تأمّل روحيّ،

الأب ميشال عبود الكرمليّ،

مَثل الابن الضّال،

في الأحد الرابع من زمن الصّوم، نتأمّل في مَثل الابنِ الضّال. أعطى يسوع هذا المثَل لا لِيُظهِر أفعال الابن وارتداده، إنّما لِيُظهر حنانَ الآب، وعَطشَه للنّفوس الضائعة، وليشجِّعنا على العودة إلى الله على الرّغم من خطايانا.

لقد قرّر الابن الضّال أن يرثَ أباه قَبْلَ وفاته، لذا جمَعَ بسرعةٍ كلَّ ما يملُك، وسافر إلى بلادٍ بعيدةٍ. هذه هي الخطيئة: أن يقوم الإنسان بعملٍ ما بسرعة بعيدًا عن نظر الله، فتكونَ نتيجةُ عملِه هذا، العيشَ في غربةٍ عن الله، وعن ذاتِه وعن المجتمع. لقد بدّد هذا الابن في عيشةِ إسرافٍ كلَّ ما جمعَهُ مِن بيت أبيه، في هذه البلاد البعيدة. إنّ الحياة هي نعمةٌ وعطيّة مِنَ الله لنا، لذا لا يجب التفريط بها، كما فَعَلَ الابنُ الضّال. وعندما أنفق كلَّ ما يملُك، أُرسِل الابن لرعاية الخنازير، أي أنّ حريّته قد سُلبَت منه. وفي حياة هذا الابن الضّال، نرى تطبيقًا حياتيًّا لقول الربّ يسوع في الإنجيل، إنّ مَن يرتكب الخطيئة يُصبِح عبدًا لها. لقد جاع هذا الابن واشتهى أن يأكل من الخرنوب الّذي كانت الخنازير تأكله، ولكنّ أحدًا لم يُعطِه مِنه. إنّ الله هو الوحيد الّذي يهتمّ بنا، ويُعطينا كلَّ ما نحتاج إليه، فَهوَ القائل في الكتاب إنّه وإن نَسِيَت المرأة رضيعها، فهو لا يستطيع أن ينسى أبناءه البشر.

حين قرّر الابن العودة إلى بيت أبيه، لم يكن أبوه وَحُبُّه له محورَ تفكيرِه، بل كان بطنُه هو الدافع لِـِحثِّه على العودة، إذ فكّرَ في الحصول على الخبز المتوفِّر في بيت أبيه، والّذي يحصل عليه العبيد في بيت أبيه دون أيّ جُهدٍ. لقد فكّرَ الابن في العودة إلى بيت أبيه، ليستغلّ حنان َوالده، ويحصل مِن مائدته على الخبز الّذي كان يبحث عنه. عندَ رؤيته مِن بَعيدٍ لابنه العائد إلى البيت، أسرع الأبُ لملاقاتِه، وقد قبَّلَه طويلاً على عنُقِه. في هذا المثَل، أراد يسوع أن يَحثَّ المؤمنين للعودة إلى الله الآب الّذي ينتظر بشوقٍ عودتَنا إليه، نحن أبناءَه، ليُفيض علينا حنانه. في هذا المثَل، لم يهتمّ الأبُ لقذارة ابنه الآتي إليه مِن رعاية الخنازير، ولم يطلب منه الاستحمام قَبْلَ معانقتِه، بل أقبلَ إليه مسرعًا وقَبَّلَهُ طويلاً، وبالتّالي فإنّ الأبَ لم يَخَف من الاتِّساخ. إنّ خطايانا لا تُنَجِّس الله، بل إنّ الله يُحوِّلها إلى وسيلةٍ لقداستِنا، لذا على المؤمِن ألّا يخاف من العودة إلى الله والاقتراب مِنهُ بخطاياه وبضعفه. في هذا المثَل، عانق الأبُ ابنَه العائد مِنَ الغربة، وَمَنَحهُ الحياة، وقَبَّلَه طويلاً، وأَلبَسَهُ حُلَّةً جديدة.

إنّ هذا الـمَثَل يدعو كلَّ منَ اتَّسخ ثوبُ عمادِه، إلى الاقتراب مِن جديدٍ إلى الله، لأنّ في لمسَتِهِ تجديدًا لحياة المؤمِن مِن خلال سرّ التوبة. وعندما يعيش المؤمِنُ توبتَه الحقيقيّة يُدرِك الآية القائلة: “ابني هذا كان ميتًا، فعاش”. فالتّوبة هي ولادة المؤمِن مِن رَحِمِ الله الّذي يلِدُنا للحياة في كلّ لحظة من لحظات حياتِنا، له المجدُ إلى الأبد. آمين. 

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp