محاضرة للأب ميشال عبود الكرمليّ، 

تنشئة روحيّة حول”لاهوت الموت والقيامة”،

 “اليوم ستكون معي في الفردوس” (لو43:23)

استهلّ الأب عبّود اللّقاء بالصّلاة إلى الرّوح القدس حتّى يملأ قلبنا بالنّور ويزيّننا بالتّواضع، والشّجاعة والحكمة. ثمّ قرأ نصّ الإنجيل حيث حوار اللّصين – لصّ اليمين وقد سمّي كذلك لأنّه نال الخلاص أي الملكوت، ولصّ الشّمال- مع يسوع على الصّليب.
وبعد تلاوة النّص، تساءل الأب عبّود عمّا إذا كان بإمكان المسيح أن يموت ميتة مختلفة عن هذه، أي على الصّليب، وكان جوابه إيجاباً لأنّ المسيح سبق أن تعرّض لمحاولتي اغتيال من قبل من أرادوا رجمه، وهؤلاء الذين أرادوا دفعه من أعلى الجبل إلى الوادي؛ إلاّ أنّه مات ميتة إعدام معروفة آنذاك مع لصّين على حدّ ذكر الأناجيل كلّها. كما ذكرت كلمات المسيح السّبع على الصّليب قبل موته، كما في صلاة الأبانا سبعة طلبات، ومواهب الرّوح القدس سبع، وأسرار الكنيسة سبعة، وأيام الأسبوع سبعة كذلك.

أمّا المجرمان اللّذان كانا على الجنبين، فقد شتمه أحدهما – وكان عن يساره – وطلب منه، إن رأى واقعه كان هو حقّاً ابن اللّه أن يخلّص نفسه ويخلّصهما، أمّا اللّص الثّاني- وكان عن يمينه – فقد عرف أنّه استحقّ الموت كجزاء أرضي تبعا لعدالة الأرض؛ أي من يفعل سوءاً يُجز سوءاً، ومن يفعل خيراً يجزَ خيراً. وهنا يظهر عندنا مفهوم الموت – العقاب لمن أساء، لكنّ الله بموت ابنه يسوع الخيّر، المحبّ قلب الموازين وغيّر هذا المفهوم القديم، حتّى انّه أجزى الخاطئ أي لصّ اليمين خيراً، بعدله الخاص في السّماء، المختلف جدّ الاختلاف عن عدل النّاس على الأرض؛ إذ إنّ النّاس يعتقدن أنّ محبّة اللّه لنا تكون بإطالة عمرنا الأرضي، وننسى الملكوت، مع العلم أنّ اللّه لم يعدْنا يوماً بحياة سهلة، بل وعدنا بالسّماء: ” افرحوا، فأسماؤكم مكتوبة في السّماء “.

ثمّ ينتقل الأب ليطلعنا على ما شاركنا به يسوع في الإنسانيّة: من عذاب نفسي، إلى عذاب جسدي، إلى نكران الأصدقاء له، وافترائهم عليه، إلى شعوره بترك الرّب له، إلى موت…
كما يسترسل عبّود في الكلام عن آلام البشر، وعذابهم، وعملهم، وجهودهم التي يساوي فيها الرّب الجميع، حتى الخاطئين، فيعطيهم السّماء في اللّحظة الأخيرة، ولأنّه لم يعد الخيّرين بأكثر منها، يكافئهم والخطأة بالمكافأة نفسها. فرحمة الرّب عظيمة لعمّال السّاعة الأخيرة، وللتّائبين عن الإجرام في اللّحظة الأخيرة، ومن هذه الرّحمة نفسها، نستمدّ رجاءنا به.

أمّا عبارة: “اليوم تكون معي في الفردوس ” فتجمع بين الزّمن: “اليوم “، والمعيّة مع اللّه:” معي”، والسّماء: “الملكوت”. والزّمن يجمع الماضي والحاضر والمستقبل؛ الحاضر الإنساني بالزّمن، لا يُقبض عليه، أمّا حاضر الرّب فأبديّ لا ينتهي، لانّ الرّب حاضر ويعيش فيه، ذلك الماضي الذي يُذكّر الإنسان أبداً بماضيه، ويُحضّره للمستقبل. ولكي يعيش الإنسان لا بدّ له من العودة إلى ماضيه، لكن من دون التّوقّف عنده طويلاً؛ كما أنّنا علينا أن نتصالح مع ماضينا مهما كان صعباً ومؤذياً وأن نشكر الرّب عليه، حتَى نستطيع أن نعيش الحاضر بسلامٍ ونجاح. فهذا الماضي مهما ساء وهما حمل من شظايا جسديّة ونفسيّة ثابتة، لا بدّ من معالجتها حتّى يصطلح الحاضر.

أمّا الحاضر فهو ما يجب أن نعمل فيه ونعيشه ونقرع فيه باب السّماء، لأنّ الرّبّ أعطانا إيّاه، وجعل ماضينا تحت رحمنه. وقد جاءت كلمة ” اليوم ” في الإنجيل مراراً، طاوية صفحات الماضي، مُدوِّنة كلمات الحاضر: ” اليوم وُلد لكم مخلّص ” مع الرّعاة، ” اليوم تمّ الخلاص في هذا البيت” مع زكّا. وتبقى معضلة: ” اليوم تكون معي في الفردوس “،
و ” قام في اليوم الثّالث “، فكيف يكون ذلك؟ وهناك اجتهادات كثيرة تتساءل فيما إذا كان المسيح قد عانى عذاب جهنّم مثل النّاس، هو البريء من كلّ خطيئة، هو ” حمل اللّه “؟ هذا كلام مغلوط. ولكن الإنسانه محدود كونيّاً وفلسفيّاً، بالمكان والزّمان، ولا يمكن له أن يكون في مكانين اثنين في زمن واحد. إلاّ أن السّماء لا مكان فيها ولا زمان، وهي لا تُقاس بمقاييسنا البشرية الزّمانيّة، ولا تُدرك بمفاهيمنا الأرضيّة، وحريّ بنا أن نفهم من الإنجيل أنّ المسيح قد نزل إلى مثوى الاموات ورفع المائتين وصعد إلى السّماء.
أمّا عبارتا ” معي” و” في الفردوس” فتختصران السّماء كلّها، لأنّ هذه الأخيرة ما هي إلاّ ” معيّة اللّه”. ومن يفضّل الخلود على الأرض في الخيرات من دون عذاب، على أن يموت ليعاين وجه اللّه، فهو لا يحبّ اللّه، لأنّ من يحبّ شخصًا، يسع إلى أن يراه، شرط ألاّ يكون هذا الأخير حاكماً عليه بالظّلم، وحاضراً ليذكّره بأخطائه، وشرطيّاً يحدّ من حريّته، والله، ما هو إلاّ محبّة وغفران ورحمة. والفردوس ما هو إلاّ كلّ ما يفرح.
ويختم الأب عبّود كلامه بلزوم أن نجيد الكلام مع الله حتّى نجيد الكلام عنه، وأن الله يذيقنا السّماء في ومضات حتّى نعرف ما ينتظرنا فوق.

ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة بأمانةٍ مِنْ قِبَلِنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp