ما معنى أنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله؟،

عظة الأبّ عبدو مسلّم – رعيّة مار ضوميط – عين الخرّوبة.

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

اليوم نعيش نعمة كبيرة، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على انطلاقة جماعة “اُذكرني في ملكوتك”.في رعيّتنا كُنّا في مثل هذا اليوم مُجتمعين مع هذه العائلة لنحتفل بالعيد الكبير، زمن التجسّد. وكانت في ذلك اليوم لحظة لقاء، لحظة فرح، لحظة اكتشاف جمال الإنسان في بُعده الإلهيّ. لأنّني عندما أريد أنظر إلى الأشخاص الذين سبقوني إلى ملكوت الله، علّي أن أنظر في الوقت نفسه إلى ذاتي وإلى داخلي لأكتشف هذا الجمال الذي خلقني الربّ فيه، لأنّ للإنسان جمال مميّز يبدأ باكتشافه عندما يبدأ بالتأمّل والإصغاء، ولا يمكنه أن يكتشفه إلّا إذا تمكّن من أن يتعرّى من كلّ مغتنيات العالم التي يتعلّق بها، عندئذٍ يستطيع أن يدخل إلى جماله الإنساني ويكتشفه ببعده الإلهيّ وبكل أبعاد الجمال…وكم يكون الإنسان رائعًا في فعل الخَلِقْ، لأنّ الله خلقه على صورته ومثاله!.

ما معنى أنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله؟…هذا يعني أنّ الإنسان مخلوق على صورة الله حتّى بإنسانيّته، وبفعل الخَلِقْ الذي قام به الله، أصبح الإنسان قادرًا أن يتواصل مع الله، ويشاركه بألوهيّته. وعندما نقول إنّ الإنسان قادر على أن يشارك الله في ألوهيّته، فهذا يعني أنّ الإنسان، بفعل الخلق: “هو إنسان مقدّس”، ولديه قدسيّة، ولكنه أضاعها في الخطيئة التي دخلت حياته الشخصيّة. فالقُدسيّة التي يكون الإنسان موجودًا فيها،كلٌّ مِنّا بحاجة لعيشها واكتشافها…وكي نكتشفها علينا أن ننظر إلى القدّوس، الذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم، الذي هو الربّ يسوع المسيح. فعندما أريد أن أنظر إلى جمالي، عليّ أن أنظر إلى جمال الإنسان الذي اختاره الربّ. فالربّ اختار البشريّة والإنسانيّة، حتّى يفتدي البشريّة بالبشريّة، وتَجسّد من أجل البشريّة بإنسان، فأصبح الربّ يسوع المسيح هو الإله الكامل والإنسان الكامل.
إذا نظرنا إلى الربّ يسوع المسيح وتساءلنا: كيف عاش؟. رأينا أنّه وُلد بفرح في مغارة فقيرًا وعُريانًا، وكلّ الملائكة والملوك والرعاة من أقاصي الأرض أتوا ليمجّدوا الطفل الموجود في المغارة، لأنّ جمال الله موجود في هذا الإنسان القائم بيننا، وعندما يغتني الإنسان يبدأ بفقدان إنسانيّته وجمالها. فإذا نظرنا إلى الإنسان الذي سبقنا إلى الملكوت، وجدنا أنَّه لم يأخذ معه أيّ شيء من الممتلكات والأموال التي جمعها على الأرض، وإنّما أخذ ذاته، فدخل فقيرًا إلى الملكوت لأنّه يغتني بالبُعد الإلهيّ والبصمة الإلهيّة الموجودة فيه…

عاش الربّ يسوع المسيح في مسيرته على الأرض بعطاءٍ مستمرّ، وغمر كلّ من يقصده بالعطف والرحمة والغفران، وبإنسانيّته بكلّ أبعادها. فنرى أنّ البشريّة تبعت الربّ يسوع المسيح، لأنّه يعطيها ما ينقصنا اليوم…فما ينقصنا اليوم في مجتمعنا وعائلاتنا هو أن يقف الإنسان إلى جنب أخيه الإنسان، ويعطيه كامل إنسانيّته. فعندما يقدّم الإنسان كامل إنسانيّته، يبتدئ الفرح الإلهيّ بالتجسّد في قلب البشريّة. فيمكن أن نرى البُعد الّذي يصل إليه الإنسان بجماله الإنسانيّ من خلال معرفة ما كان يفعله المسيح، وهو على الصليب… فالله افتدى البشريّة من خلال إنسان صُلب على الصليب. الإنسان إذًا، بجماله قادر أن يفتدي أخاه الإنسان، وعندما ينتقل الإنسان إلى ملكوت الله يكمل رسالة الفداء مع الرّب يسوع المسيح…فالقدّيسون الموجودون اليوم في السماء يتشفّعون ويصلّون، لأنّهم يعيشون إنسانيّتهم بكمالها، ببعدها الإلهيّ في قلب الله، لذلك أصبحوا قادرين أن يتشفّعوا للبشريّة جمعاء ويخلّصوها من عمق الخطيئة.
فالأشخاص الذين سبقونا إلى ملكوت السماوات، مِن المؤكّد أنّهم بحاجة إلى صلواتنا إذا كانوا موجودين في (المطهر)، ولكن إذا كانوا موجودين في السماء فهم بدورهم يعلّموننا أن نتوب توبة جذريّة. وعندما نصل إلى اللحظة التي نتعرّى فيها من الجسد، ندخل إلى عمق المحبّة، وهنا تكمن إنسانيّتنا، وهذا هو جمالنا.

 

ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp