إنَّ القيامة هي الوجه الآخر للموت،
عِظة للأب دانيال خوري، خادم رعيّة مار فوقا وعبدا – يعبدا،
باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
الله معكم أحبّائي،
يُكلِّمنا هذا النصّ الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، عن صعود الربّ يسوع إلى أورشليم، وهو بالتّالي يُهيّئنا للاحتفال بعيد الشَّعانين في نهاية هذا الأسبوع، الّذي فيه نُعلِن يسوعَ مَلِكًا على حياتنا.
في هذا المساء المبارك، نحتفل بذكرى السنّوات الخمس على انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك” في رعيّتنا، لذا سنقف على بعض النِّقاط المهمَّة في روحانيّة هذه الجماعة، الّتي تدعونا للصّلاة في الذبيحة الإلهيّة، من أجل أحبّائنا الّذين انتقلوا مِن بيننا إلى جوار الربّ.
إنّ لقاءات تمييز الدّعوات، الّتي تقيمها الإكليريكيات، تساعد الشباب الّذين يشاركون فيها، على مشاركة الآخرين اختباراتهم الخاصّة حول سماعهم لصوت الربّ يدعوهم إلى اتِّباعه، فيكتشفون معًا أنّ إلههم الخاصّ هو إلهٌ مشترك بين جميع الحاضرين، وأنّه يدعو آخرين لاتِّباعه كما يدعوهم هم. لذلك، إذًا، إنَّ أهميّة الجماعة تكمن في مساعدتها الإنسان على تمييز صوت الله.
إنّ اختبارنا، نحن الجماعة الحاضرة في هذه الذبيحة الإلهيّة، يشبه اختبار هؤلاء الشباب إذ يُشارك كلّ واحدٍ منّا الجماعةَ الـمُصلِّية الحاضرة ما اختبره مِن ألم فقدان الأعزّاء إذ يسجِّل أسماء أحبّائه الّذين غادروا هذه الفانية، طالبًا مِن المؤمِنين الحاضرين في هذه الذبيحة، مشاركته الصّلاة مِن أجل راحة نفوسهم. إنّ كلّ إنسان في هذه الأرض الفانية قد اختبر ألم فقدان عزيزٍ، ولذا فإنّ هذا الاختبار أصبح مُشتَركًا بين أعضاء الجماعة الـمُصلّية، لذا فإنّ ذِكر المؤمِن لـمَوتاه يشكِّل تعبيرًا منه عن مدى محبّته لهم، واعترافًا منه أمام الجماعة الـمُصلِّية أنّه لا يزال يذكرهم وأنّهم باقون في ذاكِرته وقلبه.
كما يعبِّر المؤمِن أيضًا في ذِكره لأمواته عن إيمانه بالحياة الأبديّة إذ يُصلّي لهم لإدراكه أنّهم لا يزالون أحياءً مع الربّ في الملكوت. لقد سُرِرتُ جدًّا حين عَلِمْتُ أنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الّتي تحثّ المؤمِنين على ذِكر أمواتهم والصّلاة لأجلهم، تحتفل بِـمِثلِ هذه القداديس في أكثر مِن رعيّةٍ في لبنان، وفي رعايا متعدِّدة في بلاد الانتشار.
إذًا، إنّ الجماعة الـمُصلّية تتشارك مع بعضِها البعض اختبارها في مواجهة ألم الفقدان بالصّلاة لأجل مَن رَحَلوا عنّا. إنّ الله قد اشترك مع أبنائه البشر في هذا الاختبار: إذ شعر الآب بألم الفقدان يوم قدَّم ابنه ذبيحةً كفّارة عن جميع البشر، فكان موت الابن على الصّليب وسيلةً للعبور إلى الملكوت، أي إلى الحياة الأبديّة.
لقد اختبر الربّ يسوع ألم الفقدان يوم نادى أباه في الصّلاة طالبًا منه أن يُبعِد عنه هذه الكأس، كأس الموت. إنّ مريم بدَورها اختبرت هذا الألم إذ فقدت ابنها الوحيد وهو لا يزال شابًا. إذًا، إنّ ألم الفقدان هو اختبارٌ بشريّ بامتياز، ولكنّه أيضًا اختبارٌ إلهيّ: إذ إنّ الآب اختبر ما يختبره البشر يوم قدَّم ابنه كفّارة، فمات الابن على الصّليب.
لم نجتمع نحن المؤمِنين الحاضرين اليوم هنا، بسبب اختبارنا المشترك لألم الفقدان وحسب، إنّما لإيماننا المشتَرك بقيامة أمواتنا وانتقالهم إلى الحياة الأبديّة. إنَّ القيامة هي الوجه الآخر للموت. إنّ أكثر ما لفتني في رسالة جماعة “أذكرني في ملكوتك”، هو تشديدها على الوجه الآخر للموت، ألا وهو القيامة، مِن خلال حثّ المؤمِنين على ذِكر أمواتهم في الصّلاة وبخاصّة في الذبيحة الإلهيّة. إنّ أحبّاءنا الّذين غادروا هذه الفانية، قد اختبروا فيها القيامة، إذ آمنوا بالربّ يسوع وتعاليمه، وها هم اليوم يختبرون حقيقتها في معاينتهم لوجه الربّ في الملكوت.
فالقاسم المشتَرك إذًا، بين جميع الحاضرين ههنا، هو أمر إيجابيّ لا سلبيّ، إذ نحن الّذين لا نزال في هذه الحياة المحدودة، نذكر في صلاتنا الّذين انتقلوا للحياة الأبديّة غير المحدودة. إنّ صلاتنا لأجل الّذين أصبحوا في الحياة الأبديّة، هو تعبيرٌ عن شراكتنا مع الّذين سبقونا، كما تشكِّل ذبيحتنا لأجلهم مصدر تعزيةٍ لقلوبنا الحزينة على فقدانهم.
إنّ الحبيب يتمنّى لمحبوبه عدم الموت ليتمكّن من رؤيته على الدّوام. إنّ الحبّ البشريّ يبقى ناقصًا وبالتّالي عاجزًا عن تحقيق الخلود لأحبّائه، أمّا حبّ الربّ لنا فهو كاملٌ، وهو قادرٌ أن يمنحنا الحياة الأبديّة. إنّ محبّتنا للأشخاص الّذين غادرونا مُهِمَّة جدًّا لهم، ولكنّها لم تعد نافعة لهم، لذا على المؤمِن أن يسلِّم أحبّاءه لمحبّة الربّ القادرة، على حَسَبِ ما ورَد في سفر حزقيال، على إحياء العِظام الرميمة، ومَنْحِها القيامة الأبديّة.
إنّ الربّ هو الوحيد القادر أن يخلق الإنسان من العدم، وبالتّالي أن يمنحه الحياة في هذه الفانية، وفي الملكوت. إنّ محبّة الله للبشر هي أعظم من محبّة البشر لبعضهم البعض، لذا فلنتحلَّ بالتواضع، ولنُسلِّم أمواتنا لمحبّة الله العظمى، القادرة على غفران الخطايا ومَنْحِ الحياة الأبديّة لكلّ مَن يطلبها، أكان تحت التُّراب أم حيًّا في هذه الأرض.
في هذا المساء، نصلّي مع جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الّتي تحتفل بذكرى السنّوات الخمس على انطلاقتها في هذه الرعيّة، ونسأل الربّ أن يمنحَها دوام الاستمراريّة، وأن يزيد مِن انتشارها في الرعايا، إذ تجمع بين أورشليم الأرضيّة أي الأحياء في هذه الأرض، وأورشليم السماويّة أي الأحياء في الملكوت. إنّنا نرفع اليوم صلواتنا إلى الله على نيّة أمواتنا، بروح الرّجاء والإيمان أنّ أمواتنا قد أصبحوا مِن أهل الملكوت، ملكوت الحبّ، ملكوت الرّحمة، وبالتّالي نالوا الحياة الّتي لا تزول.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.