“مَن أَنكرني أمام النّاس، يُنكَر أمام ملائكة الله” (لو 12: 9)
عِظة للخوري يوسف الخوري، خادم كنيسة سيّدة الخلاص- مرجبا، المتن.
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
المسيح قام، حقًا قام.
في الذكرى التاسعة لانطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك” في مرجبا، لا نزال، نحن المؤمِنِين بالربّ يسوع، أبناء هذه الرعيّة، نشهد لإيماننا به. ويأتي إنجيل اليوم، ليشجِّعنا على الاستمرار في ذلك، إذ يقول لنا إنّ مَن يعترف بالربّ أمام الآخرين، سينال مكافأةً على ذلك، إذ سيعترف به الربُّ يسوع في اليوم الأخير أمام ملائكته. عندما نُعلِن إيماننا بالربّ يسوع القائم من الموت، نُعلِن أيضًا عن إيماننا بقيامة الأموات.
إنّ صرخة لصّ اليَمين “أذكرني في ملكوتك”، هي صرخة كلّ مؤمِنٍ يرغب بالاقتراب من الله، ولكنّه يشعر بأنّ خطاياه الكثيرة، وصعوبات حياته الّتي يواجهها، تمنعه من ذلك. لم يتردّد الربّ في الإجابة على طَلَب لصّ اليَمين، إذ قال له: “اليوم تكون معي في الفردوس”، وقد حقّق الربّ وَعدَه له إذ أدخله الملكوت السماويّ. من خلال صرخة لصّ اليَمين وجواب الربّ له، يذكِّرنا الربّ أنّه حاضرٌ معنا على الدّوام لمساعدتِنا في الحصول على الملكوت، على الرّغم من خطايانا ومن صُلبان حياتنا المتعدِّدة.
إنّنا نتذّوق الملكوت السماويّ على هذه الأرض، في كلّ مرّةٍ نبادر فيها إلى محبّة الآخرين، وإلى المسامحة والغفران لكلِّ مَن يُسيء إلينا. لا يسكن ملكوت الله في وَسَطِنا إنْ كُنّا في حالةِ يأسٍ وإحباطٍ مستمرَّيْن نتيجة صعوبات الحياة الّتي تواجهنا، فملكوت الله يسكن في وَسَطِنا فقط حين نكون على يقين أنّ الله سيُحوِّل كلّ ضيقةٍ وشرٍّ نتعرَّض له لما فيه خيرُنا نحن المؤمِنِين به، وبالتّالي، علينا أن نكون في حالةِ إيمانٍ ورجاءٍ كي يكون لملكوت الله مكانٌ في حياتِنا.
لا مكانَ لملكوت الله وَسْطَ بشرٍ خائفِين ومتذمِّرين، فهو يجد له مكانًا فقط في قلوبٍ بشرٍ يُردِّدون على الدّوام: “لتكن مشيئتك يا ربّ”، على الرّغم من كلّ صعوبات حياتهم. على المؤمِنِين أن يُردِّدوا على الدّوام صرخةَ لصّ اليَمين للربّ يسوع: “أذكرني يا ربّ في ملكوتك”، ليُعبِّروا بذلك عن رغبتهم بالدّخول إلى الملكوت على الرّغم من كلّ صعوباتِ حياتهم، لأنّ التوقّف عن طلب الملكوت، دليلٌ على أنّه لم يعد هدفًا يصبو إليه المؤمِنون في هذه الحياة.
وهنا يُطرَح السؤال: كيف نستطيع، نحن المؤمِنِين بالربّ يسوع أوّلاً، والمنتَمِين إلى جماعة “أذكرني في ملكوتك” ثانيًا، تجسيد الملكوت في أرضِ البشر، أي في مجتمعنا الّذي نعيش فيه؟ إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، تسعى جاهدةً بكلّ ما أُوتِيَت من قوّة إلى إظهار ملكوت الله للآخرين. إنّ انغماس الإنسان في هموم الحياة وصعوباتها، يدفعه إلى الابتعاد عن هدفه الأساس ألا وهو السَّعي لتحقيق الملكوت.
وهنا يظهر دَور جماعة “أذكرني في ملكوتك”، في تذكير المؤمِنِين بأنّ الملكوت ليس فقط في السّماء، إنّما على الأرض أيضًا: فانتقالنا من هذه الفانية إلى الحياة الثانية، أي بالموت الجسديّ، يمنحنا فرصة الدّخول إلى الملكوت، ولكنّنا أيضًا نستطيع إحضار الملكوت إلى أرضِنا من خلال استشهادنا الأبيض، أي من خلال موتِنا اليوميّ عن الرذائل، كالأنانيّة والتفوّه بالشتائم، متسلِّحين بالصّبر على الصّعوبات بواسطة الفضائل المسيحيّة.
ليس الملكوت مكافأةً ينالها الإنسان بعد انتقاله من هذه الحياة، بل هي حقيقة ملموسة تتجسَّد في عالمنا اليوم، وهي تظهر بشكلٍ واضح في الذبيحة الإلهيّة، فَفِيها نختبر هذا الحضور الإلهيّ من خلال جسد الربّ ودمه. إنّنا نذكر أسماء موتانا في الذبيحة الإلهيّة، لأنّه فيها يشترك أهل السّماء مع أهل الأرض، كما أننا نتضرّع فيها إلى الله من أجل إخوتنا المرضى وبخاصّة الـمُشرفين على الموت. ولكن هذا لا يعني أنّ الملكوت يحضر فقط في أثناء الذبيحة الإلهيّة وحسب، إذ على أفكارنا ومشاعرنا وأعمالنا أن تكون موجّهة صوب تحقيق الملكوت على أرضِنا.
في صلاتنا إلى الله، فلنطلب منه لا أن يذكُرنا في ملكوته السماويّ وحسب، بل أن يساعدنا في تحقيق الملكوت على أرضِنا من خلال مَنحِنا الفضائل المسيحيّة، فنصبر على صعوبات الحياة الّـتي تواجهنا، ونتغلّب عليها ونكون مسيحيّين حقيقيّين شاهدِين لإيماننا بالربّ يسوع.
هذه هي الرِّسالة الّـتي أُوكِلَت بشكلٍ خاصّ إلى جماعة “أذكرني في ملكوتك”، أن تُظهر ملكوت الله على أرضِنا، وهذه الـمَهمّة تشكِّل تحديًّا لكلّ الملتزمين بها: مؤسِّسين وأعضاء وعامِلِين، لذا قد تفرّغوا للمشاركة في الذبيحة الإلهيّة والصّلاة من أجل الموتى المؤمِنِين وإظهار ملكوت الله في حياتهم اليوميّة. ونحن اليوم، جماعة “أذكرني في ملكوتك” في مرجبا، أمام هذا التحدّي الكبير، إذ إنّنا نسعى كأعضاء في هذه الجماعة إلى الشّهادة للملكوت في حياتنا اليوميّة، مُصلِّين وقائلِين: “نحن أبناء الآب، وتلاميذَ الربّ يسوع، نضع ذواتنا بين يَدَي الرّوح القدس، ليقودنا إلى حيث يشاء، فنحقِّق من خلاله عمل الله في حياتنا.
نطلب من الله أن يُحلِّ روح قُدْسِه علينا بشكل ألسنةٍ من نار، كما حلّ على التّلاميذ في العنصرة، ونطلب منه تطهيرنا من خطايانا ومن كلّ ضعفٍ بشريّ، فنُصبح شهودًا حقيقيّين ليسوع المسيح وأبناءً للملكوت. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبَلِنا.