“قد مجَّدتُ، وسأُمجِّد أيضًا” يو 12: 28،
عظة الأب جوزف عبد الساتر في دير مار الياس- انطلياس.
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين
“فجاء صوتٌ مِن السَّماء يقول: “قد مجَّدتُ، وسأُمجِّد أيضًا” (يو 12: 28)
في ذكرى مرور تسع سنوات على ولادة جماعة “أذكرني في ملكوتك” في هذه الرعيّة، نسمع اليوم من خلال هذه الجماعة صوتَ الله الآب من السّماء، يدعونا إلى عيش شراكة الصّلاة مع أمواتنا الّذين سبقونا إلى بيته، ليُعِدُّوا لنا مكانًا في السّماء. إنّ الله سيذكُرنا بالطبع في ملكوته، إذ إنّنا ذَكرنا أمواتنا في صلاتنا، وصلّينا لأجل راحة نفوسهم.
في الرسالة الّـتي تُليت على مسامِعنا، يقول القدِّيس بولس لتلميذه تيموتاوس: “لقد تَبِعْتَ تعليمي، وَسِيرَتي، وَقَصْدي، وَإيماني، وأَناتي، وَمَحَبّتي، وثباتي، واضطهاداتي، وآلامي، كالّتي أصابَتْني في أَنْطاكِيَة وإِيقُونْيَةَ ولِسْتَرة، وأيَّ اضطهاداتٍ احتَمَلْتُ!”(2 طيم 3: 10- 11)، ويُضيف قائلاً: “فجميع الَّذين يريدون أن يَحيَوا بالتَقوى في المسيحِ يسوع يُضطَهَدون”(2 طيم 3: 12). إذًا، إنّ كلّ مَن يقرّر اتِّباع الربّ والسَّير في طريق التقوى، سينال نصيبه مِنَ الاضطهادات، التّي من شأنها أن تقوِّي إيمان المؤمِن، لا أن تجعله يغار من الأشرار الّذين، حسب قول بولس، “يتمادون في الشَّر مُضَلِّلينَ الآخرين، وهم أنفسهم مُضَلَّلون” (2 طيم3: 13). إنّ الربّ قد تجسَّد في أرض البشر وغلب الشَّر بالحبّ.
إنّ هذا النّص الإنجيليّ الّذي تُليَ على مسامعنا، يأتي بعد حادثة إقامة لعازر مِنَ الموت، وبعد دخول المسيح يسوع مَلِكًا إلى أورشليم. لم يتمكّن الشَّعب اليهوديّ من معرفة المسيح على الرّغم من مسيرة الله مع شعبه عبر التّاريخ وتحضيره لمجيء الربّ. في تصرّف اليهود واليونانيّن في هذا النّص، نجد تطبيقًا عمليًّا للآية الكتابيّة القائلة: “جاء إلى بيته، وما قَبِلَه أهل بيته. أمّا الّذين قبلوه، وهم الّذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله” (يو1: 11). إنّ الحبّ وحده يستطيع أن يكسر كلّ الحواجز، بدليل أنّه خرق قلوب الوثنيّين، فجاؤوا باحثين عن المبشِّر بالحبّ، ألا وهو يسوع المسيح.
لقد صلّى الربّ يسوع إلى الله أبيه قائلاً: “يا ربّ مجِّد ابنك”، فاستجاب الآب له حين سُمِع صوتٌ من السّماء يقول: “مجَّدتُ وسأُمجِّد”. مع ختام هذا الإصحاح، يُنهي الإنجيليّ يوحنّا كلامه عن مسيرة يسوع التبشيريّة في هذه الأرض، ليبدأ في الإصحاح التّالي الكلامَ عن آلام المسيح. إذًا، على كلّ مؤمِن أن يتحضَّر للصّلب والاضطهادات، إن كان يريد أن يعيش عمق المحبّة مع المسيح. إنّ اعتقاد بعض الحاضرين أنّ هذا الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ رعدٍ، هو دليلٌ على انتظارهم للمسيح، ملِكًا قويًّا، يبطش بالآخرين مُحقِّقًا طموحات الشَّعب الدُّنيويّة. أمّا الّذين اعتبروا أنّ الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ ملاكٍ، فَهذا يشير إلى أنّهم بدأوا يَتلمَّسون حقيقة الربّ. بعد سماعه هذا الصّوت، قال يسوع لجميع الحاضرين إنّ هذا الصّوت لم يكن من أجله بل من أجلهم.
“إنَّ حبّة الحنطة الّتي تقع في الأرض، إن لم تَمُت تبقى وحيدة. وإذا ماتت أخرجَتْ ثمرًا كثيرًا” (يو 12: 24)، أي أنّ على الإنسان أن يموت عن ذاته إنْ أراد أن تُثمر حياته حياةً للآخرين. ولا نقصد بالموت هنا، الموت الجسديّ، إنّما نقصد به قيام الإنسان بالتضحيات وبأعمال الحبّ تجاه الآخر، إذ لا يمكن لحياةٍ جديدة أن تنمو، دون أن تضمحلّ حياةُ آخر. إنّ الربّ يدعونا إلى الخدمة، حين يقول: “مَن أراد أن يخدمني، فليتبعني، وحيث أكون أنا، هناك يكون خادمي، ومَن خدمني أَكرَمَه أبي” ( يو 12: 26).
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.