عظمة محبة الربّ لنا ،
عظة الأب أنطوان خليل في دير مار يوسف – المتين.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
في إطار تأمُّلِنا بِسِرَّي الموت والقيامة، أودّ الانطلاق في كلمتي، مِن خبرة أحد الإخوة الّذين عاشوا مع القدِّيس بادري بيو.
في أحد الأيّام، مَرِض الأخ دانيال، وهو أخٌ وصديق للقدِّيس بيو، ولم يكن هناك أَملٌ في شِفائه، حسب قول الأطبّاء. فصلّى القدِّيس بيو، الّذي اشتهر بتقواه ومقدرته على القيام بالأعاجيب، أمام تمثال العذراء مريم من أجل صديقه، فنال القدّيس جوابًا من العذراء، مفادُه أنّ الأخ دانيال لن يموت. وعندما تلقّى القدِّيس بيو هذا الجواب من العذراء، شجَّع الأطبّاء على القيام بالعمليّة الجراحيّة لأخيه الرّاهب، ولكنَّ المفاجأة كانت وفاة الأخ أثناء العَمَليّة الجراحيّة العمليّة الجراحيّة. فأخبر الأطبّاء القدِّيس بيّو بذلك، فذهب القدِّيس للصّلاة أمام تمثال العذراء مُطالبًا إيّاها بتوضيحٍ لِما جرى، فأكدَّت له أنّ أخاه لم يَمت بل نائمٌ. وهذا ما حدث فعلاً إذ بعد مرور ساعتين على اعتقاد الأطبّاء بأنّ هذا الأخ قد توفِّي، استيقظ وأخبرهم بما رأى في أثناء سُباته، قائلاً إنّه رأى نفسه داخل نفقٍ مُظلم، وفي نهاية هذا النّفق نورٌ عظيمٌ، وكلّما اقترب منه، ازداد هذا النّور يزداد توهُّجًا. وعند وصوله إليه، اكتشف الأخ دانيال أنّ هذا النُّور في الحقيقة، هو يسوع المسيح، وقد كان الربُّ يرتدي حلَّةً بيضاء، وفي يده اليمنى مشروع الله الّذي كان قد أعدَّه للأخ دانيال في سبيل تحقيق هذا الأخ قداسته، أمّا في اليد اليُسرى، فقد كان يحمل الربّ يسوع حياةَ الأخ دانيال بما فيها من خطايا وسيِّئات. عندما رأى الأخ دانيال حياته في يد الربّ، خَجِلَ من ذاته، إذ اكتشف عظمة محبّة الربِّ له، وأدرك أنَّ مشيئة الله له كانت أن يكون هذا الأخ قدِّيسًا، غير أنّ هذا الأخ فَشِل في تحقيق قداسته. لم يتمكّن الأخ دانيال من معانقة الربّ والاتِّحاد به، إذ لا يستطيع الاتِّحاد بالربّ إلّا من كان في حالة النِّعمة أي من دون خطيئة، ولذا توجَّب على الأخ الذهاب إلى المطهر للتخلُّص من خطاياه. وعند عودته إلى هذه الأرض، سُئِل الأخ دانيال عن الفترة الزمنيّة الّتي قضاها في المطهر، فكان جوابه أنّها استمرّت لسنين طويلة مع أنّه في الحقيقة لم يَغِب عن هذا العالم الأرضيّ إلّا ساعتين فقط. لقد نوَّه هذا الأخ إلى مدى استغرابه من انقطاع صلوات الإخوة في الدَّير له وعدم ذِكرهم له في الذبائح الإلهيّة في المطهر. ويضيف الأخ دانيال قائلاً إنّه حين تقدَّم الذبائح الإلهيّة من أجل راحة نفوس الموتى المؤمِنِين، تأتي العذراء إلى المطهر لتصطحب معها إلى السّماء، كلّ النّفوس التّي أنهَت مطهرها.
إنَّ الكنيسة هي واحدة ورأسها هو يسوع المسيح، وهي تتألَّف من كنيسة مجاهدة مؤلَّفة مِنَ المؤمِنِين على هذه الأرض، ومن كنيسة المطهر الّتي تضمّ النّفوس المتألِّمة بسبب عدم مقدرتها على الدّخول إلى السّماء بسبب خطاياها، وكنيسة السّماء الّتي تضمّ الأبرار والصِّديقِين. إنَّ النّفوس المطهرية تتعذّب من جرّاء ابتعادها عن الربّ، وهي تتشوّق للُقياه في السّماء، لذا هي تضع آمالها ورجاءها في صلوات المؤمِنِين الّذين لا يزالون في هذه الأرض، لمساعدتها في التخلُّص من المطهر بسرعةٍ والانتقال إلى السّماء. إنّ القدّاس يجسِّد سرّ الفداء أي سرّ موت المسيح وقيامته مِن بين الأموات، ولذا نستطيع تخليص النّفوس المطهريّة من خلال تقديم القدّاسات من أجلها، فتتمكّن من الدّخول إلى السّماء، وتتحوّل من نفوسٍ تنتظر صلوات المؤمِنِين في هذه الأرض، إلى نفوسٍ تُصلّي للمؤمِنِين الّذين لم يتمكّنوا بعد من رؤية وجه الله وجهًا لوجه.
بعد عودة الأخ دانيال إلى هذه الحياة، قرّر تصحيح حياته والعودة إلى الله، ونجح في ذلك إذ أصبح طوباوِّيًا. لقد دُوِّنت تلك الخبرة الروحيّة ووُضعِت ضمن ملفّ تقديس الأب بادري بيّو. ولكن يجدر بنا الإشارة إلى أنّ تلك الرؤية ليست عقيدة كنسيّة بل هي مجرَّد خبرة روحيّة خاصّة، ولكنَّها تساعد المؤمِنِين على إعادة النَّظر في حياتهم وتحسينها، كما أنّها تساهم في زرع روح التّقوى في النّفوس المؤمِنة، وتحثُّها على المثابرة في الصّلاة من أجل الموتى المؤمِنِين، ليتمكّنوا من الوصول إلى السّماء. إنّ النّفوس الّتي غادرت هذه الأرض، قد سلَّمت أحبّاءها، كلّ ما تملكه من أمورٍ ماديّةٍ وهي اليوم لا تطلب مقابلاً لذلك سوى صلواتهم لها من أجل الإسراع في خلاصها. فلنُصلِّ إخوتي باستمرار للّذين انتقلوا من بيننا، ولنسأل الله أن يُرسِل إلينا مَن يُصلِّي لنا بعد انتقالنا من هذه الأرض، ويَذكُرَنا في الذبيحة الإلهيّة. وانطلاقًا من هذا الكلام، نقدِّم هذه الذبيحة الإلهيّة من أجل راحة نفوس موتى هذه الرّهبانيّة، كما نذكر أيضًا نفوس جميع الموتى المؤمِنِين وبخاصّة أولئك الّذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلّ” أذكرني في ملكوتك”، الّذي سيُقدَّم مع القرابين في هذه الذبيحة الإلهيّة.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.