“أهميّة دور الشبيبة”
الأب المرشد ميشال عبود الكرمليّ،
يخبرون عن ولدٍ سأل أمّه في أحد الأيّام قائلاً: “مع من سألعب يا أمّاه حين يكبر رفاقي؟”. إنّ هذا الولد قد اعتقد أنّه سيبقى ولدًا وأنّ رفاقه سيكبرون وحدهم دونه.
إنّ الجماعة تنمو وتكبر، وهي بحاجة لمن يتابع المسيرة. إنّنا نؤمن أنّ جماعتنا هي في قلب الكنيسة الّتي ما زالت شابّة متجدّدة على الرغم من عمرها الّذي قد تخطّى الألفي سنة. إنّ كنيستنا ما زالت شابّة لأنّ عريسها ومؤسسها هو ابن ثلاثين سنة، وهو ما زال شابًا يضخّ في عروسه الكنيسة حيويته، وهو ما زال يضخّ فينا روح الحيويّة ويدفعنا إلى الأمام، إلى السير نحو المستقبل الّذي هو في يده فقط.
لقد قال أحد المفكرين إنّ الطفل يفكّر في الحاضر، والعجوز في الماضي أمّا الشّاب فيفكِّر في المستقبل. إنّ شبيبتنا تفكِّر في المستقبل، وهم محّط أنظار الكنيسة والعالم بأسره، هذا ما قاله البابا فرنسيس في أيّام الشبيبة العالميّة مؤخرًا، وأضاف إنّ العالم كلّه ينظر إلى الشبيبة، فإن نجحت في التفوّق، صفّق لها الجميع، وإن أخفقت أشفق عليها الجميع. إنّ شبيبتنا تصعد نحو العلى وبها تتحقّق أمال كلّ الجمعيّات الكنسيّة والإلحاديّة والعلمانيّة والدوليّة، ومن بين هذه الجمعيّات، جماعة “أذكرني في ملكوتك”. إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، هي علامة فارقة حيث تتواجد وإن لم تكن كذلك، وَجُبَ عليها الاندماج مع جمعيّات أخرى. وبالتّالي فعلى كلّ من يلتزم في هذه الجماعة أن يكون علامة فارقة، وهذا ما يعيشه شبيبة الجماعة، الّذين يشكِّلون مستقبل الجماعة وأملها.
إنّ العمل مع الشبيبة ليس بالأمر السّهل، كما يعلم الجميع، وهو يواجه صعوبات عديدة، ولذا نحن، في عملنا مع الشبيبة، نركِّز على أمرين أساسَيْن وفي غاية الأهميّة، وهما شعور الشبيبة بالانتماء، وإعطائها مرجعيّة ثابتة حقيقيّة. إنّ الشّاب اليوم لا يشعر بالانتماء، وهذا ما يبرّر انتسابه إلى عدّة جمعيّات في آنٍ، كما أنّه يعاني من نقص في المرجعيّة، إذ يستطيع أن يسافر لمدّة طويلة من دون أن يهتمّ لعائلته، وهذا ما يبرّر عدم وجود مرجعيّة ثابتة. إنّنا نريد أن نجعل من الكنيسة مرجعيّة كلّ شابٍ، لذا نقوم بإعطائه التعاليم المسيحيّة، ولكنّ المشكلة تكمن في أنّ شبابنا اليوم، لا يتمسّكون بهذه التعاليم بل يتركونها ما أن يشاهدوا على الإنترنيت أفلامًا ومشاهد مغايرة للتعاليم الصحيحة، وهذا نتيجة عدم وجود مرجعيّة يرتكز عليها الشباب. إنّنا نسعى في جماعتنا لأنّ تكون الكنيسة هي مرجعيّة كلّ شاب من شبيبة الجماعة.
والسؤال الّذي يُطرح علينا اليوم هو: من هي شبيبة “أذكرني في ملكوتك”؟ إنّها شبيبة مؤلفة من حوالي عشرين شابًا وشابةّ، تجتمع بشكلٍ شهري، وهي تشكِّل نواة لمستقبل الجماعة. أمّا السؤال الّذي يُطرح الآن فهو: لماذا يستمّر هؤلاء بالمجيء، وما الّذي يدفعهم للاستمرار بالتزامهم في الجماعة؟ إنّ الآلاف قد تبعوا يسوع في مسيرته الأرضيّة غير أن الّذين أكملوا المسيرة معه حتّى أقدام الصليب هم قلائل، وهنا نذكر ما وعد به يسوع تلاميذه: “أنتم الّذين ثبتم معي في مِحَني، أوصي لكم بالملكوت”. إن هذه الشبيبة، شبيبة “أذكرني في ملكوتك”، هي على حسب قول الإنجيل الحجارة الحيّة الّتي تبني الجماعة والكنيسة مستقبلها عليها، فإن كان البنيان ضعيفًا فسوف يُهدم عند أوّل صعوبة، أمّا إن كان البناء جيّدًا وصالحًا فلن تتمكّن أيّة صعوبة من هدمه، غير أنّه في بعض الأحيان قد يكون الأساس صالحًا، غير أنّ الحجارة لا تكون كذلك، لذا يسقط البناء عند أوّل صعوبة، على الرغم من بقاء الأساس صامدًا. إنّنا نعمل مع الشبيبة وفق البرنامج التّالي: إنّنا نجتمع بشكلٍ شهري، واجتماعاتنا تتمحور حول مواضيع تنشئة مسيحيّة مختلفة متنوعة تتضمّن مواضيع كتابيّة، وتعاليم الآباء، وتعاليم الكنيسة الجامعة. إنّ هذه الشبيبة أيضًا تعيش، في قلب جماعتنا، الرّوح المسكونيّة، إذ إنّ أعضاءها ينتمون إلى كنائس مختلفة، وهم بالتّالي يكتشفون معًا غنى الكنيسة الّذي يكمن في الاختلافات وليس في الخلافات. كما أنّ هذه الشبيبة تعيش الرّوح الجماعيّة فيما بينها، هذه الرّوح الّتي نفتقدها في عالمنا اليوم، وهذا ما نراه جليًا في العائلات إذ إنّ لكلّ شخصٍ من أفراد العائلة ما يلزمه لكي يعيش منعزلاً عن بقيّة أفراد العائلة فعلى سبيل المثال، نرى أنّ لكلّ فردٍ من العائلة تلفازه الخاصّ الّذي لا يتشارك مع الآخرين فيه. إنّ البابا فرنسيس يشجّع الشبيبة على عيش روح الجماعة، وإلى نبذ الفرديّة، وهنا نتذّكر قول القدّيس يوحنّا الصليب الّذي يقول في هذا المضمار، إنّ الجمرة الّتي تشتعل وحدها لا تلبث أن تنطفئ. إن شبيبتنا لن تشعر بالخجل من عيش انتمائها ضمن مجتمعها عندما ترى أنّ شبيبة أخرى تعيش الانتماء نفسه.
إن شبيبتنا، أسوةً ببقيّة الشبيبة في لبنان، أقامت لقاءً عامًّا ضمّ أعضاءها، وذلك في الثالث عشر من تشرين الثاني من السنة الماضية، وكان ذلك في دير الكرمليّات في الفنار. ولم يكن العدد يومًا معيارًا لنجاح أيّ عمل رسوليّ، فإنّنا نشكر الله كلّ حين على الشبيبة الّتي شاركت في هذا اللّقاء، فهي قد حضرت لتسمع شهادات الحياة، وتستمع لتعاليم الكنيسة، وتتشارك في حلقات حوار، كما نحن فاعلون اليوم. مع هذه الشبيبة، بدأنا التأسيس، وهي تشكِّل اليوم نواةً في جماعتنا، ونحن نطمح إلى الانطلاق صوب الرعايا، في مرحلةٍ لاحقة، لأنّ الشاب يسمع من الشاب، وبالتّالي تتحوّل هذه الشبيبة النّواة إلى شبيبة رسل في قلب رعاياهم ومجتمعاتهم، وفيهم ينطبق القول بأن شجرة واحدة تعطي أعواد كبريت كثيرة، غير أن عود كبريت كافٍ لإشعال غابة بأسرها. إنّ هذه الشبيبة قادرة على إشعال نار وحرق أمورٍ كثيرة ترفضها، وعندما تتمكّن هذه الشبيبة من إشعال النّار يتمّ فيها قول المسيح القائل إنّه جاء ليشعل نارًا في هذه الأرض، وما أشدّ رغبته أن تكون قد اشتعلت.
إنّ العديد من الشباب الّذين انتقلوا من بيننا إلى السّماء، قد يكونون السبب في وجود العديد من بينكم معنا اليوم في هذا اللّقاء، وفي هذه الجماعة. إنّ هؤلاء الشباب الّذين غادرونا هم شفعاؤنا، صحيح أنّهم لم يستطيعوا أن يُكملوا مسيرة هذه الحياة معنا، لكنّنا نحن أهلهم، ونحن مستمّرون في هذه الحياة، لذا علينا أن نصلّي لهم، لأنّنا نؤمن بالحياة. وبما أنّنا نؤمن بالحياة، نحن نعلم أنّ هذه الجماعة هي من الله.
وهنا أوّد ان أختم بقصّة غالبًا ما يخبرنا بها البابا بندكتوس في أحاديثه مع الصحافيّين، وهي أنّه في أحد الأيّام، رآه أحد الكهنة الشباب وسأله عن سبب انشغال تفكيره الدائم، فأجابه قداسة البابا بأنّ رعاية الكنيسة هي همّه الكبير وهي محطّ تفكيره الدائم، عندها اعترضه الكاهن الشاب قائلاً لقداسته، أن يكفّ عن التفكير في همّ رعاية الكنيسة لأنّ الكنيسة ليست له، أي ملكيّة خاصّة، إنّما هي للمسيح الّذي هو مؤسِّسها وهو الكفيل برعايتها. هكذا هو الأمر بالنسبة لنا، فإن جماعتنا هي لله وهو الّذي يهتّم بها ويرعاها.
ملاحظة: دوِّنت الكلمة بأمانةٍ من قبلنا.