نحن نُكمل مسيرة الإيمان الّتي بدأها الانبياء والرّسل والقدّيسون،
عظة للأب عبود عبود الكرمليّ – دير يسوع الملك- زوق مصبح.
باسم الآب، والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
المسيح قام!
إنّه لأمرٌ طبيعيّ في حياتنا البشرية، أن نعاني من الصعوبات، لأنّ كلّ واحدٍ منّا له تفكيره وآراؤه ومشاعره الخاصّة به. ولكن في الوقت نفسه، إنّ إيماننا الّذي نستمده من يسوع المسيح وقيامته هو الّذي يعطينا القوّة لنكمل مسيرة حياتنا.
في الأحد المنصرم، قرأت الكنيسة على مسامعنا انجيل تلميذي عمّاوس: كان هذان التّلميذان يسيران على الطريق وقد التحق يسوع بهما. إنّ سَيرَ يسوع مع التّلميذين هو دليلٌ واضحٌ على أنّ الله من خلال ابنه يسوع لا يتركنا وحدنا أبدًا. إنّ الأهل يتركون أولادهم الصّغار يمشون وحدهم لفترة معيّنة غير أنّهم يراقبونهم عن بُعد فمتّى تعرّضَ الأبناء للخطر، أسرع الأهل لنجدتهم. فإن كنّا نحن البشر نعامل أولادنا بتلك الطريقة ولا نتركهم وحدهم، فكم بالحريّ الله الّذي أحبّنا وخلقنا، وضحّى لأجلنا بابنه على الصّليب! لقد أخذ الله عاهاتنا وأوجاعنا وآلامنا، وأعطانا بالمقابل الفرح والسّلام والسعادة. من خلال هذا الانجيل، يقول الله لنا إنّه دائمًا بقربنا ولن يتركنا أبدًا. أمّا من خلال انجيل اليوم، فندرك أنّ يسوع، الّذي هو خبز الحياة والّذي نستمدّه من الافخارستيا، يسكن في قلوبنا، لذا لا يجب أن نَدَعَ مشاعرنا وأحاسيسنا هي الّتي تُسيِّرنا بل علينا أن نسعى كي ندمج بين القلب والفكر فنكوِّن فكرة ناضجة تعطينا نورًا لكيلا نسير حسب رغباتنا.
سار يسوع مع التّلميذين، وفسّر لهما الكتب المقدّسة أي العهد القديم، الّذي يتضمن الشريعة وكتب الانبياء، والعهد الجديد. وهنا أوّد أن أشجّع لقاءات تفسير الكتاب المقدّس الّتي تقام بشكلٍ دوري في مركز جماعة: “اُذكرني في ملكوتك”. في عالمنا اليوم، لقد وصل الشعب إلى مرحلةٍ ترك فيها الكتاب المقدّس ونَسِيَه، وبخاصّة العهد القديم. فكما أنّنا نُكمل مسيرة الحياة الّتي بدأها أهلنا كذلك، نحن نُكمل مسيرة الإيمان الّتي بدأها الانبياء والرّسل والقدّيسون الّذين سبقونا أمّا نحن فما زلنا نسير في هذه الحياة والّتي حتمًا ستُوصِلنا إلى الحياة الأبديّة بفضل إيماننا.
في انجيل اليوم نقرأ: “أرنا آيةً لنؤمن بك! ماذا تقدِر أن تعمل؟ آباؤنا أكلوا المنَّ في البريّة، كما جاء في الكتاب: “أعطاهم خبزًا من السّماء ليأكلوا”. فأجابهم يسوع:” الحقَّ الحقَّ أقول لكم: ما أعطاكم موسى الخبز من السّماء. أبي وحده يعطيكم الخبز الحقيقيّ من السّماء.”(يوحنّا6/30-32). نحن دائمًا نرمز بالخبز الحقيقيّ إلى الافخارستيا، حيث الخبز يتحوّل إلى جسد المسيح، والخمر إلى دمّ المسيح، إنّه المسيح بالذات، هذا هو إيماننا. كم نحن محظوظون إذ أنّه عندما نشارك بالقدّاس ونتناول جسد المسيح ودمه، يدخل المسيح إلى حياتنا. إنّه الخبز الحقيقيّ الّذي يعطينا الاندفاع والحياة ويقيمنا من اليأس ومن البُغض وعدم الرّجاء، وبخاصّة نحن الّذين ننتمي إلى هذه الجماعة الّتي تقيم الصلوات من أجل أمواتنا، ونتذكرّهم في كلّ قدّاس. في كلّ يوم أحد، نأخذ نفحةً من الرّجاء ونشعر بالأمان إذ أنّ أمواتنا الّذين سبقونا، قد تناولوا كلمة الله أي الانجيل والرسائل، واغتذوا من جسد المسيح ودمّه. إنّ هذا الرابط بيننا وبين أمواتنا يبقى من خلال الصلاة والذبيحة الإلهيّة. هل هناك أجمل من هذا الأمر؟! لا أعتقد أنّ هناك أجمل من ذلك بأن ينال الانسان الله في حياته الداخليّة.
لذلك نحن في هذه الذبيحة الإلهيّة، الّتي نقيمها من أجل راحة أنفس جميع أمواتنا الراقدين، نصلّي لكي يكون لدينا رجاء وإيمان بأن هناك قيامة، كما نصلّي كي نكون مستّعدين لتلك الّلحظة الّتي لا نعرفها، حين يطلبنا السيّد أي المسيح، فلنسعَ كي نكون مستّعدين وفرحين للقائه مع الّذين سبقونا. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.