عظة الأب أنطوان خليل،
دير مار يوسف- المتين.
ليست مجرّد جماعة تصّلي للراقدين،
إخوتي وأخواتي،
نحن لم نلتقِ اليوم، لنحتفلَ بذكرى السنوات الثلاث على تأسيس جماعة “أذكرني في ملكوتك” في رعيّة دير مار يوسف فحسب، إنّما أيضًا لنحتفلَ بمرور عشر سنوات على تأسيس هذه الجماعة في لبنان، والّتي انتشرت خارج لبنان بطريقة سريعة ومضطرمة. إنّ هذا الانتشار الواسع للجماعة يستند إلى روحانيّة متميّزة وخاصّة، إضافةً إلى أشخاص آمنوا برسالتها وقد قدّموا في سبيلها التضحيات وسهروا على انتشارها. فشكرًا لجماعة “أذكرني في ملكوتك”، كما نبارك للجماعة بمولودها الجديد ألا وهو كتيّب الصلوات من أجل الراقدين. إنّ هذا الكتيّب هو كتيّب روحيّ ليتورجيّ، لاهوتيّ ورعائيّ، يصلح لخدمة جماعة “أذكرني في ملكوتك” كما يصلح للأخويات، في مرافقة أحبّائنا في لحظاتهم الأخيرة: في ساعات النِّزاع وعند إغماض عيونهم عن هذه الدنيا. إنّ هذا الكتيّب يساعدنا في اختيار من الصّلوات ما يتناسب وانتقال إخوتنا الأحبّاء إلى بيت الآب، إذ قد نقف عاجزين عن معرفة اختيار ما يتلاءم من الصلوات مع هذه الحالات. إنّه كتيّب ذو أهميّة بالغة، وضروريٌّ تواجده مع الكهنة، ومع كلّ إنسان يرافق المنازعين المشرفين على الموت، ومع كلّ إنسان يصلّي للراقدين أكانت جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أم أي منظّمة كنسيّة أخرى.
إخوتي، نحن اليوم، نحتفل بمرور ثلاث سنوات على تأسيس جماعة “أذكرني في ملكوتك”، في دير مار يوسف المتين. وفي هذه المناسبة أوّد أن أشكر كلّ السيّدات اللّواتي ساهمنَ في تأسيس هذه الجماعة في رعيّتنا. بارك الله جهودكم جميعًا معلمّاتٍ وأهالي ومؤمنين ملتزمين في الرّعية.
بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيس الجماعة، يجد الإنسان ضرورة لتقييم العمل الّذي قام به في هذه الفترة من خلال هذه الجماعة، فيعرف مدى التّطور الّذي أحرزه في حياته الشخصيّة على مستوى إيمانه بالرّبّ، ويرى ما الجديد الّذي قدّمته له هذه الجماعة وتأثيرها على نموّ علاقته بالرّبّ يسوع.
“أذكرني في ملكوتك”، هي صرخة توبة تلفّظ بها لصّ اليمين على الصّليب، سائلاً الرّبّ يسوع المصلوب أن يحقِّق له هذه الأمنية. إذًا، في كلّ تعبير عن توبة لله، نعبّر عن شوق قلبنا أن يذكرنا الرّبّ في ملكوته، طالبين الغفران عن كلّ ما ارتكبناه من خطايا وإهمال في حياتنا. كما نسأل الرّب في كلّ مرّةٍ نتوب إليه، أن يعلّمنا المسامحة فنتسامح مع الله أوّلاً، ومن ثمّ مع الآخرين، وأخيرًا مع الذّات، فنتمكّن من العيش في سلامٍ داخليّ مبنيّ على رجائنا بالحياة الأبديّة. فالإنسان الّذي لا يؤمن بقيامة الرّبّ، ولا يترجّى الحياة الأبديّة، لا يجد ضرورةً للتوبة، ولا أن يسأل الرّب أن يذكره في ملكوته، ولا تتسللّ إلى فكره مسألة العقاب والثواب في الحياة الثانية، إذ إنّ الرّب سيحاسبنا في تلك الحياة على الأعمال الصّالحة وغير الصّالحة الّتي قمنا بها على هذه الأرض. وهذا ما يجد له تفسيرًا في المقولة السائدة في مجتمعنا أنّ كلّ إنسان عندما يغادر هذ الفانية لن يأخذ معه إلاّ أعماله الصّالحة. إذًا، إنّ توبتنا وتفكيرنا بالحياة الثانية والسّعي لها هما يُعبِّران عن إيماننا بالرّبّ يسوع وقيامته من بين الأموات. قبل قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات، عاش سرّ الفداء، إذ حمل صليبه وسار في طريق الجلجلة، وبالتّالي فقد تحمّل الآلام، وعاش صعوبات كثيرة. إنّ ما عاشه يسوع يخلق في داخلنا الرّجاء حين نمّر بصعوبات، ونحن لا محالة، سوف نمرّ بصعوباتٍ والآمٍ كثيرة وسنحمل صلباننا ونموت، قبل أن نصل إلى القيامة. لذا على الإنسان أن يصبر حين تعترضه الصعوبات، وأن يتمسّك بإيمانه بالرّبّ يسوع وبرجائه بالحياة الثانية. فإن تَمَسَّكنا بإيماننا، فإنّه سيقوّينا ويطرد عنّا اليأس، والتساؤل حول جدوى إيماننا بالله.
إخوتي، استنادًا لتقييمنا لمسيرة السنوات الثلاث لهذه الجماعة في دير مار يوسف المتين، نجد أنّ لها أهميّة كبرى في رعيّتنا، إذ إنّ الرعيّة قد تشرّبت روحانيّتها. وإنّ مَن يُقيّم مسيرة هذه الجماعة في لبنان، ويرى مدى انتشارها وتوسّعها في داخل الوطن وخارجه، يُدرِك أنّه لولا الرّوح القدس وعمله في المنتمين إلى هذه الجماعة وتجاوبهم مع إلهاماته، لما تمكّنت من قطع كلّ تلك المسافات البعيدة: فهذه الجماعة متواجدة في لبنان من شماله إلى جنوبه، ساحلاً وجبلاً وبقاعًا، كما أنّها متواجدة في بلدان عديدة في بلاد الانتشار. كلّ ذلك يدّل على روحانيّة الجماعة المتّجسّدة في أعضائها، والّتي تدّل على عمل الله فيها.
إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، ليست مجرّد جماعة تصّلي للراقدين من بيننا إذ إنّها تؤمن بأنّهم سيقومون كما قام الرّبّ يسوع والذي هو باكورة الراقدين؛ بل تتخطّى ذلك لتساعد المؤمنين في مجاهدتهم في هذه الحياة ليتمكّنوا من الحصول على الحياة الثانية حين انتقالهم من هذه الفانية.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.