محاضرة للأب ميشال عبود الكرمليّ،

من المرشدين الروحيّين لجماعتنا الرسوليّة.

“وإنّي أقول لكم سرًّا: إنّنا لا نموت جميعًا بل نَتبدّل جميعًا” (1 كور 15: 51-57)

بِاسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

نَشكُرُكَ يا ربّ على كُلِّ نِعمةٍ تَمنحُنا إيّاها. نَشكُرُكَ على هذا الوقتِ الّذي نَجتمِعُ فيه معًا. نَشكُرُكَ على جماعةِ “أُذكرني في مَلَكوتِكَ” الّتي تَضعُ الرَّجاءَ في قلوبِنا، من خلالِ رسالِتها. نَطلُبُ مِنكَ، يا ربّ، أن تُرسِلَ إلينا روحَكَ القدُّوس الّذي ألهَمَ كُتَّابَك الرُّوحيِّين، فيُساعدَنا على فَهمِ الكَلِمةِ الّتي دَوَّنوها لنا في الكِتابِ المقدَّس، ونَتمكَّنَ مِن عَيشِ الإيمانِ والرَّجاءِ في حياتِنا، لكَ المجدُ إلى الأبد، آمين.

إنَّ موضوعَ تأمُّلِنا اليومَ هو مِن رسالةِ القدِّيسِ بولس الأُولى إلى أهلِ كورنثوس. سَوف نَبدأُ بِقراءةِ النَّص، لِنَتمكَّنَ مِن اكتشافِ المعنى الرُّوحيِّ الّذي يَتضمَّنُه. 

النصّ الإنجيليّ:

“وإِنِّي أَقولُ لَكُم سِرًّا: إِنَّنا لا نَموتُ جَميعًا، بل نَتَبدَّلُ جَميعًا، في لَحْظَةٍ وطَرْفةِ عَين، عِندَ النَّفْخِ في البُوقِ الأَخير. لِأَنَّه سيُنفَخُ في البُوق، فيَقومُ الأَمواتُ غَيرَ فاسِدِين ونَحنُ نَتَبَدَّلُ. فلا بُدَّ لِهٰذا الكائِنِ الفاسِدِ أَن يَلبَسَ ما ليسَ بِفاسِدٍ، ولِهٰذا الكائِنِ الفاني أَن يَلبَسَ الخُلود. ومَتى لَبِسَ هٰذا الكائِنُ الفاسِدُ ما ليسَ بِفاسِدٍ، ولَبِسَ الخُلودَ هٰذا الكائِنُ الفاني، حينَئذٍ يَتِمُّ قَولُ الكِتاب: “قدِ ٱبتَلَعَ النَّصْرُ المَوت”. فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟ إنَّ شَوكَةَ المَوتِ هيَ الخَطيئة، وقُوَّةَ الخَطيئَةِ هيَ الشَّريعة. فالشُّكرُ للّهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! فكونوا إِذًا، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، ثابِتينَ راسِخِين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمِينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبّ.”

التأمّل في النّص الإنجيليّ:

بعدَ قراءتِنا هذا النَّصِّ، نَطرحُ السُّؤالَ: ألّا يوجَدُ موضوعٌ روحيٌّ آخرُ لِنَتأمَّلَ به، فتَفرَحَ به قلوبُنا؟! لِم لا نتأمَّلُ بِمَوضوعٍ أكثرَ سلاسةً وذاتَ نَكهَةٍ روحيّةٍ جميلةٍ، نَستَطيعُ أن نَعيشَه في حياتِنا اليوميّة؟! ألا تكفي المآسي الّتي يراها الإنسانُ في حياتِه اليوميّة، والّتي تُتعِبُ قلبَه: حرائقُ وغَرَقٌ، قَصفٌ ودمار! إخوتي، إنَّ كلَّ مُؤمِنٍ يَصبو إلى الملكوتِ ويَسيرُ نحوَه، لا بُدَّ له مِن القِيامِ بِهذهِ الوَقفةِ. إنَّ المسيحيَّ يَتكلَّمُ على الموتِ بِعَقلانيّةٍ وروحانيّةٍ: بِعقلانيّةٍ، إذ يعترفُ أنَّ الموتَ هو أمرٌ طبيعيٌّ، فالإنسانُ مَهما علا شأنُه في المجتمعِ أو صَغُر، لا بُدَّ له مِن مواجهةِ هذه الحقيقة؛ وبِرُوحانيّةٍ، إذ يَتحلّى بالرَّجاءِ المسيحيِّ الّذي يَدفعُه إلى الإيمانِ بالحياةِ الأبديّة.

