نعمة الحياة. إنّ الآباء والأمّهات هم أهمّ الأشخاص الّذين يمنحنا إيّاهم الربّ: إذ عاشوا حياة “العبد الأمين الحكيم”، حين التقوا وتزوّجوا، وحين رزَقهم الله البنين في سنِّي زواجهم الأولى. حين يحصل الأهل على عطيّة الله لهم، عطيّة الحياة، فإنّهم يُدرِكون حينها سرّ الله الـمُتجلّي لهم في بيوتهم، سرّ الحياة، لذا ينكبّون على الاهتمام بها ورعايتها.
إذًا، الأمانة الأولى الّتي يُسلِّمها الله للأهل هي مسؤوليّة الاهتمام بأطفالهم. إذًا، السؤال الّذي يُطرَح علينا: “مَن هو العبد الأمين الحكيم الّذي سينجح في المحافظة على أمانة الحياة الّتي أُعطيت له في أبنائه دُون تعريض الأطفال إلى المخاطر والمشاكل؟”. إنّ نموّ تلك الحياة في داخل البيت، نموّ الأطفال، يؤدّي إلى نمّو شراكة الحبّ بين الأهل لتشمل الأبناء: فينمو الأبناء من خلال الحبّ الّذي يجدونه فاعلاً بين الأهل، إذ يسعى كلّ واحدٍ منهم إلى بذل حياته في سبيل الآخر.
أحبّائي، فلنُصلِّ اليوم بشكل خاصّ من أجل كلّ الأمّهات والآباء الّذين ائتمنهم الله على أمانة عظيمة جدًّا هي الأبناء، تلك الحياة التّي تنمو بالتربية وتنضج في الحياة، فيُدرِك الأبناء بدورهم أهميّة عطيّة الحياة الّتي نالوها من الربّ فيشتركوا مع الآخرين في تلك النِّعمة. ومن هنا يظهر دور الإِخوة في الاهتمام ببعضهم البعض، وفي الاشتراك في تلك النِّعمة ونموِّها بالمحبّة.
تنمو الأُخُوَّة في البيت، في جوّ من الحبّ يجمع أفراد العائلة الواحدة. إنّنا نُصادِف في حياتنا، أشخاصًا لا يعرفون معنى المحبّة وقيمتها، وذلك يعود سببه إلى تَشَوُّه مفهوم المحبّة كما عرفوها في بيوتهم. إنّ محيط الطِّفل في البيت لا يقتصر على الأب والأمّ إنّما أيضًا على الإخوة والأخوات، ونتيجة وجودهم قربه، يتمكّن الطفل من أن يُدرِك الأمانة الّتي سلّمه إيّاها الله، فيُشارِك الآخرين فيها ويشترك معهم بالحبّ. وهنا يُطرَح السؤال: “مَن هو العبد الأمين الحكيم الّذي يُعطي الّذين يلتقيهم في حياته، الطّعام في حينه؟”. إنّ الربّ يدعوني إذًا من خلال أمانة الأُخوّة إلى الشراكة مع الآخرين طالبًا منّي أن أُسخِّر كلّ طاقاتي فأتمكّن من “إعطائهم الطّعام في حينه”.
يدعونا الربّ إلى خدمة الآخرين الّذين يُحيطون بنا داخل المنزل، والّذين هم خارج المنزل أيضًا. إنّ الربّ يدعونا إلى الخروج صوب الآخر، الموجود خارج بيوتنا، لنتشارك معه الحياة والحبّ: ففي كلّ مرّةٍ نخرج من بيوتنا، ممتلئين من الحبّ، فإنّنا نسعى إلى البحث عمَّن يُشاركنا الحياة فنشاركه حياته من خلال الحبّ، فنتِّحد معه في سرّ الزواج وننمو معًا في سرّ الحياة. إنّ الربّ يأتمننا أوّلاً على حياتنا، ثمّ على حياة الآخرين، فإنّه حين يضع في طريق حياتنا أشخاصًا فإنّه يُسلِّمنا إيّاهم أمانةً فنُشارِكهم حياتهم. إنّ الربّ سيسألنا في اليوم الأخير، حين نَمثُل أمامه: “ما الّذي فعلته أيّها الزّوج/أيّتها الزّوجة لشريكك في الحياة؟ وهل تمكّنت المحبّة، الّتي عِشتموها تجاه بعضكم البعض من النّمو؟ هكذا تنمو المحبّة: إنّ المحبّة تنمو أوّلاً في داخل البيت لتتمكّن فيما بعد من الانطلاق صوب الآخر خارج المنزل، لتختار من هذا الآخر شريكًا لها في الحياة.
إذًا إنّ السؤال الّذي يُطرح: ما الّذي على المؤمن فِعله كي يكون أمينًا حقًّا على نعمة الحياة الّتي أُعطيت له؟ وهل هو حقًا أمينٌ على حياته، كي يتمكّن من عيش أمانته على حياته الآخرين بكلّ شفافيّة؟ فَمَن يريد أن يكون أمينًا على حياة الآخرين، عليه أن يكون أمينًا أوّلاً على حياته الخاصّة.
إنّ الجسد يُشكِّل الوعاء الّذي وَضَع الله فيه أمانته الأولى أي الحياة: فالإنسان يحيا من خلال الجسد في هذه الأرض الفانية، كما يتصّل مع الآخرين من خلال جسده. إنّ الله قد أعطى لهذا الجسد قُدسيّةً، على كلّ إنسان احترامها. والسؤال الّذي يُطرَح: “مَن هو العبد الأمين الحكيم” الذي يُحافظ على أمانة جسده الّتي أعطاها الله له؟ بمعنى آخر: ماذا نفعل بأجسادنا؟ هذه هي صرختنا في هذا العالم الّذي يدفع الكثيرين إلى استخدام جسده وأجساد الآخرين كسِلعة للّهو والمتعة، غير آبهين لِما للأجساد من قدسيّة.
لقد وضَع الله في أجسادنا قدسيّة الحياة: فالربّ يتجلّى للآخرين من خلال حواسنا، مستخدمًا عيوننا، أذاننا، لساننا، وأيدينا. إخوتي، إنّ أجسادنا هي أمانة من الله لنا، فلنسعَ إلى تربية ذواتنا وأبنائنا على احترام قدسيّتها، فلا نسمحنَّ لوسائل السَّمع- بصريّة، أو لوسائل التواصل الاجتماعيّ أو الإنترنيت أو غيرها من البرامج الّـتي يتمّ إدخالها إلى المدارس، بتربية أبنائنا على مفاهيم خاطئة. إنّ الله قد ائتمننا، نحن آباء وأمّهات، على تربية أولادنا وتنشئتهم على مفهوم قدسيّة الجسد واحترامه.
إنّ احترام قدسيّة الجسد يبدأ داخل البيت، إذ يتربّى الولد على ذلك المفهوم، فيحترم جسده، وأجساد الّذين حوله، ليتمكّن فيما بعد من احترام أجساد الآخرين. في الماضي، كانت أمّهاتنا يَسْهَرنَ على تهذيب ألسنتا منذ الصِّغر، لذا كُنَّ يؤدِّبْنَنا عند سماعهنَّ كلامًا بذيئًا يصدر عن شفاهنا. أمّا اليوم، فقد أصبحت الأمّهات تشكو أولادها لعدم استخدامهم هذا الكلام الفارغ البذيء، كالاخرين.
إخوتي، إنّ الربّ سيسألنا في اليوم الأخير إن كُنّا تمكّنا في هذه الحياة من المحافظة على الأمانات الّتي وَضَعها بين أيدينا. إنَّ الربّ لن يسألنا إن تمكّنا من التشبّه بالآخرين في مسيرتهم الخاطئة. إنّ الربّ سيوجّه السؤال إلينا شخصيًّا قائلاً لكلّ منّا: أكنتَ عبدًا أمينًا حكيمًا في هذه الحياة؟ وهل استخدمت حِكمتك للمحافظة على الأمانات الّـتي سلّمتك إيّاها، أم استخدمت ذكاءك للتشبّه بالآخرين في ما يرتكبون من أخطاء؟ إنّ الربّ سيسألنا عن حياتنا وعن مسيرتنا لا عن مسيرة الآخرين، فهل مسيرتنا الّتي نسلُك فيها ستُوصلنا إلى الملكوت، إلى الحياة الأبديّة مع الربّ؟ إنّ الربّ سيسألنا لا فقط عن الأمانات الّتي وضعها بين أيدينا وهي لا تزال حيّةً على هذه الأرض، بل سيسألنا أيضًا عن أحبّائنا: تلك الأمانات الّتي عبرت من هذه الفانية إلى الحياة الأبديّة. ولذا علينا أن نُصلّي لتلك الأمانات الّتي غابت عن عيوننا الأرضيّة، لأنّها أمانات سلّمنا إيّاها الربّ وسيسألنا عنها أيضًا.
إنّها لمناسبةٌ سارة جدًّا أن تنضمّ اليوم، جماعة “أذكرني في ملكوتك”، إلى رعيّتنا. تأسسّت هذه الجماعة في لبنان، وقد أصبحت موجودة في رعايا عديدة في لبنان وفي خارجه؛ هدفها الأساس: الصّلاة وذِكر كلّ الّذين انتقلوا من هذه الحياة الفانية إلى الحياة الأبديّة ليُعاينوا وجه الله القدّوس.
إنّ هذه الجماعة هي أمانةٌ وَضَعها الله بين أيدينا اليوم، في رعيّتنا، في داندينونغ، ولذا سننتشارك في السبّت الأوّل من كلّ شهر مع هذه الجماعة من أجل الصّلاة على نيّة الرّاقدين، لأنّهم أمانة الله لنا الّتي سنُحافظ عليها من خلال الصّلاة لهم عند انتقالهم من بيننا. إنّنا نؤمن أنّنا في شراكة حبٍّ مع أمواتنا وأنّ العدم لم يكن مصيرهم بل القيامة، وأنّنا من خلال أمانتنا على هذه الشراكة نُعبِّر عن إيماننا بيسوع المسيح القائم من بين الأموات. لذا في كلّ مرّة نُصلّي فيها لأمواتنا نُعبِّر عن هذه الشراكة ونجسِّدها بأجمل كلمات الحبّ. إنّ كنيسة الأرض، أي نحن الأحياء، تشترك مع كنيسة السّماء، أي تلك الّـتي تُعاين وجه الله القدّوس من خلال شركة الصّلاة والحبّ.
اليوم، أحبّائي، تدعونا كلمة الله من خلال هذا الإنجيل إلى التفكير في الأمانات الّتي سلّمنا إيّاها الله: أرواحنا وحياتنا، كما حياة الآخرين، وكيفيّة محافظتنا عليها. كما تدعونا إلى استعمال حِكمتنا لا للتشبّه بالآخرين إنّما لنشهد لحبّنا للمسيح يسوع، من الآن وإلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرّف.
[/column]
[blank h=”20″]
[/blank]