عِظة للخوري عمانوئيل الراعي، خادم رعيّة مار ضوميط – ساحل علما، كسروان،
الذكرى السادسة لانطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”في كنيسة سيّدة الانتقال، عينطورة – كسروان.
“اِفرحوا بالربّ دائمًا…”(في4:4)
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين
بدايةً، أودّ أن أشكر الأب الياس، لأنّه سمح لنا بمشاركتكم الصّلاة بفرح مع الشَّماس والشِّدياق ومع جماعة “أذكرني في ملكوتك”. إنّنا نحتفل وإيّاكم بالقدّاس الإلهيّ من أجل الإخوة الراقدين لنُعَبِّر لهم عن محبَّتنا تجاههم، من خلال الصّلاة.
إنّ زمن الصّوم، هو “زمن الفرح”، أي أنّه علينا ألّا نظهر أمام الآخرين بوجوه عابسةٍ حزينة، بل علينا أن نُشرق عليهم بوجوهٍ مبتسمةٍ تُعبِّر عن فرحتنا لمشاركة الكنيسة جمعاء في هذه المسيرة.
يبدأ زمن الصّوم بعرس قانا الجليل، الّذي حَضَرَهُ يسوع وأمّه مريم؛ وينتهي بِعرس القيامة، الّذي تمّ بحضور يسوع القائم من الموت وأمّه مريم. إنّ الكنيسة تدعونا في فترة ما بين العُرسَين، إلى عيش حالةٍ من العُرس الدائم مع الربّ فنتمكّن مِن العبور مع المسيح القائم إلى عرس السَّماء، عرس الحياة، الحياة الأبديّة.
في هذا الصّوم، يدعونا الربّ إلى السَّعي للتشبُّه به: فكما صام الربّ في البريّة واختلى بذاته للصّلاة وأعطى البشريّة ذاته يومَ مات على الصّليب حُبًّا بها كي يجعلها من أهل الملكوت السماويّ، كذلك على المؤمنين أن يصوموا مُتَحَلِّين بالرّوحانيّة نفسها، فيُكرِّسوا وقتهم للصّلاة الّتي تجعلهم أشخاصًا ممتلئين مِن نعمة الله، وبتواصل دائمٍ مع الربّ، ويتصدَّقوا بمالهم وبمحبّتهم على الآخرين المحتاجين.
إذًا، في هذا الزّمن المبارك، تدعونا الكنيسة إلى اختبار فرح العيش مع الربّ، واختبار الفرح مع أمواتنا الّذين عبروا من هذه الحياة، إذ قد تزيّن الملكوت بقداستهم.
“اِفرحوا بالربّ دائمًا، وأقول لكم أيضًا افرَحوا” (فيلبي4:4)، هذا ما يدعونا إليه بولس الرّسول في الرسالة الّتي تُلِيَت على مسامِعنا اليوم في هذا القدَّاس. إنّ بولس الرّسول يدعونا إلى عيش الفرح في كلّ آنٍ: في الاحتفالات السَّعيدة، كما في الاحتفالات الحزينة، وكذلك في أيّام الصُّعوبات والشِّدة. على المؤمِن أن يفرح ويبتهج، حين يُدعَى إلى عُرسٍ؛ كما عليه أن يعيش حُزنه على فقدان أحد الأعزّاء بفرح، أي أنَّ على بكائه أن يكون ممزوجًا بالفرح لإدراكه أنّ الربّ المنتصر على الموت، سيُقيم موتاه أيضًا ويُدخلهم معه إلى الحياة الأبديّة.
إنّ الفرح هو ثمرةُ قبول المؤمنين بالبشارة، وهو يشكِّل شهادة للآخرين عن إيمان المؤمنين بالربّ يسوع. إنّ كلّ عملٍ يُقدّمه المؤمِن على نيّة أمواته، يجب أن يقوم به بكلّ فرحٍ. إنّ أمواتنا لم يذهبوا إلى العدم، بل هم موجودون مع الربّ في السّماء. إنّ أكثر عملٍ نقوم به، يُفرِح أمواتَنا هو الصّلاة لأجلهم. إنّ صلاتنا لأجل موتانا هي ذاتُ منفعةٍ كُبرى لهم ولنا، على حدٍّ سواء: فهي تساهم في تسريع عمليّة دخولهم إلى الملكوت السماويّ، وتفيض علينا بركات مِن عند الربّ، وتساعدنا على فهم سرّ الموت بشكلٍ أفضل.
إنّ إنجيل الزّارع الّذي تُلي على مسامعنا، يشكِّل دعوةً لنا كي نكون تلك الأرض الصّالحة الّتي تنمو فيها كلمة الله، كلمة الحياة. فكلّما تعمّقنا أكثر فأكثر بكلمة الله، كلّما تمكّنا من فَهمِ سرّ الموت. على قلوبنا أن تبقى مستعدَّة لقبول ذلك الزّرع الإلهيّ، ألا وهو كلمة الله فينا. إنّ الزّرع الإلهيّ فينا هو الافخارستّيا الّـتي تتجلّى فينا: إذ علينا أن نرفع القرابين إلى الله الآب في كلّ ذبيحة إلهيّة نشارك فيها. إنّ تقرُّبَنا من الربّ وتناولَنا جسد الربّ ودمه، يُفرِّح أمواتنا لأنّه كلّما اقتربنا من الربّ، كلّما سَرَّعْنا دخولنا إلى الملكوت بعد انتقالنا من هذه الحياة.
ها نحن اليوم، نحتفل بذكرى السنوات السِّت لنشأة جماعة “أذكرني في ملكوتك”، في هذه الرعيّة المباركة. لقد زُرِعت هذه الجماعة في هذه الرعيّة إثر انتقال “فانسان” مِن بيننا إلى بيت الآب، ولذا نحن نشكر الربّ على كلّ الّذين يعبرون من بيننا إليه، لأنّهم يتحوّلون إلى مُحفِّزٍ لنا للثبات في إيماننا والتعمّق به أكثر فأكثر.
إخوتي، علينا ألّا نكون أنانيّين في تفكيرنا في أمواتنا، فالربّ لا يأخذهم منّا، إذ لا يرغب في أذيّتنا ورؤيتِنا حزانى. كلّما فَقَدْنا أحد الأحبّاء، علينا أن نشكر الربّ على نِعمة وجودهم في حياتنا، أكان عددُ سنِيّهم قليلاً أم كثيرًا. علينا أن نشكر الربّ على حياتهم فيما بيننا، وعلى نِعمة انتقالهم بالقداسة إلى الملكوت، إذ أصبحوا بحضورهم في مجد الله يزيِّنون السّماوات.
إنّ جماعة “أذكرني في ملكوتك” في عينطورة، اختبرت فرح العبور من خلال أخينا “فانسان” الّذي انتقل منذ ستِّ سنواتٍ إلى بيت الآب، فتحوّل انتقاله إلى محفِّزٍ لوالدته “تريز” كي تحثّ المؤمنين من حولها للصّلاة من أجل الأموات.
إخوتي، إنّ صلاتنا للرّاقدين من بيننا، تشكِّل علامةً وشهادةً للآخرين، أنّنا جماعةُ أحياءٍ لا أموات، فموتانا هم أحياء في الملكوت السماويّ، لا أمواتٌ في التُّراب. إنّ المؤمنِين يختبرون مجد القيامة، من خلال صلاتهم لأمواتهم. فمن لا يستطيع أن يختبر مجد القيامة وهو في هذه الأرض، لن يتمكّن من اختبار مجد القيامة في السَّماء. إنّ خطايانا لا تستطيع أن تقف حاجزًا في طريقنا صوب الملكوت، وما حال لِصِّ اليمين إلّا خير مثال على ذلك، فهو بالرُّغم من خطاياه الكثيرة، تمكّن من الدُّخول إلى الملكوت، حين طلب من الربّ أن يذكره في ملكوته، فكان له ما أراد.
ونحن أيضًا نستطيع الدّخول إلى الملكوت على الرّغم من خطايانا الكثيرة، إنْ توجّهنا إلى الربّ وطَلبنا منه أن يذكرنا في ملكوته، وهو سيستجيب بكلّ تأكيد لسُؤلِ قلبنا هذا.
ملاحظة: دوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.