ولنعلَمْ بأنّه لا وجود للموت، ولا للحزن مع السيّد المسيح،
- عظة للأبّ يوحنّا داوود – رعية سيّدة العناية – البوشرية.
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
في الخميس الأوّل من الشهر، نُحيي تذكار الراقدين مع جماعة “اذكرني في ملكوتك”، كذلك نفعل في كنيستنا في كلّ سبت. كما تُحيى هذه الذكرى مرتَيْن في السنة: الأولى، يوم السبت الذي يسبق مرفع اللحم، والثانية، ما قبل عيد العنصرة.
إنّنا نتساءل دائمًا، لماذا نذكر الراقدين في الذبيحة الإلهيّة وليس خارجها؟ لأنّه في الذبيحة الإلهيّة تشترك كلّ الخليقة، فكلّ الكنيسة موجودة في القدّاس، ويشترك فيه كلّ الكون: من الملائكة والأنبياء والرسل إلى القدّيسين وجميع الراقدين من آبائنا. فالمكان الصحيح لذِكر الراقدين هو الذبيحة الإلهيّة.
مع قيامة المسيح أُبْطِل الموت، فمَن يسمعْ كلمةَ الله ويؤمنْ بها ينتقل من الموت إلى الحياة: “الحقّ الحقّ أقول لكم: إن من يسمعْ كلامي ويؤمنْ بالذي أرسلني فله حياةٌ أبديةٌ، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقلَ من الموتِ إلى الحياة”(يو24:5). لذلك نحن كمسيحييّن لا نفكّر بالموت بل نفكّر بالمجد. فكلّ القدّيسين سبقونا إلى الملكوت، ونحن ننتظر هذا المجد. وكلّ مسيحيّ أمام الموت يكون في حالة رقاد وانتظار بفرح، للقاءالمسيح، ولقاء الكنيسة وكلّ من آمن بالمسيح. ولكن الأمر الوحيد الذي يُحزن الإنسان من الموت، هو كونه إنسانًا خاطئًا، وغير نادم وتائب عن خطاياه، فهذا هو ما يُخيفه مِن فكرة الموت، ويجعله يبكي على أمواته، عند انتقالهم وهم في حالة الخطيئة.
في رجائنا المسيحيّ، كلّ حياتنا المسيحيّة هي موت: عندما لا أغفر لمَن أساء أكون أمام الموت، وعندما أتعذّب من الداخل قبل أن أغفر، وأضحّي بذاتي من أجل الأشخاص الذين أحبّهم والذين أبغضهم، أكون في حالة موت، كما أنّه
عندما أترك كلّ شيء وأتبع المسيح، أكون في حالة موت…لذلك، في كلّ حياتنا المسيحيّة موت، وحياتنا انتقال دائم مِن موت إلى موت. فالموت إذًا هو موت الجسد، فحسب، وبمعموديّتنا يموت فينا إنسان الشهوات، إنسان التراب…وقد كانت حياةُ يسوع المسيح بكاملها موتًا، فقد اضطُهدَ منذ ولادته لأنّه إله، وعاش حياته في اضطهادٍ حتّى الصّليب. كما أنّ العذراء مريم كانت تموت في كلّ لحظة ترى فيها ابنَها الوحيد يتألّم ويُضطهد ويُصلب، وهنا قال لها سمعان: “وأنتِ سيجوزُ السيف في نفسِك”(لو 35:2)، فحَمَلتِ الصّليب وقبِلتِ الموت. ونحن كمسيحييّن لا يُفرض علينا الموت، وإنّما نحن الذين نختاره. فيسوع المسيح لم يُفرض عليه الموت، وإنّما اختاره بإرادته، فالموت هو القيامة. وعندما نموت عن شهواتنا ورغباتنا، فنحن نموت ونغفر ونسامح، ونطهّر ذاتنا ونقدّمها في سبيل الآخر. لذلك مَن يرفض الموت، يرفض القيامة، ومَن يقبل الموت، يقبل القيامة، فلا قيامة بدون موت. ويمكن أن نَعبُر الموت في حالتيْن: إمّا أن أعبُر الموت لوحدي، أو أن أعبُر الموت مع المسيح، فالمسيح غلبَ الموت بقيامته. ونحن المؤمنون يجب ألّا نخاف من الموت…ويقول القدّيس بولس: “أين شوكتُك يا موت، وأين غلبتُك يا جحيم؟”(1كور 55:15) وقال أيضًا: “المسيحُ أطاع حتّى الموت، موتِ الصّليب” (في 8:2)، لذلك نحن نحيا في هذه الذبيحة الإلهيّة على الأرض، ويحيا الراقدون الذين سبقونا في السّماء. فعلينا أن نذكرَ الربّ، وعندما نتناول جسد ودم المسيح في القدّاس الإلهيّ، نكون قد تناولنا والإخوة الراقدين المسيح ذاته، فنحن جسدٌ واحدٌ، والمسيح هو رأس هذا الجسد. فإذا كُنّا في الجسد أو خارج الجسد، كنّا في المسيح، فنحن كنيسة واحدة.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.