تأمّل روحيّ،
الأب ميشال عبود الكرمليّ،
مَن هو الأهمّ؟ مار شربل أم يسوع؟
إنّ كلّ مِن الكنيستَيْن الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، تؤمِن بشفاعة القدّيسين، لذا هي تكرّمهم وتكرِّم ذخائرهم، وتَقرأ كتاباتهم، وتحاول الاقتداء بهم عملاً بِقَول بولس الرسول: “اقتدوا بي، كما أنا أقتدي بالمسيح”، غير أنّها تُولي العظمة والمجد للمسيح لا للقدِّيسين.
في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة إعطاء العظمة والمجد للقدِّيسين، في قلب عالمنا المسيحيّ الكنسيّ، إذ أصبح القدِّيسون محورَ أحاديث المؤمنين وصلواتهم لا يسوع المسيح. كما لُوحِظ أيضًا إدمان البعض على زيارة الأماكن المقدَّسة أكثر من إدمانهم على زيارة القربان المقدَّس والسجود له وقراءة الانجيل. إنّ محبّة المؤمن للقدِّيس يجب أن تدفعه إلى الاقتداء به في اتّباعه للمسيح. إنّ أكبر إهانة تتوجّه للقدِّيسين، مِن قِبَل المؤمنين، هي إعطاؤهم العظمة والمجد عِوَض إعطائها للمسيح. إنّ ميزة الأب شربل الّتي جعلته قدِّيسًا في الكنيسة، هي انكبابه على الصّلاة داخل محبسته، وقراءة الانجيل والتأمُّل فيه، والسجود للقربان الأقدس. غير أنّ المؤمنين اليوم، قد تجاهلوا المسيح، الّذي هو محور حياة القدِّيس شربل، وأعطوا المجد والعظمة للقدِّيس دون المسيح.
إنّ المسيح قد قال في الإنجيل إنّ من يؤمن به يعمل الأعمال الّتي قام بها هُوَ، بل أعظم منها. إنّ مار شربل وسائر القدِّيسين قد قاموا بالمعجزات، غير أنّ المؤمِن الحقيقيّ لا يبني إيمانه على تلك الأعاجيب. إنّ المسيح قد أعطى المؤمنين الطوبى حين قال لتوما:”طوبى لمـَن آمن، ولم يَرَ”. على المؤمِن أن يُحوِّلَ محبّته للقدّيسين إلى محبّة للمسيح، فيسعى إلى الاقتداء بهم، مُنكَبًّا على قراءة الانجيل، والصلاة معهم إلى الله، والتقرّب من سرّ المناولة المقدّسة كي يتمكّن المؤمِن من النّمو في القداسة. إخوتي، لا نَسمَحَنّ للشيطان بخِداعنا حين يأتينا بثيابِ ملاكِ نورٍ فيُرينا السيئات على أنّها أمورٌ صالحة: إنّه يريد قتلنا بسُّمِه القاتل الّذي لا يقدِّمه لنا مباشرةً، إنّما بطريقةٍ غير مباشرةٍ، أي في أطعمةٍ لذيذة. إنّ الشيطان يُحاول أوّلاً إبعاد المؤمِن عن المسيح، ودفعه إلى التعلّق بالقدِّيسين، ومِنْ ثَمَّ يكتشف المؤمِن أنّ القدِّيسين ليسوا الأساس فيبتعد عنهم، وبذلك يكون المؤمِن قد وقع ضحيّة حبائل الشيطان. إنّ مقوّمات التّجربة هي إِبعاد المؤمِن أوّلاً عن المسيح ومِن ثمّ إِبعاده عن القدِّيسين، أي أنّ هدف الشيطان هو إبعاد المؤمِن عن إيمانه بالربّ.
على كلّ مؤمِن أن يُدرِك الطريق الّـتي يريد سلوكها، وأن يُحدِّد هدفه، فمَن لا يفعل ذلك، سيَجد أن كلّ الطرقات تفي بالغرَض، وسيُضيِّع الطريق الأساس. أمّا مَن أَدرَك أنّ هدفه هو الوصول إلى المسيح، فإنّه سيجد في الكنيسة طريقه، كما سيجد في القدِّيسين مثالاً له للاقتداء بالمسيح، إذ إنّ حياتهم هي شهادةٌ على إيمانهم الـمُعاش في وسطِ العالم. وبالتّالي على كلّ مؤمِن أن يقتديَ بالقدِّيسين لأنّهم اقتدوا بالمسيح، فيطبّق المؤمِن كلام بولس الرسول: “اقتدوا بي كما أنا اقتدي بالمسيح”. إنّ هدف المؤمِن هو أن يُشابه المسيح، ولذا يجد ضرورة لقراءة الانجيل، والتعرّف إلى المسيح وما قام به مِن معجزاتٍ، وما نطق به مِن أقوال فيسعى إلى عيشها، ليكون انعكاسًا لصورة المسيح في مجتمعه.
ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.