في هذا النَّصِّ الّذي نتأمَّلُ به اليَوم، يَكشِفُ لنا القدِّيسُ بولس عن سِرٍّ إلهيّ، مِن شأنِه أن يُغيِّرَ نَظرَتَنا إلى الموتِ والحياة، وهو الرَّجاء. من خلالِ هذا الرَّجاءِ، يُدرِك المؤمنُ أنَّ الموتَ لا يُشكِّلُ نِهايةَ كُلِّ شيءٍ، إنّما هو نُقطةُ تَحوُّلٍ إلى حياةٍ أبديّةٍ مَليئةٍ بالـمَجد. بِحَسبِ قَولِ القدِّيس بولس، يرتَكِزُ رجاؤنا المسيحيِّ على قيامةِ الربِّ يسوعَ المسيح. إنّ هذا الرَّجاءَ هو دعوةٌ لنا لِنَعيشَ الإيمانَ والثِّقةَ بِوَعدِ اللهِ لنا.

إنّ ما قَصَدَه بولسُ الرَّسولُ في كلامِه عن التَحوُّلِ مِن الفَسادِ إلى عدمِ الفَسادِ، هو أنَّ لا شيءَ باقٍ على هذه الأرض: فَكَما أنَّ الطَّعامَ يَفسُدُ، كذلك أيضًا جَسدُ الإنسان. عندما يَكونُ الإنسانُ حيًّا على هذه الأرضِ، نَقولُ: جاءَ فُلانٌ وذَهبَ فُلانٌ؛ أمّا عندما يَموتُ، فنَقولُ: جاءتِ الجُثَّةُ وأُخِذَتِ الجُثَّة. إنَّ أمواتَنا الّذينَ سَبَقونا إلى الحياةِ الثّانيةِ قد انتَقلوا إلى رحمةِ الله، وَهُم الآن يَعيشون في حِضنِه؛ أمَّا نحنُ الّذينَ لا نزالُ على هذهِ الأرض، فَيتوجَّبُ علينا اختيارُ طريقةِ عَيشِنا على هذه الأرض، الّتي مِن شأنها أن تُساعدَنا في الوصولِ إلى الملكوت. هنا، تَظهرُ أهميّةُ جماعةِ “أُذكرني في ملكوتِكَ” الّتي شجَّعَتْ المؤمِنِينَ على الصّلاةِ مِن أجل الرَّاقدين، لأنّ الصّلاةَ تَعودُ بالنَّفعِ، أوّلاً على الّذينَ يتلونَها. إنَّ الصّلاةَ تُساعدُ الإنسانَ على تَغييرِ نَظرتِه إلى الحياة، فَيُدرِكُ مِن خلالِها أنّه آتٍ إلى هذه الحياةِ مَرَّةً واحدةً، فيَعمَلُ وكأنَّه سَوف يَموتُ غدًا، ويَعيشُ وكأنَّه باقٍ إلى الأبد. إنَّ إدراكَ المؤمِنِ هذهِ الحقيقةِ تَخلقُ في داخلِه الحماسَ للعَملِ بِطَريقةٍ أفضلَ، كما تَدفعُه إلى عَدمِ التعلُّقِ بالأمورِ الدُّنيويّةِ، لأنّه يَعلَمُ أنَّ كلَّ عَملٍ يَقومُ به هو عَطيَّةٌ من الله، فيُحقِّقُ مِن خِلالِه الدَّعوةَ الّتي دُعِيَ إليها. في هذا الإطارِ، يَقولُ لنا القدِّيسُ يوحنَّا الذَّهبيُّ الفَمّ: “الله يُغيِّرُ طبيعتَنا، كما يُغيِّر الشِّتاءُ إلى ربيع، دونَ أن يَفقدَ شيئًا مِن عظمتِه”، ويُرفِقُ هذا الكلامَ بِمَثلٍ عن الشَّجرة الّتي تَتغيّرُ عَبرَ الفُصولِ، فهي تَفقدُ أوراقَها، ثُمّ تَعودُ الأوراقُ إلى النُّموِّ مجددًّا، قَبلَ أن تُعطي ثمرًا. هذا ما أخبَرَنا به سِفرُ الرُّؤيا، وما شدَّدَ عليه القدِّيسُ أوغسطينوس في كلامِه، عندما قالَ لنا: “الموتُ هو بابُ العبورِ إلى حياةٍ أبديّةٍ حيثُ لا ألمَ ولا حُزنَ”. عندما يَتَحقَّقُ هذا التَّحوُّلُ في داخلِنا، نَكتَشِفُ قُدرةَ اللهِ وعَظمتَه، فنُعبِّرُ عن هذا الاكتشافِ بالقَولِ: تَمجَّدَ اللهُ في مخلوقاتِه.

“فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟(1 كور 15: 55). إنّها صرخةُ انتصارٍ، يُطلِقُها بولسُ الرَّسول، فيُؤكِّدُ لنا مِن خلالِها أنَّ المسيحَ قد قامَ حقًّا مِن بَينِ الأموات، وأنَّ قيامتَه قد أزالَتْ كُلَّ سُلطةِ الخطيئةِ والموتِ على الإنسان. قَبلَ المسيح، كانَت أبوابُ السَّماءِ مُغلَقةً أمامَ البَشر، وهذا ما يؤكِّدُه لنا كلامُ الربِّ يسوع إلى نيقوديموس، إذ يَقولُ له: “فما مِن أحدٍ يَصعدُ إلى السَّماءِ إلّا الّذي نَزِلَ مِن السَّماء وهو ابنُ الإنسان” (يو 3: 13). ولكنْ، هُنا نَطرحُ السُّؤالَ النّابعَ مِن حِشريَّتنا: كيفَ يُمكِنُنا أن نَتأكَّدَ مِن وجودِ السَّماءِ والحياةِ الثّانيةِ بَعد الموت؟ أوًّلاً: إنَّ إنجيلَنا هو الّذي يؤكِّدُ لنا ذلك! ثانيًا: القدِّيسون، مِن خِلالِ الأعاجيبِ الّتي قاموا بها بَعدَ مَوتِهم الأرضيّ، يؤكِّدونَ لنا وُجودَهم في حَضرةِ الربِّ، الّذي قالَ: “الحقَّ الحقَّ أقولُ لَكُم: مَن آمنَ بي يَعملُ هو أيضًا الأعمالَ الَّتي أعمَلُها أنا، بل يَعملُ أعظمَ مِنها”(يو 14: 12). يَقولُ لنا القدِّيسُ غريغوريوس النِّيصيّ:”المسيحُ حوَّلَ الموتَ مِن نهايةٍ إلى بدايةٍ جديدة”، فالإنسانُ المؤمِنُ سَوفَ يَعبُرُ إلى الحياةِ الثّانية. مِن خلال رسائلِه، أخبَرَ بولسُ الرَّسولُ المؤمِنِينَ أنَّ المسيحَ قد قَهرَ الموتَ بِقيامتِه مِن بَينِ الأمواتِ ليُعطِيَهم الحياةَ الأبديّة.

عندما يَعيشُ المؤمِنُ بالربّ هذا الإيمانَ وهذا الرَّجاءَ في حياتِه اليوميّة، سيَنتَصرُ على كلِّ الصُّعوباتِ والتَّحديّاتِ الّتي تُواجِهُه ويُحوِّلُها إلى فُرَصٍ للنُّموِ الرُّوحيّ. هنا، نَتذكَّرُ قَولَ بولسَ الرَّسول: “وأرى أنَّ آلامَ الزَّمنِ الحاضرِ لا تُعادلُ المجدَ الّذي سيَتَجلَّى فينا” (رو8: 18). إنّ القدِّيسَ أوغسطينوس قد وَضعَ لائحةً بالأمورِ الّتي تُعرقِلُ مَسيرَتَنا الأرضيّةَ، ثمّ يُضِيفُ قائلاً لنا إنّنا لن نَنالَ ما نَتمنّاه في هذه الأرضِ، لأنَّه لا يُوجَدُ فيها لا الفرحُ الدّائمُ ولا السَّلامُ الدَّائمُ، كما أنّها لن تَمنحَنا ملائكةً على هَيئةِ بَشرٍ ليُحيطوا بنا. في حياتِنا الأرضيَّةِ، نحن نَعيشُ مَثَلَ “القَمحِ والزُّؤان” الّذي أعطاه يسوعُ في الإنجيل، فـ”القَمحُ” و”الزُّؤان” سيَعيشان إلى جانبِ بَعضِهما البعضِ على هذه الأرضِ، ولن نَتمكَّنَ من فَرزِهما إلّا في يومِ الحصادِ الّذي فيه ستتجلَّى عَظمةُ القَمح. إنَّ الرَّجاءَ يَمنحُنا القوَّةَ لِنَسيرَ إلى الأمامِ، فالرَّجاءُ ليسَ مجرَّدَ فِكرةٍ جميلةٍ تَرِدُ إلى أذهانِنا، بل هو اختبارٌ عميقٌ لِحُبِّ الله. هنا، نَتذكَّرُ ما قالَتْهُ القدِّيسةُ تريزيا الطِّفلِ يسوع، قَبلَ أن تُسلِمَ الرُّوحَ: “أنا لا أموتُ أبدًا، بل أَدخُلُ الحياة”. مِن خِلالِ الاختباراتِ الّتي عاشَها المؤمِنون الـمُشرِفون على الموتِ، نتأكَّد من أنَّ الحياةَ بَعد الموتِ موجودةٌ، إذ إنّهم يُخبرونَنا عن مُشاهدتِهم لِمَكانٍ في غايةِ الجمالِ سَيَنطلقونَ إليه عندما يحينُ وقتُ رَحيلِهم عن هذه الأرض. إنَّ العَقلَ البشريَّ يَقِفُ عاجزًا عن تَفسيرِ هذا الاختبارِ الّذي يَعيشُه المؤمِنون قُبَيلَ انتقالِهم من هذه الأرضِ، ولكنَّ إنجيلَنا المقدَّسَ يَستطيعُ ذلك، فَهو يوكِّدُ لنا وجودَ الحياةِ الأبديّة. إنَّ القِدِّيسَ فرنسيس الأسِّيزي يَقولُ لنا:”إنَّ الّذي يَثِقُ باللّهِ، لا يَخافُ مِن شيءٍ، حتَّى مِن الموت”. 

إنّ ثَقةَ المؤمِنِ باللّهِ يجبُ أن تَكونَ مُشابِهةً لِثِقَةَ الطِّفلِ بِوَالدَيه، فالطِّفلُ لا يُعارِضُ والِدَيه في أيِّ شيءٍ يَطلبانِه منه، لأنّه يَعلمُ أنّهما يَقومان بِكُلِّ ما هو صالحٌ له. وبالتَّالي، إذا كُنَّا، نحنُ الأهلَ الأرضيّين نسعى إلى ما هو أفضلُ لأبنائِنا، فَكم بالحَريِّ الآبُ السَّماويّ! هذا ما عبَّرَ عنه الربُّ يسوعُ في الإنجيل، حينَ قالَ لنا: “فإِذا كُنتُمْ أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَنْ تُعْطُوا العَطايا الصَّالِحَةَ لأَبنائِكُم، فما أَولى أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات بِأَن يُعْطِيَ ما هو صالِحٌ لِلَّذينَ يَسأَلونَه!” (متى 7: 11). بالنِّسبةِ إلى القدِّيسِ أمبروسيوس، الرَّجاءُ هو “جسرٌ يَعبُرُ بِنا مِن اليأسِ إلى الفَرح”. عِندَ موتِ أحدِ أحبّائِه، يُصابُ الإنسانُ باليأسِ، ولكنْ عليهِ أن يَتذكَّرَ دائمًا أنَّ هذا الشَّخصَ الّذي انتقلَ مِن هذه الحياةِ قد ذَهَبَ إلى الملكوتِ حيثُ الأفراحُ الأبديّة.  

إنّ الرَّجاءَ المسيحيَّ يُعاشُ بالإيمانِ والعملِ، وهو يَمنحُ الإنسانَ دافعًا لمواجهةِ الصُّعوباتِ الّتي تعتَرِضُ حياتَه. إنَّ الإنسانَ الرِّياضيَّ هو مِثالٌ لنا في عَيشِ الرَّجاءِ، فهو يَنكَبُّ على ممارسةِ التَّمارينِ الرِّياضيّةِ لأنّه يَطمحُ إلى الوصولِ إلى الـمَرتبةِ الأُولى في السِّباقِ، وبالتّالي إلى الحصولِ على الجائزةِ الكُبرى. كذلك المؤمِنُ، فَهو مدعوُّ إلى عَيشِ الرَّجاءِ في حياتِه اليَوميّةِ ليَتَمكَّنَ مِن الوصولِ إلى الحياةِ الأبديّة. ولكنْ، ما يُميِّزُ المؤمِنُ عن الرِّياضيِّ هو أنَّ هذا الأخيرَ يَقومُ بالتَّدريباتِ الرِّياضيةِ اللَّازمةِ استعدادًا للسِّباقِ المحدَّدِ زمنيًّا؛ أمّا المؤمِنُ فهو لا يَعرفُ متى تَقرعُ التَّحدّياتُ والصُّعوباتُ بابَه، لذا عَلَيه أن يكونَ مُستَعدًّا على الدَّوامِ لمواجَهَتِها. عند عودتِه مِن العملِ إلى بَيتِه، التقى سِمعانُ القَيروانيُّ بِمَوكِبِ يسوعَ المتَّجهِ نحوَ أورشليمَ للصَّلبِ، فسُخِّرَ سِمعانُ لِمساندةِ يسوعَ في حَملِ الصَّليب، في حينِ أنَّ جُلَّ ما كان يَطلبُه في هذا الوقتِ بالتَّحديدِ هو الوصولُ إلى مَنزلِه للاستراحةِ وتَناوُلِ الطَّعامِ، بعدَ يَومٍ شَّاقٍ أمضاهُ في العمل. إنَّ الألم َيَعتَرضُ حياتَنا في أوقاتٍ لا نَعرفُها وظُروفٍ لا نَتوَّقعُها، كالموتِ والـمَرضِ والحوادثِ، لذا عَلينا البقاءُ في جهوزيّةٍ تامَّةٍ لمواجَهَتِه والتَّغلبِ عليه. 

على الإنسانِ أن يَصنعَ الخَيرَ على الدَّوامِ، فيَكونَ على مِثالِ الزَّارع الّذي خَرجَ لِيَرميَ البُذورَ في الأرضِ، كما يَقولُ لنا الإنجيل. إنَّ عَملَ الخَيرِ لا يَموتُ، وكذلك الصّلاة. إنَّ الـمَثلَ الشَّعبيّ يَقولُ: “افعَل الخَير وارمِهِ في البَحر”، أمَّا نَحنُ فنَقولُ: “إفعَلِ الخيرَ وَضَعْهُ في “قُجَّة” السَّماء”. إنَّ كُلَّ عملٍ نَقومُ به على هذه الأرضِ يُعبِّرُ عن موتٍ وعن حياةٍ في آنٍ معًا، وقد فسَّر لنا الربُّ يسوعُ هذا الأمرَ مِن خلالِ إنجيلِ حبَّةِ القَمحِ، قائلاً: “إنّ حبّةَ الحنطةِ إنْ لم تَقَعْ في الأرضِ وتَمُتْ، تبقَ واحدةً. وإنْ ماتَتْ أعطَت ثِمارًا كثيرة” (يو 12: 24). هذه هي الحياةُ الأبديّةُ الّتي تَنتظرُنا في السَّماء!

إنَّ كُلَّ إنسانٍ يَثقُ باللّه، يَحمِلُ في داخلِه نورًا لا يَنطَفِئ أبدًا. إنّ الرَّجاءَ يَجعلُ الحياةَ الإنسانيّةَ مليئةً بالـمَعاني.كي نَتمَكَّن مِن عَيشِ الرَّجاءِ في حياتِنا اليوميّة، علينا:

أوَّلاً: بالصّلاةِ اليَوميّة: إنَّ الإسفنجةَ غيرَ الـمُبَلَّلةِ تَنكَمِشُ على ذاتِها، أمّا عندما تَتبلَّلُ تُصبحُ على استعدادٍ لتَلَقِّي المزيدِ من الماء. إنَّ طبيعَتَنا البَشَريّةَ هي طبيعةٌ مُعَدَّةٌ لاستقبالِ كَلِمةِ الله. لذا، إذا دَفعتكُم همومُ الحياة ومَصاعِبُها إلى الابتعادِ عن الله، واجِهوها مِن خلالِ الوقوفِ في حضرةِ الربِّ للصّلاةِ، أقلَّه خمسَ دقائقَ يوميًّا، وعِندَها ستَنجَحونَ في الانتصارِ عليها وتتجدَّدون روحيًّا. فكَيفَ إذا قدَّمُتُم مَزيدًا مِن الوقتِ لله، مِن خلالِ المشاركةِ في القُدَّاسِ أو القيامِ بِتَأمُّلٍ إنجيليّ؟!

ثانيًا: بالانكبابِ على قراءةِ الكِتابِ المقدَّس: إنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُساعدُنا على فَهمِ معنى الحياةِ أكثر، فَهو “الخريطةُ الّتي تقودُنا نَحوَ السَّماء”. إنْ أرادَ أحدٌ زيارَتَنا، نُسارِعْ إلى إرسالِ خريطةِ الطَّريقِ GPS الّتي تُساعدُه في الوصولِ إلى مكانِ تَواجُدِنا. أمَّا أنا، فأطلبُ إرفاقَ خريطةِ الطَّريقِ، بِرِسالةٍ صَوتيّةٍ بِهَدفِ مساعدتي في الوصولِ بِطَريقةٍ أسرعَ إلى المكانِ المنشودِ. مَن يقرأُ الكِتابَ المقدَّسَ، على أساسِ أنَّه “الشَّريعة”، كما يَقولُ لنا بولسُ الرَّسول، فيتشدَّدُ في تَطبيقِه في حياتِه، يُحوِّلُ الكِتابَ المقدَّسَ إلى نِيرٍ ثَقيلٍ مُلقًى على أكتافِه، فيَنفُرُ منه. في يومٍ من الأيّامِ، قرّرَّ رَجلٌ مساعَدَةَ صَديقِه الـمُدَخِّن في التَّوقُّفِ عن التَّدخين، فأرسلَ إليه مجموعةً مِنَ الكُتبِ الَّتي تتناوَلُ مَضارَّ التَّدخين. وعندما قام المدخِّنُ بقراءةِ هذه الكُتُبِ، اتَّخذَ قرارًا لا بالتَّوقُّفِ عن التَّدخينِ إنّما بالتَّوقفِ عن القراءة. يَرفُضُ البَعضُ قراءةَ الكِتابِ المقدَّسِ لأنَّه يُشكِّلُ مَصَدَرَ إزعاجٍ لهم، فَكلمةُ اللهِ هي نورٌ وحقٌّ، لذا هي تُزعِجُ كلَّ مَن يَعيشُ في الظَّلام. وهنا نتذكَّرُ الـمَثَلَ القائلَ:”أيهّا الحقُّ، لم تَترُكْ لي صاحبًا!”.

ثالثًا: بخدمةِ الآخَرين: إنَّ الخِدمَةَ، على أنواعِها وأشكالِها، تَمنحُ الإنسانَ الّذي يُمارسُها فَرحًا. في هذا الإطارِ، يقولُ لنا القِدِّيسُ بولس: “مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أعمال 20: 35). إنَّ الإنسانَ يُدرِكُ، في مرحلةٍ مُعَيَّنةٍ من حياتِه، أنَّ الحياةَ لَيسَت لَه، لذا يقومُ بالمبادرةِ إلى العطاءِ لا إلى الأخذِ، وبِهذا يتحقَّقُ فيه الـمَثلُ الّذي أعطاهُ الربُّ يسوعُ في الإنجيلِ، عن الشَّجرةِ الّتي جاءَ مالِكُها يَطلُبُ مِنها ثمرًا فَلَم يجدْ، فقرَّرَ حِراثتَها لِمُدَّةِ سَنةٍ إضافيّةٍ، قَبلَ أن يَقطَعَها إنْ لم تُعطِه ثَمرًا. هناك عِدَّةُ طرقٍ يستطيعُ فيها  الإنسانُ إعطاءَ ذاتَه للآخَرين: أوَّلاً: مِن خلالِ الزَّواج، فالإنسانُ يُعطي ذاتَه لأولادِه، كما يستطيعُ خِدمةَ الآخَرين في الوقتِ الّذي يَفيضُ عنه. فالمتزَّوجون يُشبِهون الأشجارَ الّتي تُعطي ثَمرًا، فيأكلُ مِنها صاحبُها، ثمَّ يُعطي ما يَفيضُ عنه من ثِمارِها للآخَرين. ثانيًا: من خلالِ الحياةِ المكرَّسةِ، أي الحياةِ الرُّهبانيّةِ أو الكَهنوتيّةِ: إنّ الّذين يُكرِّسون ذواتِهم للربّ، يُمضُون حياتَهم في خِدمةِ الآخَرين، وهُم بِذَلك يُشبهونَ الأشجارَ الّتي يَتِمُّ تَضمينُها. ثالثًا: مِن خلالِ اختيارِ طريقٍ آخرَ، غيرِ الزّواجِ أو الحياةِ المكرَّسة، فيَقومُ هؤلاء بِتَكريسِ ذواتِهم لِخدمةِ الآخَرين في كلِّ المجالاتِ المتاحةِ لَهم. إنّ أمثالَ هؤلاء يُشبهونَ الأشجارَ الّـتي لا يملِكُها أحدٌ ولم يَقُمْ أحدٌ بِضَمنها، ولكنّها على الرُّغم من ذلك تُعطي ثِمارًا فيأكلُ منها كُلُّ مَن يرغبُ بِذَلك. إنَّ الإنسانَ الّذي يُمضي حياتَه لا في الأخذِ فقط، بل في العطاءِ أيضًا، يَعيشُ في فَرَحٍ دائم. 

هنا، أودُّ الإشارةَ إلى أنّ الّذين لا يستطيعونَ تقديمَ أمورٍ خارجيّةٍ للآخَرين لأسبابٍ خارجةٍ عن إرادتهِم، يستطيعون استبدالَ عطائِهم هذا بالصّلاةِ على نيّةِ جميعِ العَامِلين في حقولِ الخِدمةِ الإنسانيّةِ، فيُساهمونَ من خلالِ صلواتهِم في نجاحِ هؤلاء في إتمامِ المهمَّاتِ الموكولةِ إليهم. إنَّ القدِّيسَ شربلَ هو خيرُ مِثالٍ على ذلك، فهو لم يَكُن يومًا طبيبًا، ولا مهندِسًا ولا مُعلِّمًا ولا مبشِّرًا، بل كان ناسِكًا. وكذلكَ القدِّيسةُ تريزيا الطِّفل يسوع، فَهي لم تَتَمكَّنْ مِن تقديمِ أمورٍ خارجيّةٍ للآخَرين، فقامَتْ باستبدالِ عطائِها الخارجيِّ بالصّلاةِ مِن أجلِ كُلِّ مَن هُم في حاجةٍ لِصلاتِها. هذه هي ميزةُ القدِّيسِين! فَهُم قاموا بِتَقديمِ ذواتِهم بِكُليَّتِها للربّ، وتَقديمِ ذواتِهم للآخَرين مِن خلالِ الصّلاةِ لَهم.

“فالشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!” (1 كور 15: 57): من خلالِ هذه الآيةِ، يُخبرُنا بولسُ الرَّسولُ عن أهميّةِ التَّسبيح! إنَّ التَّسبيحَ هو اللُّغةُ الّتي يُعبِّرُ المؤمِنُ من خلالهِا عن رَجائِه الحقيقيِّ بالله. وفي هذه الآيةِ، يَشكرُ بولسُ الرَّسولُ اللهَ على كُلِّ عطاياه الّتي أفاضَها على المؤمِنِين. إنَّ الإنسانَ الّذي يُبادِرُ إلى الشُّكرِ، هو إنسانٌ يُقدِّرُ العطايا الّتي حَصلَ عليها، لذا هو يُبادِرُ إلى تَكرارِ ما حَدَث معه، من خلالِ العَطاءِ أكثرَ مِنَ الأخذِ، ما يَخلقُ فيه حيويّةً دائمةً قاتِلاً بِذَلِكَ كُلَّ يأسٍ ناتِجٍ عن التَّقوقعِ على الذَّات. إنَّ اهتمامَ الإنسانِ المتألِّمِ يَكونُ موجَّهًا دائمًا نحو مَكانِ ألَمِه؛ وهُنا نَطرحُ السُّؤالَ على كُلِّ متألِّمٍ: هل هذا الألمُ الّذي تُعاني منه يُشكِّلُ خَطرًا على حياتِك أم لا؟ وإذا كان وَجعُكَ يُشكِّلُ خَطَرًا على حياتِك، ما هي سُبُلُ معالَجةِ هذا الألم؟ أمَّا إذا لَم يَكن هذا الألمُ يُشكِّلُ تهديدًا لحَياتِك، فَعليكَ توجيهُ تَفكيرِك لا إلى الألمِ الّذي تُعاني منه، فَهو لن يزولَ عندَ تَفكيرِك به، بل عليكَ توجيهُ تَفكيرِك إلى مكانٍ أكثَرَ فائدةً لكَ وللآخَرين. 

إنّ هذا الكلامَ لا يُمكنُنا تَحقيقُه على المستوى الجسديّ، لأنّ الجَسَد ضَعيفٌ، إنّما يمكنُنا تحقيقُه على المستوى الرُّوحيّ: فَكَما أنَّ للإنسانِ نِقاطَ ضُعفٍ لَديه أيضًا نِقاطُ قُوَّةٍ. إنَّ الربَّ يسوعَ هو مِحورُ التَّاريخ، وهو الّذي أعطى الإنسانَ النَّصرَ على خطيئتِه، لذا على هذا الأخيرِ أن يَنموَ في معرفةِ الربِّ ومَحبَّتِه. لا يستطيعُ الإنسانُ أن يتعرَّفَ إلى الربِّ إلّا مِن خلالِ قراءتِه الإنجيل، فيَتَمكَّنَ مِن إدراكِ أهمِّ مِيزاتِ الربِّ وتَعاليمِه. ومِن أهمِّ مِيزاتِ الربِّ في الإنجيل، هي قَولُه لنا: “أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم.”(يو 10: 10). إنَّ الحياةَ أنواعٌ: الحياةُ الأرضيّة، الحياةُ السَّماويّة، الحياةُ الرُّوحيّة، الحياةُ الأخلاقيّة، الحياةُ الإجتماعيّة. إنَّ القلبَ الّذي يَستقبِلُ الربَّ يسوع، هو قلبٌ نابِضٌ بالحياة، وهذا ما عبَّرَ عنه بولسُ الرَّسولُ في قَولِه: “فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذٰلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ” (غلا 2: 20).

“فكونوا إِذًا، يا إِخوَتي الأَحِبَّاء، ثابِتينَ راسِخِين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمِينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبّ.” (1 كور 15: 58). سَوف نتَوقّفُ عِند كُلِّ عِبارةٍ من عِباراتِ هذه الآية:

“ثابِتينَ راسِخِين”: لِيَتمكَّنَ الإنسانُ مِن الانتصارِ على كُلِّ الأزماتِ الّتي تُواجِهُه، لا بُدَّ له مِنَ الثّباتِ في إيمانِه.

“مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا”: إنَّ الإنسانَ مدعوٌّ إلى تَطوير أعمالِه، ولكنْ عليه أن يَحرصَ على أن تَكونَ مُنسجمةً مع مشيئةِ الله.

“عالِمِينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدًى عِندَ الرَّبّ”: إنَّ البَشرَ لا يُقدِّرونَ الأعمالَ الصّالحةَ الّتي يَقومُ بِها الآخَرُ تُجاهَهُم، أمَّا اللهُ فلا يَنسى أيَّ عَملٍ صالحٍ يَقومُ به الإنسانُ مع أخِيه الإنسان. إنّ البَشرَ يَنسَونَ كُلَّ أعمالِكَ الصّالحةِ عِندَ أوَّلِ زَلَّةٍ تَقومُ بها تُجاهَهُم، فلا يَتَذكَّرون بَعدئذٍ إلّا عَملَكَ السَّيئ؛ أمَّا اللهُ فَليس كذلك، فَهو يَنسى كلَّ خَطاياكَ ولا يَعودُ يَتذكَّرُها عندما تَقومُ بَعملِ تَوبةٍ واحدٍ، قائلاً مِن خلالِه للربِّ:” أُذكرْني يا ربُّ، متى أتَيتَ في ملكوتِكَ”(لو 23: 42)، فيُبادِرُك الرّبُّ بالقَول:”اليَومَ تَكونُ معي في الفِردَوس”(لو 23: 43). هذا هو الفَرقُ بين الحياةِ الأرضيّةِ والحياةِ الرُّوحيّة.

في خُلاصةٍ لِكُلِّ ما تَقَدَّم: يَتناولُ القدِّيسُ بولسُ الرَّسولُ موضوعًا واحدًا في كلِّ رسالةٍ من رسائلِه. وفي هذه الرِّسالةِ الّتي تَأمَّلْنا بها اليوم، يُخبرُنا الرَّسولُ أنّ الربَّ قد أعطانا النِّعمةَ، وبالتّالي لَم نَعُد مُلزَمِين بِتطبيقِ الشَّريعة بحرفيّتِها: لأنّه حين نَعيشُ في النِّعمةِ، فإنّنا لا نُطبِّقُ الشَّريعةَ وحَسب، بل نتخطَّاها. كما يُشدِّدُ بولسُ الرَّسولُ على المؤمِنِين قائلاً لهم إنّ الهدفَ مِن قيامِهم بالأعمالِ الصّالحةِ ليسَ اكتسابَ محبّةِ اللهِ، إنّما اكتشافُها في داخلِهم. حينَ يَكتَشفُ المؤمِنُ مَحبّةَ اللهِ له، فإنّه سيُبادِرُ تِلقائيًّا إلى القيامِ بأعمالٍ صالحة. وفي هذا الإطارِ، نَتذكَّرُ نشيدَ المحبَّةِ الّذي أعطانا إيّاهُ مار بولس قائلاً:”لو تَكَلَّمتُ بِلُغاتِ النَّاسِ والمَلائِكةِ، ولَم تَكُنْ لِيَ الـمَحبَّةُ، فما أَنا إِلَّا نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ. ولَو كانَتْ لي مَوهِبةُ النُّبُوءَةِ وكُنتُ عالِمًا بِجَميعِ الأَسرارِ وبالمَعرِفَةِ كُلِّها، ولَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلُ الجِبالَ، ولَم تَكُنْ لِيَ المحبَّة، فما أَنا بِشَيءٍ. ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَقَ، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّةُ، فما يُجْديني ذٰلكَ نَفْعًا” (1 كور 13: 1-3). 

عندما أكتَشِفُ محبَّةَ اللهِ لي، أُدرِكُ أنَّ الربَّ قد خَلقَني لا لأكونَ مجرَّدَ حَفنةٍ من التُّرابِ في القَبر، إنَّما لأكونَ معَهُ في السَّماء. إنَّ السّماءَ تبدأُ مِن حياةِ الإنسانِ الأرضيّةِ، فالإنسانُ مدعوٌّ إلى تَخطِّي صعوباتِ هذه الحياة ومشاكلِها ومَخاوفِها بإيمانِه الثّابتِ في الله، كي يتمكَّنَ مِن العبورِ في نهايةِ حياتِه الأرضيّةِ إلى الحياةِ الأبديّة. وفي هذا الإطارِ، يَقولُ لنا القدِّيسُ يوحنّا بولس الثّاني إنّه علينا أن نَعبُرَ من هذه الأرضِ إلى الحياةِ الأُخرى “وعيونُنا مَفتوحةٌ”. وهذا الكلامُ يؤكِّدُ لنا قُدرةَ اللهِ على تَحويلِ أجسادِنا الفانِيَةِ إلى أجسادٍ غيرِ قابلةٍ للفساد.

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp